ليس بمقدور لجنة الخمسين إلا أن تقدم للمجتمع دستورًا يعبر بصدق عن الشخصية الوطنية، وطموحاتها التى أعلنتها فى الخامس والعشرين من يناير، وأكدت عليها فى الثلاثين من يونيو عندما انحرفت المسيرة الثورية بفعل الممارسات الإخوانية. غير أنّ الأمر على هذا النحو لا يبدو أمرًا يسيرًا فى ظل كثير من المتغيرات التى شهدها المجتمع المصري، والتى باتت تفرض نفسها على كل من يتقدم للعمل العام؛ ذلك أن «الروح الثورية» ما زالت تجرى فى أوصال المجتمع، وهو أمر محمود وإن كان يأتى على غير رغبة البعض، وهو ما يجعل من عودة بعض الممارسات «القديمة» أمرًا فى غاية الصعوبة، بل ويحتاج إلى كثير من الخبرة والحنكة التى غالبًا هى غير متوفرة حاليًا بالقدر الكافي.! فمما لا شك فيه أن الدستور المنتظر يواجه مُطالبات كانت لا تقوى على الإعلان عن نفسها على مدى عقود مضت، وذلك لأسباب لا تخفى على أحد، وقد تستند تلك المطالبات إلى مبررات لا يحيد عنها المنطق، ولا تخطئها نظرة موضوعية، غير أنها تمثل فى الوقت الراهن منعطفات خطرة فى مسيرة لجنة الخمسين. ومع تأكيد اللجنة على الانتهاء من مهمتها فى الموعد المحدد، فإنّ الأمل يظل مرتبطًا بتغليب المصلحة الوطنية، والإصغاء لدواعى الأمن القومى التى ما عادت تحتمل المزيد من التجاهل، ما يقضى بأن يكف «البعض» عن احتكار الوطنية، ويقلع «البعض الآخر» عن أولويته فى الحديث باسم الدين الإسلامى فى بلد الأزهر الشريف. من جهة أخرى، فإنّ بناء دولة ديمقراطية حديثة، لا شك يتطلب دستورًا يراعى ما يمكن أن يضع الوطن على الطريق الصحيح، دون «خبايا» يُفصح الزمن فيما بعد عن حقيقة النوايا الكامنة وراءها، ومن ثم يصبح لزامًا علينا الاهتداء بتجاربنا، قبل غيرنا، فكم من مبادئ جرت صياغتها بما يجعل منها قابلة لتفسيرات عدة، وتطبيقات تجمع بين الشئ ونقيضه. وبحكم كون الدستور فى مقدمة خارطة الطريق، فإنّ تعثرًا، متعمدًا كان أو غير ذلك، من شأنه إعاقة المسيرة الوطنية، فضلًا عما يعنيه ذلك من مؤشرات تفيد وتُنبئ بما ينتظر المشهد السياسى من ممارسات لم تُفصح بجلاء عن مضمونها، وإن كانت الجهات الداعمة لها لم تعد تعمل فى الخفاء. «الوفد»