«مصر كبيرة تستحق الكثير»، هكذا عبرت الفنانة الكبيرة سميحة أيوب عن رأيها عما يحدث في مصر هذه الأيام، مشيرة الي أن حالة الحراك السياسي التي تعيشها مصر من المؤكد أنها ستعم علي الفن وعلي جميع المجالات بالخير والتغيير. الفنانة القديرة تعيش حالة نشاط فني بتصويرها مسلسل «المرافعة» كما تنتظر تكريم المركز الكاثوليكي لها بجائزة الريادة عن مجمل أعمالها في دورته ال62، سيدة المسرح الأولي تعيش حالة ترقب لترشيح المشير عبدالفتاح السيسي للرئاسة وتنصح الفنانين بالعودة الي عصور الثقافة والفن لإنقاذ مصر من السقوط الي الهاوية الثقافية. سألتها: كيف ترين تكريمك في الدورة ال62 للمهرجان الكاثوليكي هذا العام؟ - تكريم مميز وسط ظروف عصيبة، خاصة أن المركز الكاثوليكي صرح ديني يهتم بالفنون وأهميتها في بناء المجتمع وهذا ما يجب أن يكون عليه الفن، فالأعمال الفنية أعمال سامية من المفترض أن تسمو بقيم المجتمع ومبادئه، فالفن والثقافة هو الطريق نحو الأفضل ولذا فأري أن تكريمي هذا العام شرف كبير لي في ظل خروج آمن للفن من يد جماعة أرادت احتقاره والتقليل من شأنه. الفن دائما يشرح الواقع ويتنبأ بالمستقبل، هل مازال دور الفن كذلك؟ - الفن يمتلك حالة استشعار عالية ولكن هذا عندما كنا نمتلك فنا حقيقيا، لكنه الآن مضطرب بسبب الفنانين والمنتجين، الفن يتنبأ بعملية حسابية حيث يعرض الواقع وبعدها يبني عليه فروضا ليظهر المستقبل لكن للأسف لم يعد لدينا فروض ولم يعد هناك خيال للمؤلف يتوقع ما يمكن أن يكون عليه المستقبل حتي نحكم بأن الفن يتنبأ به، ولذا أتمني من المثقفين محاولة العودة بالفن من جديد الي عهد التنوير والتثقيف لا بالاعتماد علي جمع المادة وتقديم أعمال هزلية. تشاركين في الماراثون الرمضاني القادم بمسلسل «المرافعة»، ماذا جذبك للسيناريو؟ - عندما عرض عمل فني علي، تكون أول اهتماماتي قراءتي العمل ككل وبعدها تحديد كيفية توظيف دوري فيه، وأنا أري أن العمل مكتوب بحنكة شديدة والمخرج عمر الشيخ لديه رصيد جيد من الأعمال الذي يسمح بخروج العمل بشكل محترم بالإضافة الي أنه عمل اجتماعي لكنه قريب جدا من الواقع الذي نعيش فيه ما بين تزاوج المال والسلطة من خلال امرأة قوية تسيطر علي أبنائها وتجبرهم علي أن يتخذوا عدة قرارات في حياتهم. تميلين دائما لتقديم شخصية الأم القوية «الجبارة» صاحبة القرار؟ - أعتقد أن هذا دور الأم في الحياة، فإذا نظرنا لأي كارثة في المجتمع أو ابن عاق لأهله نجد أول مواصفات الأم عند العودة لشخصيتها هي تدليل الأبناء وهذا ليس دور الأم لكنها عصب المجتمع هي من تقول افعل أو لا تفعل وتجبر ابنها علي تنفيذ ما تريد، عندما قدمت شخصية الحاجة «ونيسة» في مسلسل «مزاج الخير» كانت شخصية قوية وجبارة ولكن كانت هناك علاقة مختلفة بينها وبين ابنها «خميس افندينا» فهناك حالة حميمية لكن في «المرافعة» أجسد صوت الحق الذي يقف في وجه أبنائها وتتقدم ليسيروا علي الصراط المستقيم فالأم هي من تجمع بين الحنان والقوة في وقت واحد، إضافة الي أن التربية لها عامل كبير في رقي المجتمع ولولا ذلك لضعف عصب الأسرة والنشء. وهل هذه هي شخصيتك الحقيقية؟ - لا أنكر ذلك فالشخصية التي أجسدها لابد أن تكون نابعة مني وأنا امرأة قوية، ولكن موضوعية، فلا أنجرف تجاه عواطفي في الحكم علي الناس فلدي القدرة أن «أدغدغ» عواطفي ولكن ليس علي حساب أحد إلا نفسي المهم أن أكون في طريق الصواب. لماذا ابتعدت عن السينما بعد آخر أعمالك «تيتة رهيبة»؟ - وأين السينما الآن، لا أسمح لنفسي بأن أنجرف في سينما الإسفاف والألفاظ الخارجة، فلم تكن أبدا هذه هي الصورة المشرفة لمصر، وهذا طبيعي لأننا في وضع غير مستقر فكيف نبدع ونحن لا نشعر باستقرار وكيف ينفق المنتج علي سينما بلا مضمون، لذلك أنا أعذر المنتجين الذين توقفوا عن الإنتاج أو أوقفوا أعمالهم خوفا علي ما تبقي لهم. كيف ترين تجارب السينما المستقلة وتمثيلها لمصر في المهرجانات؟ - كلها محاولات جيدة لحفظ ماء مصر أمام العالم، ووسيلة لخروج طاقات وإبداعات وفنانين جدد ولإظهار مواهب تساعد في تسيير عجلة الإنتاج، وبدلا من أن نقول مصر لم تعد بلد الفن كما كانت من قبل، يكفي أن مصر التي كانت تشارك في المهرجان ب15 و20 فيلما أصبحت الآن لا تجد فيلما واحدا تشارك فيه بل تبحث عن عمل ينقذها. هل ترين أن الدرما تغني عن وجود السينما؟ - علي العكس لا يمكن لفن أن يستبدل مكان فن آخر، لكن للأسف السينما تعاني ليست فقط من أزمات مادية، لكنها تعاني من صعوبة حضور الجمهور فيها، نحن لدينا أزمة مرور حقيقية، وإذا خرجت أسرة للحاق بفيلم ستدخله بعد انتهائه أيضا الشباب فقط هم من يدخل السينما فيجدون حضور حفل لفرق مستقلة جديدة أو المشاركة في المظاهرات، لم تعد الأسرة كما كانت تأخذ السينما وسيلة للترفيه والخروج، علي عكس الدراما فهي باب مفتوح للثقافة والمعرفة والتنوير وتجد فيها السياسة والفن وتفاصيل المجتمع لكن السينما أصبحت عبئا علي الجميع. وماذا عن المسرح؟ - سقط سهوا للأسف هذا أضعف وصف لما حدث للمسرح الآن لم يعد هناك مسرح محترم يمكن أن نقف عليه ونقدم موضوعات تليق بالفن المصري، المثقفون والفنانون لديهم هوس بتقديم أعمال تعبر عن مصر وتقديم نصوص بعيدة عن السوقية، فالمسرح هدفه الأول تقديم النصوص الجادة، لا لتقديم أعمال هزلية وأغان سوقية فلا يمكن أن نقبل بهذه النماذج علي خشبة المسرح، وليس كل فنان نجح في السينما بكلمات وأغان لديه القدرة أن يقدم هذه الأنواع علي خشبة المسرح، فالمثقفون يعلمون أن لخشبة المسرح قدسية، لكن للأسف كل شيء يدل علي التحضر تم تدميره الآن، والفن مثل الأواني المستطرقة يتأثر ببعضه والسوقية أصبحت هي السمة المميزة له. وفي رأيك.. ما السبب في هذه السوقية خاصة مع دخول الألفاظ الإباحية والملابس العارية والمشاهد الخادشة إلي الدراما أيضا؟ - غياب الحدث الفني لدي الفنانين والمنتجين والنية لظلم النشء الجديد وخروجه في مجتمع لاعلاقة له بالأدب هو السبب الحقيقي وراء ذلك، ولابد أن ينتبه القائمون علي الفن لهذه المصيبة، للأسف في السبعينيات والثمانينيات كان الفنان يوافق علي تجسيد الدور المرتبط بموقفه السياسي فقط، ويرفض الأدوار المناهضة لذلك أو التي تقدم فكرة سياسية مخالفة له، وهذا رقي في المستوي ولكن للأسف كان هناك اختيار بين القبول والرفض، الآن الفنان لا يعطي نفس فرصة الاختيار ويقبل أي عمل لمجرد التواجد وهذا أخطر ما يعاني منه الفن الآن. كيف تقيمين الوضع السياسي في مصر الآن؟ - مصر كبيرة، شعبها يموت ويستشهد وفي نفس الوقت يشعر بسعادة بالغة في كل شيء، ففي الوقت الذي يحتفل به المصريون بثورة 25 يناير ويواجه العديد من تلك العمليات الإرهابية السوداء يشعر بسعادة كبيرة أن هناك بصيص أمل، وهذا شيء صحي لأن مصر عاشت فترة طويلة دون فرحة فما حدث في الدستور والاحتفالات وترشيح المشير السيسي للرئاسة أعطي الجمهور إحساسا بأن ما يفعله يأتي بنتيجة وهذا سر سعادتهم. وكيف ترين ترشيح المشير عبدالفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية؟ - «السيسي» هو رجل المرحلة فهو رجل لا غبار عليه يعمل من أجل مصر بحب واستطاع أن يقدم توازنا كبيرا للمصريين ونحن إذا أتينا بملاك من السماء نطالبه بأن يتولي أمر المصريين في هذا الوقت سيرفض، لكن «السيسي» في هذه المرحلة لديه «الكاريزما» والقدرة علي السيطرة علي الشعب، فتاريخ المصريين يؤكد «أننا لا يعجبنا العجب» وأي رئيس سيتولي في هذه المرحلة غير «السيسي» سيرفضه الشعب إيمانا بأن المنقذ في كل شيء لذلك أراه الأنسب لهذه المرحلة. كيف ترين مستقبل خارطة الطريق القادمة؟ - من يقول إن المستقبل يتضمن كذا وكذا فهو كاذب لأننا في وضع فوضوي وليس في وضع سياسي، لا يوجد أي مجال في مصر مستقر، حتي السياسة فكيف نقيم المستقبل وليس لدينا فروض نضعها نصب أعيننا لنري خارطة الطريق، نحن شعب «يعيش اليوم بيومه»، في كل يوم لدينا ثورة وشباب يتظاهر وحالة جديدة غير واضحة المعالم والمفاجآت دواليك ولكن في العموم متفائلة بمستقبل مصر لأنها دولة كبيرة وعظيمة ولا يستطيع أحد أن يكسرها أو يهزمها وبها هذا الشعب. ماذا عن مطالب البعض بالتصالح مع الإخوان؟ - لا يوجد ما يسمي تصالح لأن الشعب المصري كشر عن أنيابه، هذا الشعب الغلبان عرف تماما معني كلمة «وطن» وقرر أن يدافع عنه، كل المصريين الآن يفهمون في السياسة أكثر من أي سياسي محنك، والجميع يعرف من معه ومن ضده، وعرفوا أيضا أن الجماعة التي ادعت لسنوات أنها متدينة وتأخذ الإسلام وسيلة لها، تأكدوا أنهم أبعد ما يكون عن الدين وما ينادي به ولذلك لم نعد في حاجة الي كلمة مصالحة أو غيره، الشباب لن يسمح لأحد بأن يخدعه لأنه أصبح شعبا «ناصحا».