بدأت أزمة أرباح عمال شركة الحديد والصلب منذ أيام في الانحسار بعد أن أعلنت وزارة الاستثمار عن صرف مبلغ 100 مليون جنيه بالإضافة إلي 25 مليوناً سابقة لصرف مستحقات العاملين، وخلال الفترة الماضية ومع تصاعد أزمة الاعتصام والاحتجاج راجت بورصة الشائعات في الشركة وحولها كما استغل بعض أصحاب المصالح التوتر الذي ساد أجواء الشركة للصعيد في الماء العكر ومحاولة كسر الدولة من خلال صرح الحديد والصلب. وفي خضم هذا التوتر تناسي الجميع أن أزمة الشركة لم تكن أبدا في تأخر صرف أرباح العاملين الذين يعملون قبل غيرهم ان الشركة خاسرة ومنذ سنوات ولا تعمل بكامل طاقتها. ولا يعني هذا أن حقوق العمال محل خلاف و رفض أو حتي تأجيل ولكن الأهم من حقوق العمال هو صرح الحديد والصلب نفسه الذي يحمل في ذاكرة المصريين باكورة الإنتاج الصناعي الضخم. الشركة التي تأسست عام 1954 كمجمع متكامل لإنتاج الحديد والصلب علي مساحة تبلغ نحو 1700 فدان في منطقة التبين جنوبالقاهرة كانت من الصناعات الاستراتيجية التي بدأت في مصر وحققت نجاحات كبري لسنوات إلي ان بدأت حالتها في التدهور وتحديدا منذ بدأ برنامج الخصخصة في مصر بأوامر من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حيث كانت خصخصة واحدة من كبريات الشركات العامة في مصر أحد شروط الصندوق ولهذا بدأت حالة التراخي وإهمال متعمد للشركة وتجاهل حاجتها للتطوير حتي تسقط بفعل الخسائر المستمرة ولهذا توقفت يد الإحلال والتجديد عن الامتداد إلي الشركة منذ سنوات تمتد لأكثر من 20 عاما ظلت عمليات التطوير لا تزيد علي كونها صيانة فقط تسمح باستمرار العمل وليس بالطبع الدخول في منافسة أو مواكبة للجديد في العالم. استمر الوضع لفترة تفاقمت فيها مشكلات الشركة ولجأت للسحب علي المكشوف وبلغت ديونها نحو 1٫5 مليار جنيه حتي 2005 ودخول الشركة ضمن برنامج تسويات ديون قطاع الأعمال العام ليتم إنهاء أزمة الديون غير أن ما استمر في الواقع هو تهالك الأفران وتوقف بعضها عن العمل وفي نفس الوقت تجاهلت الدولة تطوير شركة النصر لصناعة الكوك والكيماويات الأساسية التي تقوم بتوفير فحم الكوك أحد المكونات الأساسية في صناعة الحديد، وبالتالي انخفضت كمية الفحم التي تتوفر لشركة مما أدي إلي تراجع الإنتاج بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الشركة، وبالأرقام كانت شركة الحديد والصلب قد أكدت في وقت سابق أن كميات الإنتاج انخفضت نتيجة انخفاض كمية فحم الكوك المورد من شركة الكوك والتي بلغت 30٪ من الكميات التي ينص العقد علي توريدها حيث يتم توريد كمية تراوحت بين 600 و900 طن يوميا من الفحم الخشن بدلا من 1800. يضاف إلي ذلك أن الأفران العالية والمحولات الأكسجينية تأثرت نتيجة توقف الإنتاج، حيث زادت استهلاكات الطاقة لكل طن صلب وزادت كمية الحراريات المستخدمة بالإضافة إلي عدم تشغيل الأفران العالية بصفة منتظمة مما أثر سلباً علي تشغيل قطاعات الدرفلة المختلفة التي تستخدم غازات الأفران العالية. ومن المعروف ان خسائر الشركة في 2010- 2011 كانت 344 مليون جنيه وزادت في 2011- 2012 إلي 401 مليون جنيه نتيجة لكل العوامل السابقة من تراجع الإنتاج وتقادم المعدات. وبدأت خسائر الشركة في الارتفاع وتجاوزت في الميزانية الأخيرة أكثر من 30٪ من رأسمالها مما يتطلب وفقا للقانون اتخاذ قرار بتصفيتها أو عقد جمعية عمومية غير عادية لبحث أسباب الخسائر واتخاذ قرار بشأن التصفية أو الاستمرار ورفضت الجمعية العامة للشركة تصفية الشركة ورفعت مذكرة إلي وزير الاستثمار تطالب بسرعة التدخل لإنقاذ الحديد والصلب. وكانت أولي الخطوات هي الإعلان عن مناقصة لتقديم عروض فنية لدراسة تطوير الشركة منذ أكثر من عام وتلقت الشركة بالفعل 20 عرضا من شركات عامة تقدمت للدخول في الدراسة الفنية الخاصة بالتطوير وتم الاتفاق علي دراسة 8 عروض فنية منها وانتهت المناقصة بفوز شركة تاتا استيل بمناقصة التطوير. ووفقا للدراسات التي أعدتها الشركة، تشمل حلول مطالب التطوير العاجلة تطوير خمس ماكينات التبليد وهي مصدر امداد الشركة بالأوكسيد بالإضافة إلي تطوير وحدة صب البليت وفرن البوتقة لتحسين جودة المنتج في الصب وتطوير الدرفلة وماكينات الدرفلة وتصل تكلفة التطوير الكامل للشركة إلي نحو 2 مليار جنيه إلا أن المرحلة الأولي تتكلف في حدود 70 مليون دولار ثم تطوير الفرن العالي الرابع والورش والمناجم وعمل وحدة تسليح حديد جديدة وكل تلك المراحل تسمح للشركة بأن تصل إلي مرحلة التعادل وأن توقف خسائرها ومن ثم تنطلق نحو تحقيق أرباح وتستغرق خطط التطوير نحو 5 سنوات والمرحلة الأولي تستغرق عاماً ونصف العام فقط. «مشكلة الأرباح أزمة وتمر الأهم هو مستقبل الشركة» هكذا أكد المهندس محمد سعد نجيدة، رئيس مجلس إدارة الشركة، وأضاف انه بحث الأسبوع الماضي مع أسامة صالح وزير الاستثمار مستقبل الشركة باعتبارها المشكلة الأكبر خاصة أن العمل مستمر في الشركة طوال فترة الاعتصامات مشيراً إلي ان شركة «تاتا استيل» التي فازت في مناقصة الدراسة الفنية لتطوير الشركة سوف يصل وفدها إلي الشركة منتصف يناير القادم لإعداد دراسة عن الشركة وكتابة تقريرها بالاحتياجات العاجلة للشركة لبدء عمليات التطوير، وأشار رئيس الشركة إلي أن تطوير الشركة هو أهم خطوة لمستقبلها وهو أمر مهم للشركة والعاملين فيها.