في المنيا لايوجد شبر واحد بلا سحابة طائفية يمكنها أن تمطر احتقاناً في أوقات مفاجئة، القرى مفخخة بتوترات تهيج وتخبو دون سابق إنذار ،والأحداث عرض مستمر لم ولن ينقطع إزاء حلول تقليدية تستسهل القفز فوق جذور الأزمة إلى معالجة عابرة لتسيير أمور الحياة بالضغط أحياناً على طرف لحساب طرف أو بفرض الصلح العرفي على الطرفين خشية تفاقم الأوضاع. وليس مصادفة اعتلاء «عروس الصعيد» قمة الاعتداءات الطائفية منذ 25يناير وحتى الآن، يرجع ذلك إلى تراكم إهمال المسؤولين وانتشار ثالوث التخلف «الجهل ، الفقر، والمرض»، وبحسب تصريحات الأنبا مكاريوس فإن المنيا «جاهزة للفتنة في أي وقت». تدخل الكنيسة على خط الأحداث شاءت ذلك أم أبت ،غياب الدولة لابديل له سوى التدخل الكنسي لاحتواء الموقف ،دون رضا يذكر عن جلسات الصلح العرفية. قدر الأنبا مكاريوس «الأسقف الأشهر في أعقاب 30يونيو» هو الجلوس على مطرانية المنيا في توقيت هو الأخطر من عمر المرحلة الانتقالية في مصر ،محاولة الاغتيال لم تنل من الأسقف ذى التصريحات الأكثر وضوحاً بعد سلسلة اعتداءات على كنائس المحافظة بلغت 65% من إجمالي الاعتداءات على الكنائس في مصر عقب فض اعتصامي «رابعة العدوية والنهضة». وفقا لرؤية «الأنبا مكاريوس» فإن المنيا لم تعد فقط موطناً لمجموعات من الخارجين على القانون ،وإنما صارت مصدّراً لهم ،يأتي ذلك بسبب غض الطرف المزمن عن ملاحقة الجناة في أعقاب الأحداث الطائفية المتعاقبة. وتبدو الأحداث الأخيرة الممهورة بالحساسية الدينية بين قريتي «نزلة عبيد» و«الحوارتة»، ونظيرتها في قرية البدرمان مدعاة لإجراء حوار تفصيلي مع مطران المنيا حول تداعيات الأحداث ومدى قابلية الأوضاع لانفجار حتمي جراء احتقان متوطن. عن طبيعة الصراعات في المنيا ،وسبل الخروج من الأزمة ،وتدخلات الكنيسة ،وترتيب البيت الكنسي في أعقاب عام من تولي البابا تواضروس الثاني مسؤولية «البابوية» كان هذا الحوار: لماذا تبدو المنيا دائماً كأنها على فوهة بركان طائفي يوشك أن ينفجر؟ المنيا أهملت من حكومات متعاقبة على مدى عشرات السنين ،وصارت ملاذا للخارجين على القانون ،والمؤسف أن المسؤولين في العاصمة غضوا الطرف عنها طالما أنها خارج النطاق ،وتناسوا أن المنفى يحدث فيه تكتلات أسفرت عن تصدير خارجين القانون ،والمنيا جاهزة للانفجار في أى وقت نظراً لتفشي الجهل والبطالة والأمية . في ضوء تحليل نيافتك ،كيف تفسر أحداث السجال الطائفي بين قريتي «نزلة عبيد» و«الحوارتة» التي لم تضع أوزارها بعد؟ أحداث «نزلة عبيد» و«الحوارتة»لايمكن قراءتها بعيداً عن الصراع الطائفي ،والحوارتة جزء من «نزلة عبيد» وفقا للتاريخ يأتي ذلك لأن أسباب تسمية «الحوارتة» بهذا الاسم تعود إلى عمل معظم الأهالي في «حرث الأرض» بنزلة عبيد في الماضي. إذاً.. لماذا يربط البعض بين الاعتداءات التي حدثت على خلفية نزاع بين الجانبين على قطعة أرض ، وبين تطورات المشهد بعد 30يونيو؟ ليس هناك ربط بين أحداث المنيا الأخيرة ،و30يونية سوى تخيل ثابت في أذهان البعض من ناحية أن الأقباط كانوا سبباً في إقصاء الإخوان عن الحكم ،رغم أن الواقع يؤكد أن الأقباط شاركوا جنباً إلى جنب مع المسلمين دون رفع مطالب طائفية في الميادين. أشار بيان مطرانية المنيا إلى ضلوع عناصر إخوانية في تفجير أحداث قريتي «نزلة عبيد» و«الحوارتة»..مامدى مشاركة الإخوان في التحريض على الحادث؟ بيان المطرانية جاء لتوضيح الموقف بشكل رسمي منعاً لتعدد التفسيرات التي من شأنها تعقيد الموقف ،والإخوان يلجأون إلى استراتيجية تفتيت الجهد واستدراج الأمن إلى بؤر صغيرة متناثرة ،ونقل الصراع إلى مناطق متعددة بعيداً عن المركز ،واعتقد أنهم يريدون توصيل رسالة بأن «الأقباط ليسوا آمنين في هذه المرحلة». هل تعني بذلك أن هناك استراتيجية بديلة عن اقتحام الكنائس لتفخيخ الموقف ؟ أكبر خطأ ارتكبه الإخوان وأنصارهم هو الاعتداء على الكنائس ،وحصلت المنيا على نسبة 65%من الاعتداءات لتصبح أعلى نسبة في مصر ،واكتشف الإخوان أن تلك الاعتداءات «هيجت» ضدهم الرأي العام العالمي ،فبادروا بعد 14أغسطس بعمل لجان شعبية أمام الكنائس أثناء مسيراتهم ،وكانوا يهتفون هتافات «تصالحية»،وتوقف الهتاف ضد البابا تواضروس. لماذا يبدو الأمن متهماً دائماً إزاء كافة الأحداث الطائفية التي تحدث بالمنيا..؟ في الأزمة الأخيرة الخاصة بقريتي «نزلة عبيد» و«الحوارتة» كان للجهة الأمنية دور فعال في السيطرة على الأحداث ،لكن الأزمة الحقيقية أن مدير الأمن الذي يتولى مسؤولية المنيا غالباً لايعرف عن تفاصيلها شيئاً ،وممكن يكون شخص كويس ،لكن الأزمة في عدم تغيير الذين يعملون معه. هل تعني بذلك أن ثمة تغييرات مطلوب إجراؤها في محافظة المنيا؟؟ الهرم السياسي بالمنيا يحتاج إلى تمشيط ،وهناك عناصر لها تربيطات أو صلة قرابة مع الخارجين على القانون بالمحافظة لكن ثمة توافق دائماً على الحلول العرفية وفقاً لطباع مدن المحافظة والكنيسة دائماً تكون طرفاً... أليس كذلك؟ يتم اللجوء للحلول العرفية استناداً إلى «توازنات» ،ورغبة في تسيير الأوضاع ، وغالباً ستحل الأزمات الحالية بنفس الطريقة ،لكن الكنيسة لاتوصي ولاتؤيد الحل العرفي ،ولن تدخل طرفاً ،وقد أعطيت تعليمات بعدم مشاركة قيادات كنسية في جلسات الصلح. هل يعني ذلك أن نيافتك ضد الصلح الذي يجري الإعداد له في القرى محل الصراعات الطائفية الحالية؟؟ لا أنصح بجلسات الصلح العرفية ،لكني لست ضد الصلح المجتمعي باعتباره شأناً يخص الأهالي والعائلات في القرى محل الصراعات،والحل العرفي ليس حلاً جذرياً ،وأحياناً يتضمن إجحافاً ،ونتمنى تفعيل الشق القانوني عبر ملاحقة الجناة مرتكبي الأحداث الطائفية. لكن الكنيسة دائماً تمارس دوراً محورياً في أحداث الفتنة الطائفية.. كيف ترى ذلك؟ الكنيسة تتدخل إذا غابت الدولة ،وأنا كمسؤول كنسي لي دور روحي ،وأنصح بالتسامح ،ولا أعطي تعليمات ،وهناك حقوقيون وسياسيون يؤدون دور المطالبة بالحقوق. كيف ترى دور «العلاقات العاطفية» كأحد أبرز دوافع الفتنة الطائفية في قرى الصعيد تحديداً «البدرمان» نموذجاً؟؟ هذه الأحداث تأخذ بعداً عرقياً ،ولاندري لماذا تأخذ بعداً طائفياً ،ولابد أن تحل المشاكل الطائفية بشكل جذري منعاً لتكرارها. منذ واقعة «كاميليا شحاتة» طرحت بعض المقترحات لمسألة «التحول الديني» لماذا لم يتم تفعيل المقترح في صورة قانون يضبط الأمر ويمنع تكرار الأحداث الطائفية على خلفية تغيير الديانة؟؟ المشكلة ليست في حرية العبادة ،وإنما المشكلة في الناس اللي بيأسلموا في إطار «بيزنس الأسلمة»،وأنا كمسيحي لوحسيت إن بنتي مشيت باختيارها مش «هضايق»،ولدينا خبرة سلبية في هذا الشأن،وممكن بنت تمشي وباتصالات معينة ترجع تاني ..فأين هي الحرية؟؟. لماذا دائماً تبدو «الفتاة» بطلة في مثل هذه التوترات؟ لأن توريط الفتيات أسهل ..ولو اضطرت للزواج يبقى الموضوع خلص هل ترى ضرورة ل«تشريع» يضبط أمر التحول الديني برفع سن تغيير الديانة إلى 21سنة؟ ليست مسألة سن ،وإنما توريط ،وملف الفتيات المختفيات قل جداً بعد 25يناير ،وبعد 14أغسطس تراجع بشكل كبير ،مثلما تراجعت رغبة الأقباط في الهجرة إلى أي مدى يمكنك تحليل تصدر لغة السلاح لمشاهد التوترات الحالية في القرى المختلفة ؟ خلال فترة مرسي حصل الإخوان ومؤيديوهم على أسلحة متطورة،و نتيجة غياب الأمن تمت أعمال الحرق والسلب والنهب ،وأصبح الكثير من الناس يمتلك أسلحة . نعود للمشهد السياسي.. وقد أعلنت المسودة للنهائية لدستور 2013 كيف ترى إمكانية علاج المشاكل الكنسية العالقة في هذا الدستور في مقدمتها «بناء الكنائس»؟ الدستور لن يعالج أزمة «بناء الكنائس»،وأرجو أن توجد الدولة حلا ل«بناء دور العبادة»،واحنا للأسف أزمتنا ليست مع القانون وإنما مع الجالس على الكرسي ،وخبرتنا الطويلة في هذا الشأن تشير إلى أن العناصر المنفذة «التنفيذية» هي التي تعطل بناء الكنائس، رغم أنه من المفترض أن المسؤول ينتمي للشعب ولايحركه معتقده،لأن بعض المسؤولين يرى أن إعطاء تصريح كنيسة مشاركة في نشر الكفر، وأحياناً لايحدث اعتراض بشكل مباشر وإنما يحدث تجميد. من المفترض أن يحشد مايسمى ب«تحالف دعم الشرعية» لرفض الدستور أو مقاطعة الاستفتاء ،مقابل ذلك هل تحشد الكنائس ب«نعم للدستور» في الاستفتاء المقبل؟ الكنيسة لم ولن تحشد أبناءها للتصويت ب«نعم»، وإنما ستحشد للمشاركة الإيجابية والذهاب للاستفتاء ،لو كان رأيي الشخصي «نعم» لن أفرضه على أحد. كيف ترى معركة «مدنية الدولة» بالدستور قبيل انتهاء التصويت على المسودة الأولية في ضوء موقف الكنائس المصر على إدراجها ب«الديباجة»؟ الإسلاميون يعتبرون المدنية ضد «الدين»،ويصفونها ب«علمنة الدولة» ،رغم أن مصطلح مدنية الدولة يحسم تصنيف الدولة بأنها «ليست عسكرية وليست دينية». وماذا عن رؤيتك ل«كوتة الأقباط» أو التمييز الإيجابي ،الذي رفضه الأجداد من قبل؟؟ لم أكون رأياً بشأن «كوتة الأقباط»،,وأرجو أن نشهد انتخابات نزيهة في الفترة المقبلة على صعيد المرحلة الانتقالية منذ ثورة 25يناير،أي المراحل تعد الأصعب بالنسبة للأقباط ،فترة المجلس العسكري ،أو رئاسة مرسي ،أم المرحلة الحالية؟ بعد 25يناير شعرنا أن مصر تتغير بقوة ،وأن المارد خرج من القمقم ،ورأينا مكسباً بعيداً وخسارة قريبة ،يكفي أن أي رئيس قادم يدرك أنه قد يرحل بمظاهرة شعبية ،وفي المرحلة الانتقالية الأقباط دفعوا كباقي المصريين فاتورة التحول الديمقراطي. على الصعيد الكنسي مر عام على تولي البابا تواضروس الثاني مهام البابوية ..كيف ترى الفارق بين الكنيسة في حقبة البابا شنودة الثالث والقيادة الحالية؟؟ أنا عايز أسألك السؤال ده ؟...ومع ذلك كل شخص يأتي مناسباً لفترته ،وكل شخص له منهجه ،والبابا تواضروس يرى أن الكنيسة ليس لها دور سياسي ،لكنها من الممكن أن تبدي رأيها في قضايا الوطن. لماذا تأخر إقرار لائحة انتخاب البطريرك في جلسة المجمع المقدس الماضية؟ لم يتأخر إقرارها ،واللائحة مقبولة وفقا للتعديلات التي أجريت عليها من قبل اللجنة المشرفة على التعديلات ،وسيتم إقرارها بشكل رسمي بعد اجتماعين لإبداء الرأي الكنسي في بعض بنودها يومي «26ديسمبر،ومنتصف فبراير المقبل». وماذا عن إمكانية عودة العمل بلائحة 38الخاصة بالأحوال الشخصية لحل أزمة «الطلاق« بالكنيسة؟ ستتم مناقشة عودة العمل بلائحة 38 في لقاءات قادمة للمجمع المقدس.