كان مجلس الشعب فى السابق، يتدخل فى تعيين رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، بعد انتهاء مدة رئيس الجهاز، يبلغ رئيس مجلس الشعب، رئيس الجمهورية بخلو المنصب لترشيح من يراه لخلافته، ويعرض رئيس المجلس اسم المرشح الذى يرد إليه من رئيس الجمهورية على اللجنة العامة للمجلس لإعداد تقرير عنه فى اجتماع خاص، وتتم مناقشته فى الجلسة العامة لمجلس الشعب، ويبلغ رئيس المجلس رئيس الجمهورية بالقرار الذى يتخذه المجلس، ولم يعترض مجلس الشعب على أى رئيس لجهاز المحاسبات اختاره رئيس الجمهورية، خلال هذه المرحلة كان جهاز المحاسبات يتبع مجلس الشعب بالكامل، وكان رئيس جهاز المحاسبات، يرسل صورة من تقارير الجهاز السنوية وملاحظته وقت إبلاغها إلى الحكومة الى رئيس مجلس الشعب، كما كان يقدم له تقريراً سنوياً عما تكشف للجهاز أثناء متابعته لتنفيذ الخطة العامة والموازنة العامة للدولة من قصور أو نقص أو انحراف فى تحقيق أهدافها، وعن نتائج الفحص الذى يجريه الجهاز لموازنات وأنشطة المصالح والهيئات والأجهزة العامة ووحدات الإدارة المحلية والوحدات الاقتصادية للقطاع العام، وكان يجوز للمجلس تكليف الجهاز المركزى للمحاسبات بإعداد تقارير عن أى عمل أو نشاط تقوم به المصالح الإدارية والتنفيذية بالدولة والمنظمات الخاضعة لإشراف الدولة والمشروعات التى تسهم فيها. كانت تقارير جهاز المحاسبات تناقش فى لجان مجلس الشعب حسب اختصاص كل لجنة، وأحياناً كان المجلس يخفى التقارير المهمة التى تكشف فساداً حكومياً كبيراً، وكانت التقارير تأتى الى المجلس عليها ردود الجهات الحكومية، وبعض التقارير كانت تعرض فى الجلسة العامة، ومعظمها لا يرى النور. وفى السنوات الأخيرة من حكم مبارك تم تعديل قانون الجهاز المركزى للمحاسبات، وأصبح يتبع رئاسة الجمهورية من الناحية الإدارية، وفقد مجلس الشعب جزءاً كبيراً من سلطته على الجهاز، وأصبحت التقاير الخطيرة لا تحول الى المجلس، رغم بقاء سلطة المجلس فى تكليف الجهاز بما يطلبه من تقارير عن جهات معينة، استفاد المستشار جودت الملط رئيس جهاز المحاسبات السابق من هذا التحول بأنه أصبح هيئة رقابية تابعة لرئاسة الجمهورية، لكن الجهاز نفسه فقد بريقه، وأصبح بلا أنياب حقيقية بسبب الفلتر الذى تم وضعه على انتاجه من تقارير الفساد، لكن ذكاء الملط جعله يتغلب على هذه الأزمة بعد اكتشافه أنه يواجه حرباً من بعض رموز نظام مبارك من الذين جمعوا بين السلطة والمال، وزوجوا المال بالسياسة، فكان الملط يتعمد اضفاء صبغة سياسية على تقريره السنوى الذى يلقيه، أمام البرلمان على الحساب الختامى لموازنة الدولة، يكشف فيه انه مكلف من رئيس الجمهورية بفضح الفساد الحكومى، وأن الحكومة عاجزة عن تنفيذ طموحات الرئيس فى توفير الحياة الكريمة للمواطنين، وأن الفساد تحول الى اشباح تتحرك فى الظلام لا يراها إلا الفاسدون، كان كلام الملط فى السياسة يحرج رجال النظام الذين على رأسهم بطحة، وكانوا يطالبون الملط بالتركيز فى اختصاص الجهاز وهو الرقابة المالية، وعدم الخوض فى السياسة، وكان الملط يقول انه مفوض من رئيس الجمهورية بالتعبير كما يشاء، وأن مهمته كشف الفساد، كما كان الملط يسرب التقارير المهمة التى يعتقد أنه مطلوب عدم الكشف عنها الى الإعلام، بدون أن تدرى شعبة الفساد فى الحزب الوطنى، وتظهر التقارير الإعلامية والصحفية فى تعليقاتها على تقارير جهاز المحاسبات المسربة اليها على أن مصدرها مجلس الشعب وليس جهاز المحاسبات، ويوصم مجلس الشعب بالتستر عليها وعدم مناقشتها. أحياناً مجلس الشعب كان يخفى التقارير المهمة، وأحياناً كانت لا تصل إليه، وكان اللقاء السنوى أو المواجهة بين الملط وبطرس غالى وزير المالية تصل الى حد تبادل السباب، خاصة عندما كان ينضم أحمد عز حامل مفاتيح الهيئة البرلمانية للحزب الوطنى فى مهاجمة الملط، كان المستشار الملط بليغاً فى تعبيراته، قوياً فى أدائه، يجذب المستمعين داخل البرلمان، ولكن شعار هذه الفترة كان «لا حياة لمن تنادى»، كان نواب الحزب الوطنى يستمتعون بكشف الفساد وكأنهم يتدربون على ارتكابه، وباءت محاولات الملط فى محاسبتهم بالفشل، وأصبح كمن يؤذن فى مالطا، لكنه كان يصر كل عام على مواجهة وزير مالية نظام المخلوع، ورغم الإهدار البشع للمال العام الذى كانت تنطق به الأوراق الرسمية إلا أن الملط كان كمن يحمل سيفاً من ورق فى مواجهة صواريخ النظام، وهتاف الحرامية من خلف «غالى» لن نحيد عن الفساد سبيلاً، ويتم إغلاق المحضر فى ساعته وتاريخه، ويكتفى الملط بالأذان فى مالطا، وينفرد به «عز» وأتباعه ليلقنوه درساً فى عدم الخلط بين الرقابة والسياسة، وعدم نقد الحكومة، ويقول الملط أنا لدى تعليمات من الرئيس أقول ماأشاء، ويصيح رئيس مجلس الشعب «سيبوه يتكلم»، هو يعنى الكلام عليه جمرك ويضحك وزير مالية المخلوع وينظر الى حامل مفاتيح الضبط والربط البرلمانى ويقول: الحكومة ليس لديها مانع فى فرض جمارك على الكلام، ويخرج رئيس جهاز المحاسبات من الجلسة «ملط»، ينظر إلى أحد مساعديه الذى يسمعه يقول له: وكأنك ياأبوزيد ما غزيت، فيرد الملط، أنا سأبلغ الريس. ويرد مساعده «اتلم الملط على خايب الرجا»، وأحد الواصلين فسر هذه العبارة بأن الرئيس خلاص سلم المفاتيح للحرس الجديد وبرضه فيهم بطرس وعز، وجمال ياجماله.