انتقل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بحكومة دولة الإمارات إلى مرحلة جديدة ، وهي مرحلة غير مسبوقة في تاريخ الحكومات العربية ، أسماها سموه "العصف الذهني" ، وفتح باب المشاركة فيها لكل أبناء الشعب ، كل من لديه فكرة ، وكل من لديه تجربة ، وكل من لديه أمنية أو حلم ، فالإمارات وكما قلت في مقالي السابق أرض تتحول فيها الأمنيات والأحلام إلى حقائق ، وشيوخها تركوا المكاتب وبروتوكولات الاستقبالات والمواعيد المسبقة إلى حالة لا يعرفها غيرهم ، وهي حالة انتجت نوعاً من الانصهار الوطني جعل بلدهم يعيش في القمة ، ولم لا وأهل القمة ينزلون إلى شعبهم ، وبمبادرات منهم ، وهم راضون وسعداء ، بل هم فرحون ، فهناك يتلمسون نبضات من كانوا سبباً في وجودهم ، إنهم عظماء ، ولكنهم لا يستكبرون ، وهم علية القوم ، ولكنهم لا يغترون ، وقد خطوا السطر الأول في أسس الحكم من جديد ، ومنه تعلموا كيف يكسبون الحب والرضى والقبول والتضحية . الشيخ ، الحاكم ، نائب رئيس الدولة ، الاسم الذي يرن في اصقاع الأرض ، يتقبل برحابة صدر وسعة دوره كرئيس وزراء مسؤول عن الجهاز التنفيذي ، ويتابع لحظة بلحظة ما يتردد بين الناس ، ويسمع ، ويفكر ، ويطرح أفكاراً تنهض بهذا الوطن ، ولا يرضى بأن يكون حالنا اليوم كما كان حالنا قبل عشر سنين ، فذلك يعني اننا تخلفنا عشر سنين كما قال سموه ، فاختار أهم قضيتين ينشغل بهما الناس ، الصحة والتعليم ، فيهما الأمان والاطمئنان ، وفيهما المستقبل ، وليس بين أبناء الوطن من لا يفكر فيهما ، ولهذا انتقلت "الخلوة الوزارية" لتشمل ذوي الاختصاص وأبناء الميدان من أهل الخبرة في الشؤون الطبية والتعليمية ، وطلب من الناس المشاركة في طرح ما يرونه ، وكانت استجابة مذهلة لهذا الانتقال المرحلي من التواصل بين الدولة والشعب ، 65 ألف شخص شاركوا بآرائهم وأفكارهم ومقترحاتهم ، وبالتأكيد معاناتهم ، وجاء "العصف الذهني" ليفتح باباً جديداً في نهج القيادة . أتوقع أن يمنحنا هذا العصف الذهني الوطني كنزاً من المعلومات ، ورؤية تختصر لنا المسافات ، ونتائج تحدد لنا السياسات في القطاعين الهامين ، ولأننا نعرف أن قيادتنا إذا طرحت أمراً تتابع تفعيله ، سننتظر خلال الأسابيع القليلة القادمة الخلاصة العلمية تقدم إلى رئيس الدولة لتبدأ مرحلة تنفيذ ثورة في المفهوم الطبي والتعليمي بالدولة ، هكذا تعلمنا من المدرسة المتفردة للقيادة في دولة الإمارات ، فنحن نرى ما نسمع واقعاً ملموساً ، لا نعيش خيالات تدفن في الأدراج ، وتجاوزنا عصر الاستعانة بمكاتب "الخبرة الأجنبية" التي تقدم نظريات وليس حلولاً ، وأصبح لدينا من التراكمات العملية ما يسمح لنا بإدارة شؤوننا وتلمس قضايانا ووضع خططنا ، وأعتقد بأن الباب ما زال مفتوحاً على مصراعيه أمام "العصف الذهني" وأمام المشاركة الشعبية للقيادة في بحث الملفات الأخرى ، ونحن بالانتظار ما دام محمد بن راشد ما زال يردد ذلك التساؤل الذي لا يهدأ .. وماذا بعد ؟