أكد الباحث الأثرى سامح الزهار المتخصص فى الآثار الإسلامية والقبطية أن الإسلام قام بتكريم المرأة وعمل على إحياء حقوقها وإحلالها فى المكان اللائق بها، وقد رفع مكانة المرأة وصانها من الفوضى، وعمل على حمايتها من الاضطهاد والاستبداد الذى كان يلاحقها، فى الوقت ذاته كانت الشعوب والديانات لها موقف مختلف من المرأة. وقال - فى تصريح بمناسبة الاحتفال باليوم العالمى للمرأة الذى يوافق 8 مارس من كل عام - إنه فى الوقت ذاته، الذى كرّم الإسلام المرأة، كانت روما تقرر أن المرأة كائن لا نفس له، وأنها لن ترث الحياة الأخروية، وأنها يجب ألا تأكل اللحم ولا تضحك ولا تتكلم، أما الهند فقد اعتبرت المرأة تابعة لوالدها فى طفولتها ولزوجها فى شبابها، فإذا مات زوجها تبعت أولادها، وإذا لم يكن لها أبناء تبعت أقارب زوجها، لأنه يجب ألا تترك المرأة لنفسها بأى حال من الأحوال. وأضاف، أنه فى الصين كان لا يجوز للمرأة أن تأمر وتنهى فإن عملها مقصور على الأشغال المنزلية، ولا بد من احتجابها فى البيت حتى لا يتعدى خيرها وشرها عتبة الدار، أما فى الديانة الهندوكية فقد أغلقت أبواب التعليم فى وجه المرأة، فيما لم يكن للمرأة فى الديانة البوذية سبيل للنجاة لمن اتصل بامرأة، وفى الجاهلية كانت المرأة تدفن وهى طفلة حية خوفاً من العار والفقر. واستعرض الزهار صور تكريم المرأة فى الحضارة الإسلامية، مؤكداً أنه فى العصر الأموى (41-132ه/662-750م) برزت أهمية المرأة ودورها، وكان لها مركز اجتماعى مهم، ومنهم السيدة عائشة أم المؤمنين التى اشتهرت بعلمها فى الفقه والحديث والأدب والتاريخ، كما تميزت أيضاً أختها السيدة أسماء بنت أبى بكر زوجة الزبير بن العوام برواية الحديث الشريف والشجاعة وغيرها من الصفات الحميدة، وأيضاً فى ذلك العصر اشتهرت السيدة سكينة بنت الحسين بن على، وعائشة بنت طلحة، وهند بنت أسماء بن خارجة، كما اشتهرت بعض النساء بالزهد والصلاح مثل رابعة العدوية ومعاذة العدوية. وأشار إلى أنه فى العصر الأموى برزت بعض النساء فى العمل السياسى منهن أم البنين زوجة الخليفة الوليد بن عبدالملك، التى اشتهرت بالفصاحة والبلاغة وقوة الحجة، وكان لها مكانة ملحوظة فى قصر الخليفة الوليد الذى كان يستشيرها فى أمور الدولة. وقال إنه فى العصر العباسى، وتحديداً العصر العباسى الأول (132ه- 334 ه) فقد ازدادت مشاركة المرأة السياسية بسبب التطورات الاجتماعية، حيث اعتمد الخليفة المنصور على النساء فى جمع الأخبار عن أعدائه، لافتاً إلى أنه من النساء العباسيات اللاتي كان لهن دور فى هذا العصر زينب بنت سلمان، كما مارست المرأة القضاء مثل أم الخليفة المقتدر العباسى. وأضاف أنه فى عهد خلافة المهدى ظهرت المشاركة النسائية بصورة واضحة، وكان لنساء الخلفاء وأمهاتهم أثر لا يمكن إغفاله فى الشؤون السياسية، ولقد تدخلت النساء فى حياة المهدى وشؤون الدولة، أما فى عصر هارون الرشيد فمارست زوجته زبيدة السياسة وكانت الملكة الثانية فى بلاط العباسيين بعد الخيزران، وزاد إقبال الناس على الجوارى وتعليمهن ودفع الأثمان الباهظة فى شرائهن، وقد أثر ذلك على مختلف جوانب الحياة، ما أدى إلى زيادة تحرر المرأة واندفاعها للمشاركة فى شؤون الحياة المختلفة. وأكد أن المرأة فى العصر الفاطمى (358-567ه/ 969-1172م) تبوأت منزلة عالية ولعبت دوراً مهماً فى المجتمع المصرى، فقد حازت على الكثير من الألقاب التى تدل على التقدير، حيث أطلقوا على زوجات السلاطين لقب (الجهة)، وكانت أحياناً تقرن بالجهة العالية أو المعظمة ويسبقها كلمة "مولاتنا"، كما أطلقت ألقاب كثيرة على أميرات قصر الخلافة مثل السيدة، والشريفة، والطاهرة، والجليلة، والمحروسة، ولم تحرم المرأة العامية من تلك الميزة فحازت على عدد من الألقاب مثل ست العيال، وست الأهل، وست البيت، وست الستات، وست الكل. وأضاف أن العصر الفاطمى شهد بزوغ نجم الكثيرات، فكانت أول النساء التى حظيت بمكانة عالية السيدة (تغريد) زوجة الخليفة الفاطمى المعز لدين الله، وكانت تلقب ب(أم الأمراء) وكانت امرأة ذات عقلية تجارية فذة لها نشاط تجارى كبير تبعث بالجوارى والعبيد من المغرب ويتم بيعهن فى مصر على يد وكيلها، وكان الخليفة يطلب مشورتها فى بعض أمور الدولة، وقد شيدت الكثير من المنشآت المهمة مثل قصر القرافة الذى وصفه المقريزى بأنه قصر فخم يسر الناظرين. وأشار إلى أنه فى العصر الأيوبى (567-648ه/ 1172-1250م) أسهمت المرأة فى الحركة الثقافية، سواء ببناء المدارس أو بالدراسة والتدريس، وتتلمذ على يديها العديد من العلماء، ومنهم ابن عساكر، كما أسهمت فى الحركة الاقتصادية والاجتماعية، كما يلاحظ الدور الكبير الذى لعبته نساء الأسرة الأيوبية فى إغناء دمشق بالمنشآت الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فمعظم الأبنية بنتها نساء من الأسرة الحاكمة، وكانت عصمة الدين خاتون زوجة نور الدين التى تزوجها بعد وفاة نور الدين صلاح الدين، أكثرهن بناءً، فقد أقامت مدرسة وتربة وخانقاةً وخاناً. وقال إنه فى العصر المملوكى (648 923ه/ 1250 1517م) ظهرت وظائف جديده للمرأة منها مهنة الخاطبة، وكانت المرة الأولى التى تظهر تلك المهنة فى العصر المملوكى، كما عملت المرأة كدلالة تحمل البضائع المختلفة وتمر على البيوت، وقد وجدت هذه المهنة رواجاً كبيراً لعدم استطاعة النساء الخروج إلى الأسواق بصفة مستمرة، كما عملت كمرضعة فى بيوت الموسرين. وأضاف، أنه من أشهر سيدات العصر المملوكى (خوند بركة) أم السلطان شعبان وزوجة الأمير الجاى اليوسفى، واشتهرت باسم "أم السلطان"، وقامت بتشييد مدرسة تدرس فيها المذاهب الأربعة ويستدل من الكتابات التاريخية بالمبنى أن السلطان شعبان هو الذى أنشأه لوالدته، لكن المقريزى وعدداً من المؤرخين ينسبون إنشاءه إلى خوند بركة، وأطلق عليه الناس مسجد "أم السلطان"، وقد أمرت بكتابة مصحف تم تدوينه بالخط النسخ وحلى بالذهب واللازورد وضعته بمدرستها ولا يزال موجوداً بدار الكتب، وبعد الانتهاء من تدوين المصحف مرضت واعتل جسدها وتوفيت عام 1373. وأكد أن المرأة فى العصر المملوكى حصلت على ألقاب عدة أخرى، فأطلقوا على نساء السلاطين بركة الملوك، وذات الحجاب المنيع، وسليلة الملوك والسلاطين، والشريفة العفيفة، وغصن الإسلام، وفرع الشجرة الزكية، والستر الرفيع، ويسبقها لقب (خاتون) أى السيدة الشريفة بالفارسية، و(خوند) أى سيدة بالتركية.