قررت مدريد استدعاء السفير الأمريكي لديها لتطلب توضيحات عن عمليات تجسس على السلطات الإسبانية أكدت واشنطن أنها "تبقى مشروعة" مع أنها تثير توترا مع الدول الحليفة. وجاء قرار مدريد غداة إعلان فرنسا وألمانيا عن تحرك مشترك مدعوم من الدول الأوروبية الأخرى لإيجاد أرضية تفاهم مع الولاياتالمتحدة قبل نهاية العام في ما يتعلق بنشاطات التجسس الأمريكية التي كشفت تفاصيل جديدة عنها اليوم. فقد ذكرت صحيفة لوموند الجمعة أن فرنسا اشتبهت في أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تقف وراء هجوم معلوماتي استهدف الرئاسة الفرنسية في مايو . وقالت الصحيفة الفرنسية إن مذكرة داخلية "سرية للغاية" من أربع صفحات لوكالة الأمن القومي الأمريكية كشفها المستشار السابق في هذه الوكالة إدوارد سنودن "تشهد على توتر وريبة بين باريس وواشنطن" رغم أنهما حليفتان رسميا. وطلب مسئولان فرنسيان كبيران من أجهزة الاستخبارات ومن وكالة عامة للأمن المعلوماتي في إبريل 2013 مساءلة وكالة الأمن القومي الأمريكية. ويشتبه في أن هذه الوكالة متورطة في قرصنة حواسيب تعود لأبرز مساعدي رئيس الدولة خلال ولاية نيكولا ساركوزي في مايو 2012 بين دورتي الانتخابات الرئاسية في فرنسا. وفي المذكرة التي نشرت الصحيفة مقتطفات منها، تؤكد وكالة الأمن القومي الأمريكية أنه بعد التحقيق تبين أن أيا من أجهزة الاستخبارات الأمريكية أو الأجهزة الحليفة المقربة منها (الأجهزة البريطانية والكندية والاسترالية) تتحمل مسؤولية هذا الهجوم. وتضيف أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وهي قادرة أيضا على القيام بمثل هذا النوع من الهجمات، لم تخضع للمساءلة حول هذه القضية "عمدا". وحذرت المذكرة من أنه "يمكن أن تؤدي المساعدة في تحديد المسؤول عن الهجمات المعلوماتية ضد الفرنسيين، الى كشف تورط حليف للولايات المتحدة". وعلقت صحيفة لوموند أن "وكالة الأمن القومي الأمريكية لا تقول إن الموساد شن الهجوم، لكن يبدو أنها تعتبر مع ذلك أن الحاجة للإشارة إلى وجود شك معقول ضد الدولة اليهودية أمر ضروري". وأكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن الاستخبارات الفرنسية وضعت "عدة فرضيات" بعد الهجوم المعلوماتي على الإليزيه. وردا على سؤال عن احتمال تورط الاستخبارات الإسرائيلية في هذا الهجوم، قال الرئيس الفرنسي في مؤتمر صحافي في ختام قمة أوروبية في بروكسل أن "لوموند تتحدث انطلاقا من وثائق بحوزتها عن عدة فرضيات ونحن أيضا لدينا عدة فرضيات". وفي برلين، كتبت صحيفة سودويتشي تسايتونغ الجمعة أن عمليات التنصت التي يعتقد ان الاستخبارات الأمريكية مارستها على الهاتف المحمول للمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل، تمت من سفارة الولاياتالمتحدة في برلين. وقالت الصحيفة إن "التنصت يقوم به على ما يعتقد مركز تنصت يعرف باسم الجهاز الخاص لجمع المعلومات" وهو ينشط تحت المسؤولية المشتركة لوكالة الأمن القومي الأميركية ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي ايه) ويعتقد أنه ينشط "في السفارات والقنصليات الأميركية عبر العالم وفي غالب الأحيان بشكل سري". واستقت سودويتشي تسايتونغ معلوماتها من وثائق سربها أدوارد سنودن لمجلة دير شبيغل وعرضت على الحكومة الألمانية في نهاية الأسبوع الماضي لكنها لا تسمح مع ذلك بتحديد الفترة التي جرى فيها التنصت على الهاتف المحمول لأنجيلا ميركل بشكل دقيق. من جهة أخرى، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن واشنطن حذرت بعض أجهزة الاستخبارات الأجنبية من أن الوثائق التي حصل عليها سنودن تحتوي على تفاصيل حول طريقة تعاونها السري مع واشنطن. وكتبت الصحيفة نقلا عن مصادر لم تكشف هويتها في الإدارة الأمريكية أنه من بين عشرات آلاف الوثائق التي جمعها سنودن فإن بعضها يحتوي على معطيات حساسة حول برامج موجهة ضد بلدان مثل إيرانوروسيا والصين. وذكرت واشنطن بوست على سبيل المثال وثائق تتضمن معلومات حول برنامج تجسس على روسيا تنفذه إحدى دول حلف شمال الأطلسي ويعطي سلاح الجو والبحر الأمريكي معطيات ثمينة. أما صحيفة ال باييس الإسبانية فذكرت أن وكالة الأمن القومي الأمريكية تجسست على ما يبدو على العاملين وأعضاء الحكومة الإسبانية وبينهم رئيس الوزراء الاشتراكي خوسيه لويز رودريغيز ثاباتيرو. واليوم أعلن رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي انه سيستدعي السفير الاميركي في مدريد ليطلب منه توضيحات حول عمليات التنصت الأمريكية. وقال راخوي في مؤتمر صحافي في بروكسل أثر القمة الأوروبية "لا نملك أي دليل على أن إسبانيا تعرضت للتجسس (...) لكننا سنستدعي السفير الأمريكي لنطلب منه معلومات حول هذه القضية". ومنذ يونيو تتكشف معلومات عن نشاطات تجسسية أمريكية لم تقتصر على أشخاص بشتبه بتورطهم بالإرهاب بل طالت رجال أعمال وصناعيين وحتى مسئولين سياسيين مثل ميركل والرئيسة البرازيلية ديلما روسيف والرئيس المكسيكي السابق فيليبي كالديرون. وقال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند خلال مؤتمر صحافي في ختام اليوم الأول من قمة أوروبية في بروكسل أمس "لا بد من وضع حد (لهذه الانشطة) والمطالبة بتوضيحات". وتابع "هذا ما فعله الأوروبيون هذا المساء وبالاجماع إذ اعتبروا أن هناك مع حليفنا الأميركي عددا من التوضيحات" الواجب تقديمها، مؤكدا "نعلم أنه سيتم الكشف عن مسائل أخرى". وقدمت المبادرة الفرنسية الألمانية عند افتتاح القمة "بهدف التوصل قبل نهاية السنة إلى اتفاق حول العلاقات المتبادلة" بين الأوروبيين والأميركيين في مسائل التجسس، على ما أعلن رئيس مجلس أوروبا هيرمان فان رومبوي. وقالت ليسا موناكو مستشارة الرئيس باراك أوباما للأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب في مقال نشرته صحيفة يو اس ايه توداي إن المعلومات التي كشفت في الأشهر الأخيرة "أثارت توترات شديدة مع بعض أقرب شركائنا الأجانب". وأضافت "مع إننا نجمع النوع نفسه من المعلومات التي تجمعها جميع البلدان الأخرى، إلا أن أجهزة استخباراتنا تخضع لمزيد من القيود والمراقبة من أي بلد آخر في التاريخ".