في الآونة الاخيرة ثارت نقاشات عديدة في الأوساط السياسية، حول مدي امكانية التصالح مع جماعة الاخوان، سواء عن طريق مبادرة الدكتور احمد كمال أبو المجد، أو عن طريق مبادرة الدكتور سليم العوا، أو عن طريق المستشار محمود مكي. وعلي المستوي الشعبي فهناك رأيان يتناولان هذا الموضوع، الأول معارض لفكرة التصالح نهائيا، والآخر يرحب بالحوار، كخطوة لتهدئة الاجواء السياسية الملتهبة. أما الفريق المعارض – وفي تقديري هم غالبية الشعب المصري – هذا الفريق يري أن اجراء أي حوار مع جماعة الاخوان، معناه أننا سنعطي الفرصة مرة أخري للتيارات الاسلامية المتشددة، كي تحاول الوثوب إلي السلطة مرة أخري، عن طريق خداع البسطاء من شعب مصر ومحدودي الثقافة، وهم الغالبة الفعلية في الشعب المصري . أصحاب هذا الرأي يريدون أنه مهما كانت التضحيات التي يمكن تكبدها وفقا لهذا الرأي، ستكون بسيطة جدا إذا قارناها بما قد يترتب من خسائر فادحة، نتيجة عودة التيارات الدينية المتشددة لممارسة النشاط السياسي مرة أخرى. هذا الفريق يري أنه من الضروري قبل اي تصالح، تهيئة المناخ السياسي، للحد من تأثير التيارات الدينية المتشددة علي البسطاء من افراد الشعب، وهذا لن يتحقق إلا من خلال تحسين الاوضاع الاقتصادية، فضلا عن ازدهار الحالة الثقافية والاجتماعية. كل هذا حتي يكون الشعب علي درجة كبيرة من الدراية والوعي، وبالتالي تكون أمامه الفرصة كاملة ليختار بين الفكر الديني والفكر المدني. أما الآن فإن إبهار الدين والإمكانيات المادية الكبيرة للتيارات الدينية المتشددة، ستعطي لها الفرصة مرة اخري للعودة للحكم. أما الرأي المؤيد للحوار، هذا الفريق يري أنه من الصعب القضاء علي التيارات الدينية المتشددة مثلما فعل عبد الناصر في ستينيات القرن الماضي. فمن المعروف أن التيارات المتشددة قد انتشرت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة - خاصة في المناطق الشعبية والريفية والبادية - نتيجة الكبت السياسي الذي عانت منه مصر والمنطقة العربية كلها لما يقرب من ستين عاما. فبعد قيام عبد الناصر بالإطاحة بجماعة الاخوان، تركت التيارات المتشددة تعبث في الخفاء في الساحة السياسية، حتي تحقق لها هذا الانتشار. ومن هنا، فإن هذا الفريق يري أنه من الأفضل التحاور مع تلك التيارات المتشددة، للحد من الاحتقان القائم في الشارع المصري، ولكن بشرط تطبيق الديمقراطية والحرية وأن تطلق يد الاحزاب المدنية للعمل بشكل جدي في المجتمع. ومع تقديري الكبير لهذين الرأيين، فإني علي قناعة تامة بأن الشخص الوحيد الذي يستطيع انهاء الاحتقان القائم في الشارع المصري، هو الرئيس الامريكي باراك أوباما، وذلك باعتبار أن الصراع السياسي القائم في منطقة الشرق الاوسط حاليا، من جانب التيارات الدينية المتشددة، يقوم في الاساس علي فكرة الربيع العربي وبالأحرى مخطط الشرق الاوسط الجديد الذي دعت له الادارة الامريكية إبان أحداث 11 سبتمبر عام 2001، من أجل تقسيم منطقة الشرق الاوسط الي دويلات صغيرة، يسهل علي اسرائيل ودول الغرب السيطرة عليها وامتصاص خيراتها. قد يبدو كلامي هذا أشبه بالدعابة أو التخريف. ولكن إن أمعنا النظر في حقيقة مشكلة الشرق الأوسط نجد ان مفتاح حل هذه المشكلة في يد الرئيس الامريكي باراك أوباما. وفي ذات الوقت استطيع القول أنه لا يوجد أحد من أعضاء الإخوان – مهما كان مركزه أو دوره – يستطيع الحل والربط في هذه المشكلة. أوباما باعتباره امتداداً لباقي رؤساء أمريكا الذين وضعوا مخطط الشرق الأوسط الجديد، قام في سبيل تنفيذ هذا المخطط بصرف المليارات من الدولارات علي تنفيذه، وكانت جماعة الاخوان لها النصيب الأكبر من هذه المليارات، باعتبار أنها الجماعة الأكثر انتشارا في جميع الدول العربية، وبالتالي لها تأثير كبير فيها. هذه الحقيقة يعلمها الإخوان جيدا، وبالتالي فهم علي يقين ان امريكا لن تتركهم وستقف هي واسرائيل والغرب في جانبهم. ولا أدل علي صدق ما اقول، غير الزيارات العديدة المتتالية لممثلة الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون، التي كانت في كل مرة تزور فيها مصر تلتقي بالبعض من قيادات الإخوان، فضلا عن التهديدات الأمريكية المستمرة بقطع المعونة الاقتصادية والعسكرية طوال الفترة الماضية، والتي انتهت فعلا بتجميد المعونة العسكرية لمصر، ناهيك عما يثار عن وجود اتفاقات تجري بين منظمة حماس واسرائيل لإرسال الارهابيين لسيناء ومصر لكي يثيروا الفوضى والتدمير فيها. من أجل هذا كله، فإنني أدعو الادارة المصرية، إذا كانت لديها رغبة جدية في انهاء مشكلة التيار الديني، فمن الأفضل الاتجاه مباشرة الي الرئيس الامريكي باراك أوباما، فأي محاولة تجري حاليا للصلح مع جماعة الإخوان، هي في الحقيقة مضيعة للوقت ولا طائل من ورائها. حفظ الله مصر وجنبها شر البعيد قبل القريب.