مع اقتراب احتفالات الكنائس بعيد الميلاد المجيد، تخيم أشباح حادث كنيسة القديسين الذي جرى مطلع العام 2011، على أجواء استعدادات الأقباط للاحتفال بالمناسبة. جميع المؤشرات في الواقع المصري تشير إلى احتمالية تكرار الحادث في عدة محافظات وليس الإسكندرية فقط، نظير الأجواء المحتقنة منذ فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس الماضي. تبدو تخوفات الأقباط من إفساد فرحة عيد الميلاد بحادث دموي تتجدد معه الذكريات الدامية من «نجع حمادي» إلى «الإسكندرية»، يعزز تلك التخوفات رغبة جارفة لدى جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها في عرقلة مسار الاستفتاء، والذي يقع في منتصف يناير، بما يعني إجراؤه في أعقاب 7 أيام فقط من احتفال الكنيسة الأرثوذكسية «ذات الأغلبية المسيحية» بعيد الميلاد في 7 يناير. ليس جديداً أن تتعرض إبان استعداداتها للاحتفال بعيد الميلاد -الأوفر حظاً- في إقبال الأقباط على كنائسهم، والأبرز على المستوى الرسمي ذي خصوصية احتضان الكاتدرائية لكبار المسئولين، وجانب من القيادات الإسلامية التي لا تحضر بذات الكثافة في أي مناسبات كنسية أخرى. في ليلة الميلاد 2014 تبدو المخاوف مضاعفة إزاء شعور كامن لدى قطاع عريض من أنصار «الجماعة» وحلفائها بأن الأقباط أسقطوا الرئيس المعزول «محمد مرسي» في 30 يونية، أضف إلى ذلك شراسة معركة «الاستفتاء» بين الجانبين باعتبارها الحلقة الأخيرة من المواجهات السياسية التي ستودع معها الجماعة حلم البقاء. مع تصاعد التلميحات والتهديدات بإمكانية تفخيخ احتفالات عيد الميلاد، تدفع القيادات الكنسية بالكنائس المصرية الثلاث ناحية ضرورة بث الطمأنينة في الشارع المصري، وعدم التجاوب مع تلك الدعوات «مجهولة المصدر»، نافية بشكل قاطع حاجتها إلي تأمين استثنائي خلال احتفالات عيد الميلاد المقبلة. على النقيض، يبرز موقف العلمانيين الأقباط والحركات القبطية البارزة في مطالبة وزارة الداخلية بتشديد الحراسة على الكنائس،واتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة، تفادياً لتكرار حادث القديسين أو نجع حمادي، وأخيراً حادث «كنيسة الوراق». واعتبر المطالبون بضرورة تأمين الكنائس أن إرهاصات أعمال العنف المزمع تنفيذها أمام الكنائس تستند إلى واقعية الشحن الطائفي الحالي، نظير تأكد الخارج أن الضربة القاصمة ل«مصر» ليست سوى الفتنة الطائفية. على صعيد التفاؤل بالمرحلة المقبلة رغم تخوفات تكرار حادث القديسين قال الدكتور القس أندريا زكي، نائب رئيس الطائفة الإنجيلية، إن الكنائس لن تطلب إجراءات أمنية استثنائية خلال احتفالات عيد الميلاد، لافتاً إلى أن مصر ستعبر المرحلة الحالية نحو آلية جديدة من آليات استكمال خارطة الطريق. وأضاف زكي في تصريح ل«الوفد»، أن الاستفتاء على الدستور يعد الجولة الأخيرة في إضفاء شرعية جديدة على المشهد المصري الحالي، واصفاً الاستفتاء بأنه ليس على الدستور فقط، وإنما على المرحلة الانتقالية بأكملها. وأعرب نائب رئيس الطائفة الإنجيلية عن تفاؤله ب«احتفالات» عيد الميلاد المقبلة. واستطرد قائلاً: «لن نقول للناس ماذا يجب أن يفعلوا، ونحن ندعو الناس للمشاركة الإيجابية في الاستفتاء على الدستور». في سياق متصل، قال النائب ممدوح رمزي، عضو مجلس الشورى السابق، إن ثمة تخوفات في الوسط القبطي من تكرار سيناريو «أحداث القديسين» في الفترة المقبلة إبان استعدادات الكنائس لاحتفالات عيد الميلاد. وأضاف رمزي: «لست متفائلاً، وأخشى تكرار سيناريو العنف أمام الكنائس لإفساد احتفالات الأقباط وتفخيخ أجواء ما قبل الاستفتاء على الدستور». وحذر من ركون أجهزة الأمن إلى تعامل «رد الفعل»، مطالباً بإجراءات استباقية تصب في إمكانية وقف الأعمال الإرهابية قبل وقوعها. ودعا عضو مجلس الشورى السابق البابا تواضروس الثاني إلى عقد لقاءات مع الأجهزة السيادية في الدولة فور عودته من رحلة أوروبا المزمع انتهاؤها قريباً، لافتاً إلى أن لقاء البابا مع المسئولين سيفتح آفاقاً أوسع حول إمكانية مواجهة تهديدات الاعتداء على الكنائس والأقباط في عيد الميلاد المقبل. واستطرد قائلاً: «الراغبون في تفخيخ الكنائس خلال احتفالية عيد الميلاد يعلمون جيداً أن الخطر الأكبر على مصر هو الفتنة الطائفية». على الصعيد ذاته توقع الأب رفيق جريش، المستشار الصحفي للكنيسة الكاثوليكية حدوث أعمال عنف أمام الكنائس خلال احتفالات عيد الميلاد، نظير تهديدات تتناثر بين الحين والآخر. وقال جريش ل«الوفد»: الأمن لابد أن يكثف حراسته في الفترة القادمة لمنع وقوع أحداث كارثية في احتفالات الأقباط، لافتاً إلى أن الكنائس لا تستطيع مواجهة الاعتداءات الإرهابية، وإنما يقتصر تأمينها على النطاق الداخلي الذي ينعكس على تأمين الزوار فقط. وأضاف أن الجهات الأمنية طلبت مواعيد الاحتفالات لتشديد الحراسة، بما يعني انتباهها لخطورة أجواء احتفالات عيد الميلاد وما يمكن أن يستهدف الكنائس والأقباط من ناحية، وإحراج الدولة المصرية من ناحية أخرى. ونفى المستشار الصحفي للكنيسة الكاثوليكية الربط بين تهديدات الاعتداء على الكنائس والاستفتاء، لافتاً إلى أن حادث كنيسة الوراق لم يتخلله أي فعاليات علي هذا النحو، ووقع الحادث بصورته الدامية. من جانبه، طالب نجيب جبرائيل، رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان، وزيري الدفاع والداخلية بتكثيف الحماية الأمنية بالكنائس ودور العبادة للمسيحيين، نظير التهديدات المتعاقبة. واستطرد قائلاً: «إن وقوع أحداث على خطى كنيسة القديسين في احتفالات عيد الميلاد المقبلة سيشوه المشهد المصري بأكمله ولن تصيب الأقباط فقط».