أعلم أن الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، محبوسٌ احتياطياً على ذمة العديد من القضايا، وأعلم أنه فى حال قيام مانع يحول بين المرشد وأداء عمله، فإن لائحة التنظيم، تخول مكتب الإرشاد اختيار أحد أعضائه للقيام بمهام المرشد، ولكن رغم ذلك وسواءً كان هذا الاختيار قد حدث أو لم يحدث فإننى أعتقد أن الدكتور بديع ما زال هو الحاكم الآمر لجماعته، وأنه إن لم يكن الوحيد أحد أهم القيادات المؤثرة فى فكر الجماعة وتوجيه حركتها والتنسيق بينها وبين الجماعات الأخرى داخلياً وخارجياً، وتنظيم وإدارة اتصالاتها مع كل القوى الدولية. من ذلك الاعتقاد الشخصى، فقد آثرت أن يكون حديثى فى هذه الظروف الصعبة التى يمر بها الوطن، موجهاً إليه مباشرةً، وأتمنى أن يصله سريعاً بأى وسيلةٍ قبل فوات الأوان، وأتمنى أكثر أن ينعم عليه المولى سبحانه وتعالى، بصفاء البصيرة وهدوء السريرة، ليستشعر القصد ويدرك المضمون. أما بالنسبة للقصد من الحديث ، فهو ابتغاء مرضاة الله، والحرص فقط على هذا الوطن المعلقة به أرواحنا، دون كراهيةٍ لأحد، ودون ميلٍ لأى طرفٍ أو فصيل. وأما بالنسبة لمضمون الحديث، فإننى أبدأه بالنقاط التالية: «1» أن جماعة الإخوان المسلمين، رغم عدم قانونية وجودها منذ نشأتها سنة 1928م وحتى سقوط حكم مبارك سنة 2011م، استطاعت أن تحقق وجوداً مادياً وتحافظ عليه طوال تلك العقود الطويلة، لسبب جوهرىٍ وحيد، وهو قبول الشعب لها اعتقاداً منه أنها تمثل الدين عقيدةً ومنهجاً والدين فى الموروث الثقافى لهذا الشعب هو عموده الفقرى ثُم تعاطفه معها ، ظناً منه أنها ضحيةُ أنظمة الحكم المتعاقبة. إن هذا السبب الذى كان السند الجوهرى الوحيد، لاستمرار وجود الجماعة ، يكاد الآن أن يتلاشى نهائياً، لأخطاءٍ وخطايا عديدة لا يتسع المجال لشرحها، ويبقى بعد ذلك النظر الموضوعى والتحليل المنطقى المجرد للوجدان المصرى، ليؤكد أن الفناء المجتمعى سيكون المصير الحتمى لمستقبل الجماعة إذا استمر الحال على ما هو عليه. «2» أن الحالة الثورية النقية التى شهدتها مصر يوم 25 من يناير 2011م، قد انتهت بانتهاء ذلك اليوم، وأن أعمال التدمير والتخريب التى أعقبتها منذ يوم الثامن والعشرين واستمرت حتى سقوط النظام، كانت أعمالاً مدبرةً ومخططاً لها منذ شهورٍ سابقةٍ عليها، وشاركت فيها عناصر منظمةٌ من الداخل والخارج، وأن جماعة الإخوان وفى غفلةٍ من الشعب نجحت فى استغلال هذه الأجواء المضطربة، والتداعيات غير المشروعة التى نتجت عنها، واستطاعت الإمساك بشرايين الحكم، ثم بسطت يدها على كل مقاليده، إلى أن سيطرت عليه تماماً بالنتيجة المعلنة لانتخابات الرئاسة التى جرت منتصف عام 2012م. وبالتالى فإن الصدق مع النفس يدعونا للقول بأن الرئيس المعزول لم تكن له من الأصل أى شرعيةٍ للحكم، لأنها ببساطةٍ شرعيةٌ وُلدَت ميتة، حيث قامت على أساسٍ باطل وآلياتٍ غير مشروعة. وربما يأتى قريباً تحقيقٌ لأحداث تلك الفترة ، فيؤكد بوضوح صحة ما نقول. «3» أن الحالة الثورية المصرية التى تجسدت يوم 30 يونيو 2013م، والأعداد التى شاركت فيها، والأهداف التى تبنتها، والآليات التى انتهجتها، تقطع بلا أى جدال، أنها ثورةٌ بكل المعايير السياسية والتاريخية، وإذا كانت قد أسقطت نظام حكم الإخوان ، فتلك نتيجةٌ طبيعية يجب على الجماعة أن تنظر إليها بعين الواقعية والاعتبار، وليس بنوازع الضغينة أو الحقد أو المكابرة والإنكار. «4» فى بادئ الأمر كان قطاعٌ عريضٌ من الشعب الذى أسقط حكم الجماعة، يعتقد أنها مجرد نظامٍ فاشلٍ أخفق فى إدارة شئون الدولة، وأنها انزلقت بجهالةٍ إلى التفريط فى السيادة الوطنية واستقلال الوطن وسلامة أراضيه، إلا أن ممارساتها بعد ذلك ومحاولاتها استرداد الحكم بالقوة وتحديها لإرادة الشعب واستخدامها لكل عناصر قوتها الخشنة وإفصاحها عن استقوائها بالقوى الخارجية المعادية، وحَّد القناعة لدى الأغلبية العظمى من الشعب على أنها جماعةٌ إرهابيةٌ تعمل لحساب تنفيذ المخطط الأجنبى لتقسيم الدولة المصرية، بل وشرعت فيه عن عمد، وهى بذلك لا تحمل أىَ إنتماءٍ للوطن، ولايمكن أن تؤتمن عليه حتى وإن استترت تحت عباءة الدين، وتحدثت بمفردات كلماته. بهذه المقدمة التى أعلم أنها ليست خافيةً عليهم أتوجه بحديثى للدكتور محمد بديع وكل قيادات الجماعة، بأن يتقوا الله فى شباب جماعتهم ولا يدفعوا بهم إلى أتون التهلكة التى لا طائل منها أبداً، لأن أعمال العنف والترويع والتخريب والإرهاب، لم ولن تنشر ديناً أو تقيم شرعاً، بل هى على العكس تسىء إلى الدين وتشوه صورته وتهدم دعوته وتحط من قدر رموزه ودعاته. كما أنها لن تجلب عليهم أىَّ مغانم من القوى الأجنبية المؤيدة، لأن هذه القوى ستسارع بالتخلص من أدواتها العميلة فور استنفاد الغرض منها، والتاريخ خيرُ شاهدٍ على ذلك . كما أنها أخيراً لن تنجح مهما تصاعدت وطال بها الزمن فى قهر إرادة شعبٍ استبان طريقه الصحيح بعد أن أدرك حقائق الأمور وعرف العدو من الصديق وتشكلت قناعاته على نحو ما أسلفنا. إن الحرص على الأوطان من صميم دعوة الأديان، كما أن درء المفاسد أولى من جلب المنافع، وهدم الكعبة أهون عند الله من إراقة دم المسلم، فلعل قلوب قيادات الجماعة تخشع لذلك، ويبادرون بوقف مسيراتهم وأعمالهم الدموية والتخريبية، فذلك أزكى لهم وأطهر، فالرجوع للحق فضيلة والحفاظُ على الأمن والاستقرار فريضة.