البيان الصادر عن جماعة الإخوان المسلمين يوم 30 أكتوبر قبل محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي بأقل من أسبوع ينتهي بالآية الكريمة «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» .هذه هي الآية الكريمة التي اختار التتار أن يختموا بها رسالتهم إلى السلطان قطز عندما طلبوا منه أن يسلم بلادنا لجيوشهم لتفعل بها ما فعلته ببغداد. ذهب التتار بقسوتهم ووحشيتهم بعد أن هزمهم قطز وجنوده، وسيذهب الإخوان بغوغائيتهم وتشويشهم بعد أن يعافى العقل المصري من حمى المراحل الانتقالية المطولة، وستبقى الآية الكريمة أعلى وأكرم من صغار النفوس الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا. الإخوان المسلمون يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، على الدوام، لأنهم جعلوها بضاعتهم التي يطرحونها لكسب المال والنفوذ. ومهما كانت المكاسب المالية والسياسية التي يتطلعون إليها فهي ثمن قليل، لأن كلام الله أغلى وأبقى ولا يجب أبدا أن ينزل به إنسان عاقل وذو ضمير حي إلى أسواق التجارة والسياسة. لكن المسألة – بعد أن ظهر محمد مرسي في القفص وأصبحت المحاكمة حضورية - تجاوزت الخلل الأخلاقي إلى الخلل النفسي والعقلي. فالجماعة أصدرت ليلة المحاكمة بيانا تؤكد فيه أنها مصممة على القصاص. والقصاص هنا لا يعني أكثر من التحريض على قتل رجال الجيش والشرطة والموظفين العموميين. وبعد ظهور مرسي في القفص قرأت المذيعة دينا عبد الرحمن بيانا نسبته للإخوان المسلمين يعتبر محمد مرسي رمزا صنعته نضالات أجيال من البشر. وهذا كلام يثير الرثاء عندما يقال عن رجل انتهت مسيرته السياسية إلى فشل غير مسبوق ونسبت إليه أمور يشيب لهولها الولدان. فما نتيجة هذا الكلام المفارق للواقع ؟ نتيجته نشر الهوس بين أعضاء الجماعة ومناصريها. مزيد من توريط السذج في جرائم عنف . مزيد من التصعيد الذي لا يبدو انه يستهدف غاية واضحة ومعقولة. بل إن سلوك محمد مرسي نفسه في القفص هو سلوك رجل مفارق للواقع. كتبت في جريدة الأهرام بعد أول ظهور للرئيس الأسبق حسني مبارك أمام المحكمة أحييه على امتثاله للقواعد الواجب على الواقف في القفص اتباعها . في أي قضية سياسية يمكن أن يعتبر المتهم نفسه ضحية بريئة، لكن المعتوه وحده هو الذي لا يدرك حقائق الزمن الجديد الذي عصف به وبسلطاته وانتهى به إلى القفص. يقال إن مرسي صرخ في الضباط عندما كان في طريقه إلى المحاكمة قائلا: هااحبسكم كلكم . هل قال هذا الكلام لأنه يشعر بأنه مظلوم؟ لا يختلف محمد مرسي في هذه الناحية عن حسني مبارك أو عن شاوشيسكو أو عن صدام حسين أو عن تشارلز الأول ملك إنجلترا الذي أعدم في القرن السابع عشر. وأنا أعتبر أن كل واحد من هؤلاء – رغم اقتناعه التام ببراءته وربما بأنه أسمى مكانة من قضاته - كان عظيما في امتثاله لقدره وشجاعا في مواجهة مصيره. أما محمد مرسي فلا أجرؤ أن أصفه بالوصف الذي يليق بتصرفه اليوم لأنه أسير وقد يواجه حكما بالإعدام ، لكني اكتفي بالقول إنه – كما قال المحامي مختار نوح – لم يتصرف التصرف اللائق بمقامه ، لا كصاحب دعوة كما وصفه نوح، فأنا لا أعرف إلى أي مدى يصدق محمد مرسي نفسه وإلى أي مدى يأخذ مسألة الدعوة مأخذ الجد ، لكنه كان حتى وقت قريب رئيسا للجمهورية ولا يليق به أن يتصرف اليوم كممثل كوميدي. عندما نادى القاضي على محمد حسني مبارك رد هذا الأخير كما يرد عسكري مصري منضبط: أفندم . هذا رجل دولة . اختلفوا حوله كما شئتم فهو يبقى رجل دولة أحترمه، كما بينت في الأهرام في 2011، وما اقترفته يداه هي مخالفات سياسية عوقب عليها عندما أجبر على التنحي. وكان يجب أن ينتهي الأمر عند ذلك. ولنقارن استجابات الرجل الذي حكم مصر لثلاثين عاما كان فيها حاكما مطلقا ونقارن تفاعله مع الواقع باستجابات رجل لم يحكم سوى عام واحد نزل فيه مقام الرئاسة لدرجة من الهوان لم تعرفها مصر في تاريخها، حتى أن أحد أبنائه كان يضطر إلى مطالبة الناس، وبشكل خارج عن حدود اللياقة، بأن يخاطبوا أباه كرئيس. ورغم ذلك ففي حين احترم محمد حسني مبارك نفسه واحترم المحكمة، بالغ محمد مرسي في تمثيل العظمة والأهمية وهو رئيس ثم وهو محبوس وتصرف على نحو ينتقص من مكانته. ومهما كانت مفارقة محمد مرسي والمتهمين الواقفين معه في القفص للواقع المحيط بهم فهذا لن يضر المحكمة في شىء ولن يعيق العدالة عن أداء واجباتها. لكن المشكلة هي في الجموع التي يسخنها الإخوان خاصة عندما نعرف أن معظم من ينزلون لإحداث الشغب ليسوا عناصر سياسية من كوادر الجماعة التي مهما بلغ شططها فلديها في النهاية حس سياسي يزيد اقترابه من الواقع كلما اقتربنا من القواعد الشعبية للجماعة وابتعدنا عن تجار الدين والسياسة المهيمنين عليها. إذا صدق مختار نوح فإن غالبية أعضاء الجماعة ينأون بأنفسهم عن العنف الذي يرتكب اليوم باسمها وتحسب عليها نتائجه. وبالتالي فهؤلاء الذين نراهم يصرخون ويضربون ويحرقون هم مرتزقة يؤجرون سواعدهم وحناجرهم لكل من يدفع الثمن . وإذا كان مختار نوح يعلم حقيقة المتظاهرين باسم الجماعة فلابد أن السلطات تعلم هي الأخرى فماذا تنتظر لكي تخلصنا من جحافل التتار الجدد؟ لسنا خائفين على العدالة فهي جبل شامخ ، لكن واجب السلطات هو تأمين جو من الهدوء أمام المحاكم وحولها وفي كل أنحاء البلاد أثناء سير المحاكمات.