عدة كتب، جاءتنى فى الأيام الأخيرة، ولكنها جاءت فى وقت طغت فيه السياسة والاهتمام بقضايا الوطن.. رأيت تأجيل الكتابة عنها.. وإن كان بعضها يمزج السياسة بالفن.. والادب بالتاريخ.. والدسائس بالمؤامرات.. ولكننى اخترت اليوم كتابا فضلت أن أبدأ به.. لأنه جاء من كاتبة أعتز بها، واحترم كلمتها ربما لأنها من اللواتى يتخذن الجدل أسلوبا.. بل وتخوض المعارك من أجل ما تؤمن به، وتعمل. ولكن من أهم ما جعلنى أبدأ الحديث به، أن مؤلفته هجرت الحياة وسط المعامل والأبحاث العلمية، فهى خريجة كلية العلوم بجامعة عين شمس، ويرى البعض أنها أفضل كليات العلوم فى جامعاتنا.. أقول هجرت المؤلفة حياة العلم والعلماء والمعامل ومراكز العلوم.. إلى الفن بكل أقسامه من سينما ومسرح بحثًا عن طريق.. وأعتقد أنها وجدت نفسها فى هذا المجال الفنى، فما أكثر خريجى كليات العلوم «العاديات».. وما أقل النابغات فى عالم الفن والنقد الفنى. هى حنان أبوالضياء، ابنتى التى لم أنجبها، ولكننى اختصصتها بالرعاية والحنان الأبوى، فقد كنت أرى فيها «نبتة» صالحة ستخرج لنا شجرة وارفة.. مثمرة. وكنت أتوقع أن يكون كتابها الأول والمثير عن الفن وسنينه.. والنقد الفنى ودهاليزه.. ولكنها فاجأت الجميع وجاء كتابها غارقًا فى السياسة وهموم السياسة، بل فى أعمق أعماق علم الجيوبولتيك - أى الجغرافيا السياسية - وهو علم عميق.. ولكن هكذا أرادت حنان أبوالضياء أن تصدم القارئ وهى تقدم كتابا لها ربما لا يجرؤ كثير من الرجال على أن يبحروا فيه. عنوان الكتاب يشد كل باحث عن الحقيقة!! الباحث عن المعرفة.. وبالذات عن دور تحاول دولة صغرى أن تلعبه، بينما هى مجرد حى صغير فى مدينة كبيرة عمرها مئات السنين.. فى حضارة عمرها آلاف السنين. عنوان الكتاب «قطر تشترى العالم» تلك المستعمرة الصهيونية التى زرعوها فى الوطن العربى، على حدوده الشرقية.. بعدما زرعوا إسرائيل فى قلب هذا الوطن. وأكيد أن هذا الكتاب استغرق إعداده وقتًا طويلاً.. وبحثاً متعمقًا فى المصادر والمراجع، مما جعلها تقرأ العديد منها من صحف كبرى فى بريطانياوأمريكا وكندا وفرنسا.. كما غاصت فى كثير من المراجع بداية من وثائق ويكيليكس الشهيرة إلى كتب أخرى، حتى الصحف الإثيوبية لم تتركها وكلها - أو بعضها - أثارها لغز هذه الإمارة الصغيرة.. حتى أن المؤلفة وصفتها بأنها «زكيبة فلوس أصبحت بين عشية وضحاها محركًا للأحداث فى العالم».. أو هى فقاعة هواء تمددت فأصبحت إعصارًا تسعى إلى ابتلاع حضارات داخل جوف من العمالة.. ياه يا حنان!! والفصل الأول يروى كيف تحاول قطر أن تمتلك العالم بفلوسها، ولا عزاء للحضارة.. والثانى كيف تشترى الدوحة - عاصمة قطر - التاريخ.. وما هو سر قوة الخيمة والنخلتين، ولكن الفصل الرابع يسلط الضوء على المؤامرة الثلاثية: قطر وتركيا والإخوان، ثم كيف أصبحت قطر هى مسمار العم سام فى الخليج، حتى قبل أن تحتل أمريكا منطقة العيديد وتحولها إلى أكبر قاعدة عسكرية أمريكية فى الشرق الأوسط، والأدنى، كله.. فهى - أى القاعدة - تطل على الشاطئ الشرقى أى إيران وتراقبه، وأقدامها نفسها فى مياه الخليج.. وهذا يجرنا إلى الفصل السادس عن دور قطر سمسار التطبيع مع إسرائيل. وشدنى عنوان الفصل السابع، العملاقة والقزمة أى مصر وقطر ثم هذا الوجه القبيح، الذى يفرق بين العرب.. ولكن حنان أبوالضياء تلقى الضوء شديدًا على محاولات قطر من شراء الرئيس الفرنسى، وكيف أن قناة الجزيرة ما هى إلا جاسوس فى صورة قناة. ولأن حنان تمتلك قدرة هائلة على الصياغة فإنها جعلت الفصل الأخير بهذا العنوان المثير «تحميم القادم بقوة دعم نسائية ثلاثية».. وتميم هو ابن الحاكم السابق الشيخ حمد الذى انقلب على أبيه وسرق منه العرش. والمؤلفة تلخص كل ما تعبت من أجله - فى هذا الكتاب - بهذا التعبير البديع: ميت ألف صرمة على الفلوس.. وأصل الحضارة مش بالفلوس. إنه كتاب يصعب تقديمه فى مقال.. ولكن حنان استطاعت أن تشدنى إليه بمزجها بين اللغة الفصحى والتعبيرات العامية المؤثرة.. ويكفى أن أقول هنا إن هذا الكتاب كشف لنا «الوجه السياسى» الآخر للمؤلفة.. التى كسبها الفن مرة.. وكسبتها السياسة ألف مرة.. ولو على حساب العلوم!! ألهذا سوف أقرؤه مرة أخرى.. وربما مرات أخرى لأعرف الحقيقة.