ثلاثة، لو أنك مصري، لربما تمنيت اليوم أنهم على قيد الحياة في أم الدنيا بعد ثورة الميدان، والثورة الثانية للميدان في بلد التسعين مليوناً، وبلد النكتة وخفة الدم . . الثلاثة: يوسف شاهين، وأمل دنقل، وعبدالحليم حافظ . انظر إلى المشهد المصري من بعيد بعين ثقافية وعين شبه سياسية . العين الثانية فرضها علينا الإخوان المسلمون الذين هجموا على مصر وكأنهم غزاة . هذه بلاد مصريين، ولكن "الإخواني المعتم" لا يريد للنيل أن يجري كما هو في الجغرافيا، وفي التاريخ، ولا يريد للبحر أن يكون طفلاً شقياً يمدّ لسانه للاسكندرية، ولا يريد براءة الصحراء، كما هي عذراء في سيناء . عميان معصوبو الأعين والقلوب يشوّهون بلادهم التي في مثل هذا العنف ليست بلادهم . مصر بلادي وبلادك في هذا الوقت . ومن يهجم عليها يخرّب تاريخها ومذاقها وصورتها . يختطفها منك ومني . يختطف الذاكرة . لن نبتعد عن الثلاثة . . كان يوسف شاهين "شقي" السينما المصرية وعرّابها وأكثر المخرجين جرأة على المشهد البصري السينمائي وتحويله من شريط إلى قصيدة . وكم أتمنى الآن لو أنه على قيد الحياة مع فريقه في شوارع القاهرة " . . القاهرة ليه؟" لأنها مدينة الولادات الإبداعية المتألقة، ولكن نقيض القاهرة وعدوّها الذي خرج من بطنها يعيث فساداً في الحياة وفي الإنسان وفي الممتلكات . كائن تخريبي كهذا، وفي زمن كهذا كيف يصوّره يوسف شاهين في فيلم؟ هل يحب الإرهاب . . السينما؟ في منطق الإرهاب والإرهابيين، لا حاجة للسينما، ويوسف شاهين زنديق، وما أسهل استصدار صكوك التكفير . أمل دنقل هو الآخر على لائحة الصكوك . أتخيله لا يغادر مقهى ريش . يضع رِجْلاً على رجل ويدخن الشيشة، وعينه على بائع الطعمية الغلبان الذي بُحّ صوته وهو ينادي على رزقه بجلابية تشبه جلابية أحمد فؤاد نجم، هؤلاء محذوفون من قاموس "الإخونجي" الذي لا يرى إلا ظله . هؤلاء الهامشيون والمنسيون يجب شق رؤوسهم بالسيوف . أما عبدالحليم حافظ فسوف يوبّخ صاحب الصكوك بمدّاح القمر . صاحب قارئة الفنجان، ملحد وشيطاني وكافر هو الآخر، يجب قطع رأسه ولسانه، لكنه الآن لا يقف على المسرح . انهار المسرح على رؤوس القتلة . مصر لا تتخلّى عن مصر . مذاقها تحت اللسان وفوق اللسان، ولن يختطفها أصحاب الصكوك . نقلا عن صحيفة الخليج