يظفر العمل بمكانة رفيعة وأهمية بارزة بين أسس وقيم ومبادئ الإسلام، خاصة إذا كان هذا العمل يتوقف عليه انهيار دولة إسلامية بسبب تراجع حركة الإنتاج وكثرة الاعتصامات والمطالب الفئوية، وهو ما يحدث في مصر بعد أحداث ثورة 25 يناير. ومن دلائل الاهتمام بالعمل أن ذكره الله تعالى في كتابه الكريم ما يقارب 330 مرة، حيث تعددت اشتقاقات الكملة، حتى أصبحت كلمة "عمل" من أكثر الكلمات ورودا في القرآن، واستخدمت مشتقاتها العديدة فيما وضعت له فأشار إلى عمل (19 مرة) وعملوا (73 مرة) وتعملون (83 مرة) ويعملون (56 مرة) وأعمالهم (27 مرة) ويعمل (14 مرة) فضلا عن بقية المشتقات التي ذكرت مثل عملت – أعمل – يعمل – عملا – عملكم – أعمالكم – أعمالنا – عامل – عاملون – عاملين. وفي غضون الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد المصري في الآونة الأخيرة بسبب توقف قطار العمل، قدرت دراسة حديثة هذه الخسائر بنحو 172 مليار جنيه (بما يعادل 30 مليار دولار تقريباً) شملت مختلف القطاعات الصناعية والخدمية والتجارية. ورصد معهد التخطيط القومي (جهة حكومية) الخسائر الإجمالية حتي منتصف مارس بنحو37 مليار جنيه بسبب توقف عدد كبير من الشركات المصرية المنتجة والمصانع الكبري بالمدن الصناعية وقلة تحويلات المصريين بالخارج والتي تمثل 8 في المئة من الناتج القومي المصري وانخفاض الصادرات السلعية حوالي6 في المئة في الشهر الأول من الأزمة ووصل إلي40 في المئة حاليا، غير سقوط قيمة الجنيه المصري أمام الدولار واليورو والين الياباني وغيرها. ورصدت الدراسة خسائر كل قطاع علي حدة حيث أكدت أن خسائر قطاع السياحة وصلت إلى 3 مليارات دولار حتي الآن نظرا لتناقص عدد السياح والسياحة العالمية بعد ثورة25 يناير، ويشكل قطاع السياحة 31 في المئة من الناتج القومي الإجمالي ويعمل به حوالي 3.5 مليون عامل مصري. وفيما يتعلق بقطاع الطيران فقد خسر نحو700 مليون جنيه وانخفاض في نسبة الركاب تصل إلي 56 في المئة بسبب تراجع نسب الحجز والسفر والرحلات الخارجية علي الخطوط المصرية لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، فضلا عن خسائر القطاع العقاري التي من المتوقع أنها ستبلغ مليار جنيه مع نهاية هذا العام. وكشفت الدراسة أن الاحتياطي النقدي لدي البنك المركزي المصري قد لحقت به خسائر تصل إلى 6 مليارات دولار( مدفوعات مباشرة) بعد أن كانت36 مليار دولار في نهاية ديسمبر الماضي وصلت إلى 30 مليار دولار فقط خلال شهر مايو. وتختتم الدراسة بتوقعات خبراء الاقتصاد المصري حول عجز الموازنة العامة للدولة ليصل إلى 136 مليار جنيه في مقابل109 مليارات جنيه كانت متوقعة قبل اندلاع ثورة25 يناير. وطبقا لما عرض حول هذه الخسائر، أكد الدكتور عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر، أن الإسلام جعل العمل أفضل العبادات على الإطلاق حتى أنه قرن الإيمان بالعمل، مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العمل". وشدد الأطرش على أن المرء يأثم إثما عظيما إذا كان سببا في انهيار اقتصاد وطنه، مشيرا إلى أن الغاية الكبرى التي خلق الله من أجلها الإنسان هي العبادة، حيث قرن صحة هذه العبادة بالعمل وإعمار الأرض، مشيرا إلى أن الله -سبحانه وتعالى- استخلف البشر في الأرض بقصد عمارة الكون وإنمائه واستغلال كنوزه وثرواته، والناس في ذلك شركاء، والمسلمون ينفذون أمر الله ومقاصده، مستدلا بقوله تعالى "هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا"، "وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ". ولفت إلى اعتبار الفقهاء تعلم أصول الحراثة والزراعة ونحوها مما تتم به المعايش التي بها قوام الدين والدنيا من الفروض، وخصصوا باباً معيناً للكلام عن "إحياء الموات" و"استصلاح الأراضي المتروكة"، فضلا عن الإسلام حض عموماً على الضرب في الأرض أي السفر التجاري والسعي الحثيث في مناكبها، والتنقيب عن موارد الرزق في البر والبحر، والإنشاء والتعمير وتوفير أسباب المعيشة والتنافس المشروع في كسبها، والتسابق في الخيرات كلها دنيوية أم آخروية. وأكد الأطرش أن معنى استخلاف الله للبشر وخلافتهم عن الله في الأرض يتطلب طاعة المستخلف طاعة كاملة، ولأن السيطرة على الأرض بتمكين الله للبشر تقتضي استغلال كل أوجه الخير فيها من استنبات الزرع، وإحياء الضرع، وتشجير الأشجار، واستخراج المعادن والزيوت، واستثمار المناجم والمحاجر والمقالع وإقامة المساكن والمصانع والقرى والمدن حتى يعرف بكل ذلك ونحوه عظمة الله وقدرته؛ لأنه هو مانح الحياة لكل الموجودات. واختتم الأطرش حديثه بمناشدة المصريين بتفويت الفرصة على أعداء هذا الوطن الذي كرمه الله بذكره في القرآن، من الشماتة والتشفي فيه، وأن يصبروا ويصابروا حتى تخرج البلاد من كبوتها، وأن يستميتوا في إعمار هذا البلد الغالي مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل". اتفق معه الدكتور عبد الحليم عويس قائلاً: "إن هناك الكثير الذين يستعجلون على تحقيق المطالب ناسين أن البلد كان مسروقا ومنهوبا وغير واعيين إلى المعادلة الحضارية التى تقول : "إن الواجبات يجب أن تسبق الحقوق"، أما الرجال بحق فعليهم أن يشمروا سواعد الجد ويعملوا ساعات إضافية لخدمة الوطن بدلا من أن يعطلوا الإنتاج مطالبين بزيادة المرتبات . بل أكد الكتور عويس على أن هذا السلوك يعتبر خيانة تجهض الثورة ويمكن أعداءها، من فلول النظام السابق، لافتا إلى أن الإسلام عظم من قيمة العمل ورفع شأنه حتى جعل منزلته من منزلة الجهاد في سبيل الله، وفي ذلك يقول كعب بن عجزة: مرَّ على النبي- صلى الله عليه وسلم- رجل، فرأى أصحاب النبي من جلده ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وتَفَاخُرًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ". وقال عويس: "على العامل أو الموظف أن يتقي الله- عز وجل- في عمله، وأن يكون عمله خالصًا لوجه الله وابتغاء مرضاته ليخدم وطنه ومجتمعه؛ لا لكي يظهر على زملائه، أو ليتودد لرئيسه لينعم بالمكافآت المادية وخلافه فإن الله عز وجل قال فى كتابه الكريم "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". (الرعد: 11 ) وحذر الدكتور سمير رضوان، وزير المالية من توقف عجلة الإنتاج لأن توقفه بالفعل يزيد من الأعباء على الحكومة فيما يتعلق بتحقيق هذه المطالب الفئوية، وتلبية المطالب المشروعة للمواطنين ومنها زيادة الرواتب والأجور، وقال: "أننا في حاجة لزيادة الإنتاج في تلك المرحلة بشدة". وأوضح رضوان أن ربع ميزانية الدولة تقريبا يذهب للأجور، والربع الآخر للدعم، والباقي لخدمة الدين، ونحن في حاجة إلى وقفة مجتمعية، نساعد بها بعضنا البعض لكيفية تدبير الأموال اللازمة.