وزير التعليم: تضمين مبادئ العمل التطوعي بملفات التميز المدرسي (تفاصيل)    جدول التقييمات المبدئية والنهائية للصف الأول الإبتدائي بمحافظة البحيرة    القومي للمرأة يناقش قضايا التواصل والعنف السيبراني    نصيحة وزير الشؤون النيابية لابنته بشأن العمل التطوعي    الرقابة المالية تحذر من الترويج للتعامل في أدوات ومنتجات مالية واستثمارية وتمويلية بالمخالفة للقانون    توريد أكثر 233 ألف طن قمح في الوادي الجديد    ننشر توصيات اجتماع وزراء السياحة بالدول الثماني النامية بالقاهرة    مصر تطلق منصة رقمية لتأهيل الكوادر السياحية وتتبنى الذكاء الاصطناعي في الترويج    الرئيس اللبناني يتسلم دعوة للمشاركة في قمة بفرنسا تبحث قضايا الطاقة    الاتحاد الأوروبى يعتزم الإعلان عن خطة لوقف صفقات الغاز الروسية    الحوثيون: مقتل 4 أشخاص وإصابة 39 جراء غارات إسرائيل على الحديدة    أسطورة إيطاليا يتحدث عن موهبة برشلونة.. طالع التفاصيل    أول رد من الزمالك على غلق القيد 3 فترات    الشرقية: ضبط 25 مركبة توك توك مخالفة بمدينة الزقازيق    تفاصيل حادث طالبة علوم الزقازيق.. الجامعة: قدمنا المعلومات والنيابة تحقق.. فيديو    الإعدام لمتهم بقتل طفل داخل مصلى العيد فى نجع حمادى بقنا    أهالي الإسكندرية يشيعون جثمان الفنان نعيم عيسى وسط غياب الفنانين.. صور    فرقة غزل المحلة تعرض "نساء شكسبير" بالقناطر الخيرية ضمن مهرجان نوادي المسرح    رئيس الجمعية الكورية للمسرح يزور مقر مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي بالقاهرة    كلية التمريض جامعة قناة السويس تنظم ندوة حول المشروع القومي لمشتقات البلازما    وزير قطاع الأعمال يبحث مع رئيس هيئة الرعاية الصحية دعم الصناعة الوطنية والتنمية المستدامة    "الأونروا": 66 ألف طفل يعانون من سوء التغذية في قطاع غزة    تعليم السويس يعلن جدول امتحانات الشهادة الإعدادية    18 مايو.. بدء محاكمة مرتضى منصور في اتهامه بسب خالد يوسف وزوجته    السيسي يؤكد ضرورة التركيز على زيادة احتياطي النقد الأجنبي وخفض مديونية الموازنة    الرئيس السيسي يترأس اجتماعًا اقتصاديًا مع رئيس الوزراء ومحافظ البنك المركزي ووزير المالية    في ذكرى وفاته ال23.. المايسترو صالح سليم حاضر في قلوب الأهلاوية وإرثه يلهم الأجيال    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    داليا البحيري تشارك جمهورها مقطع فيديو من زيارتها لأسوان    مركز السينما العربية يكشف عن برنامجه في مهرجان كان السينمائي ال78    أبرز اللقطات من داخل عزاء زوج كارول سماحة | صور    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    تطوير منطقة الكيت كات أبرزها.. تفاصيل لقاء محافظ الجيزة رئيسَ "التنمية الحضرية"    القوات الروسية تستهدف نقطة تمركز مؤقتة للجيش الأوكراني بصواريخ موجهة    محافظ أسوان يترأس اجتماع المجلس الإقليمى للسكان    باكستان تتهم الهند بوقف تدفق مياه نهر تشيناب    زيادة السولار والبنزين تعمق من انكماش أداء القطاع الخاص بمصر بأبريل    البيئة: خط إنتاج لإعادة تدوير الإطارات المستعملة بطاقة 50 ألف طن    وزير الري: خطة وطنية لمراجعة منشآت حصاد مياه الأمطار    كم يوم متبقي حتى عيد الأضحى 2025 ؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 6-5-2025 في محافظة قنا    شوبير: الأهلي استقر على مدربه الجديد من بين خمسة مرشحين    "هذه أحكام كرة القدم".. لاعب الزمالك يوجه رسالة مؤثرة للجماهير    قرار عاجل من التعليم لإعادة تعيين العاملين من حملة المؤهلات العليا (مستند)    وزير الثقافة يطلق مشروع "أهلا وسهلا بالطلبة" بتخفيض 50% للمسارح والمتاحف    مدرب كريستال بالاس: هذا ما يجب علينا تقبله    ضبط (18) طن دقيق مدعم قبل بيعها بالسوق السوداء    فاضل 31 يوما.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    إيران: نحتاج الطاقة النووية للاستخدام السلمى وعلى الطرف الآخر إثبات حسن نيته    صور حديثة تكشف أزمة بسد النهضة، والخبراء: التوربينات توقفت وإثيوبيا تفشل في تصريف المياه    «الصحة» تستعرض إنجازات إدارة الغسيل الكلوي خلال الربع الأول من 2025    السعادة تغمر مدرب جيرونا بعد الفوز الأول بالليجا منذ 3 أشهر    الزمالك يستقر على رحيل بيسيرو    «العمل» تعلن عن 280 وظيفة للشباب بالشركة الوطنية لصناعات السكك الحديدية    ما علاقة الشيطان بالنفس؟.. عالم أزهري يوضح    تشغيل وحدة علاجية لخدمة مرضى الثلاسيميا والهيموفيليا في مستشفى السنبلاوين العام بالدقهلية    هل يجوز الحديث مع الغير أثناء الطواف.. الأزهر يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



راغدة درغام تكتب : قصص من الثورة المصرية
نشر في الوفد يوم 11 - 10 - 2013

ضروري جداً للرأي العام - الغربي بالذات - مشاهدة الفيلم الوثائقي The Square، (الميدان)، ليتعرف على دور ميدان التحرير في صنع الهوية المصرية الجديدة وفي وضع الأسس لمصر الغد بما يتعدى الانتقالية. المخرجة الرائعة جيهان نجيم تحيك في هذا الفيلم سيرة شبّان وشابات التغيير منذ بدأت في الميدان لإسقاط نظام إلى حين اصطدامها بمرارة ولادة نظام أعاد الشباب إلى الميدان لإسقاطه هو الآخر. هذا الفيلم المهم يتحدى بذكاء وبإنسانية مؤثِّرة أولئك الذين قرروا اختزال ما حدث في مصر بأنه انقلاب على الانتخابات والديموقراطية ليثبت العكس تماماً بواقعية وبساطة متناهية فحواها أن الذي خان الديموقراطية هو جشع «الإخوان المسلمين» في السلطة. من الضروري جداً أيضاً قراءة كتاب «فتواكِ لا مكان لها هنا»
للكاتبة والأستاذة الجامعية الأميركية - الجزائرية كريمة بنونة الصادر باللغة الإنكليزية Your Fatwa Does Not Apply Here. هذا الكتاب يسرد حكايات نساء ورجال تحدوا الأصولية الإسلامية المتطرفة وتلك التي ترتدي عباءة الاعتدال. من الأطباء إلى المحامين إلى الصحافيين إلى الناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان، هناك خيط واضح في هذا الكتاب المهم يُبرز، عبر الحكايات، دور المرأة في طليعة محاربة التطرف في تونس ومالي وأفغانستان والجزائر ومصر وغيرها. ومن الضروري للغاية الاطلاع على ما حدث للزميل في صحيفة «الأهرام» خالد داوود، عندما مر بسيارته الأسبوع الماضي بالمصادفة بتظاهرة دعم للرئيس المخلوع محمد مرسي ولاقى نفسه مطوّقاً بالسكاكين بعدما تعرّف عليه أحد المتظاهرين صارخاً «ده خالد داوود الكافر بتاع جبهة الإنقاذ»، فرد آخر وهو يحاول جاهداً قطع يده «إحنا قررنا قطع أياديك يا كافر».
لنبدأ بقصة خالد داوود وهو زميل سابق في الأمم المتحدة كان مراسل «الجزيرة قبل أن عاد إلى مصر ورافق ولادة الثورة قبل ثلاث سنوات. خالد صديق حيناً اختلفت آراؤنا ومواقفنا وحيناً تلاقت. وعندما أتت الأنباء حول ما حدث له اتصلت للتعرف إلى حقيقة ما جرى.
خالد داوود كان متحدثاً باسم «جبهة الإنقاذ الوطني» لكنه استقال من «جبهة الإنقاذ بتاريخ 16 آب (أغسطس)، أي بعد يومين من فض اعتصام «الرابعة» و «النهضة» احتجاجاً على ما وصفه بالاستخدام المفرط للقوة من قوات الشرطة والأمن ضد المعتصمين من «الإخوان المسلمين» وغيرهم من الداعمين لمرسي. أتت استقالة خالد داوود بعد يومين من استقالة الدكتور محمد البرادعي - كذلك احتجاجاً. وبقي خالد في منصب «أمين الإعلام» في حزب «الدستور» الذي أسسه الدكتور البرادعي.
كان خالد عائداً من سفر عندما مر ببيته ثم توجه إلى لقاء له دون أن يعي أو يتنبه للتظاهرة التي قرر أنصار مرسي القيام بها يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول) وهو يوم احتفاء كبير في مصر بالانتصار الوحيد في حرب 1973. هدف التظاهر كان إسقاط ما يسمونه «حكومة الانقلاب» وما أسفرت عنه هو رد عنيف من قوات الأمن أدى إلى مقتل 51 شخصاً. كان ذلك لاحقاً. أما عندما مر خالد داوود بسيارته وصرخ أحدهم «كافر» كان العنف والكراهية تلقائياً في أيديولوجية المتظاهرين وثقافة زمرتهم.
فجأة، أحاط بالسيارة أكثر من 40 شخصاً وبدأوا بكسر زجاج السيارة من الخلف ومن الجانبين. أحدهم طعن خالد بالسكين بالقرب من قلبه. «فوجئت كيف دخلت السكين وخرجت بسرعة وأنا في وسط الدهشة أمام نافورة دماء تنطلق مني»، قال خالد «كنت أتوسل إلى الذي يطعنني بسكينه: حرام عليك. كفاية دم». لكنه أجاب بطعنة ثانية أتت في العظم. الأولاد الآخرون كانوا في الوقت ذاته يضربونني بالعصي وبالأيادي بالبوكس تلو الآخر على وجهي. فنفر الدم أيضاً من عيني وأنا أتوسل: كفاية دم. كفاية دم. فجأة أتى الرجل الذي كان يكسر الزجاج الخلفي وقال للذي كان يطعنني بالسكين: اتركه لي. أخرج شفرة كبيرة وبدأ ينشر يدي ويمزق الأربطة قائلاً: إحنا قررنا قطع أياديك.
كانت السيارة على جسر صغير «وكنت أفكر، وأنا قد بدأت أفقد الوعي، أني سأموت حتماً إنما يجب ألاّ أخرج من السيارة. الذي كان يطعنني بالسكين كان هدفه قتلي. كان يطعن للقتل وليس لمجرد الجرح. كانت الدماء تسيل من جسدي وعيني وأنا أقاوم الغيبوبة عندما أتى شباب من الجيرة لإنقاذي، أحدهم اسمه سليم».
هؤلاء المتظاهرون الذين يتقنون فن الظهور أمام كاميرات وسائل الإعلام الغربية والعربية ضحية دائمة إنما يشكلون نصف حكاية الكراهية العارمة التي تعرّي مزاعم التظاهر السلمي. فالجزء الآخر من القصة مدهش بما يكشفه من أيديولوجية «الإخوان المسلمين» التي تبيح القتل والتعذيب بصرخة «كافر».
«أخذني سليم إلى مستشفى الطلبة للتأمين الصحي ذي الإمكانيات المحدودة. معظم الأطباء هناك متعاطف مع التيار الإسلامي. رموني بغرفة الطوارئ أو الانتظار لأكثر من 20 دقيقة من دون أية عناية. كنت أصرخ متوسلاً: عالجوني. سأموت. عالجوني. ولم يرد أحد. صرخت: رجاءً اعطوني دوائي فأنا أعاني من «الازما» لسنوات. تجاهلوني عمداً. رفضوا معالجتي إلى أن اتصل سليم بصحيفة «الأهرام» واتصلت «الأهرام» بالمستشفى. عندئذ بدأوا معالجتي. قالوا إن ليس لديهم المخدر اللازم، فقاموا بإدخال أنبوب غليظ في صدري بلا مخدّر. قاموا بخياطة جروحي، بلا مخدر».
خالد يؤكد أن الخياطة وإدخال الأنبوب بلا مخدر عائد على الأرجح إلى الإمكانيات الضعيفة للمستشفى. لكنه يؤكد أيضاً أن «الكراهية الشخصية كانت واضحة جداً في البداية عندما تركوني عمداً بلا عناية وأنا أذوق طعم الدم في فمي وأنفي دون أن يمسني طبيب أو ممرضة».
كان خالد داوود يصرخ «بالولد» الذي كان يطعنه «ده أنا كنت ضد يللي حصل لكم في رابعة. كفاية دم». لكن الولد أدهش خالد داوود ابن ال 46 سنة. هذا الولد لا يعرفني شخصياً. فماذا أدى به ألاّ يخاف الدم ويطعنني ثانية. لماذا كل هذا؟ في النهاية أنا مجرد رجل بتاع كلام Talking head ولست صانع قرار».
الرد هو أن الكراهية أقوى من الجهل. «أيديولوجية الكراهية والقتل وتقديم البشر وقوداً في معركتهم هو جزء أساسي من ثقافة التيار الإسلامي بشقيه «الإخوان المسلمين» و»السلفيين»، يقول خالد الذي يتمسك بصحة «أيديولوجيتنا القائمة على إعلاء قيمة الحياة الإنسانية، ولذلك هتفنا دائماً في وجه كل استفزاز: سلمية. سلمية». «لست غاندي» يضيف خالد «لكنني أشعر بالأسف على الولد الذي قام بطعني. فها هو سيواجه السجن لحوالى 15 سنة بدلاً من الدراسة وبناء الأسرة».
خالد داوود مصر أيضاً على انتقاد القوات الأمنية في الشرطة والجيش «فهم يواجهون تظاهرات الإخوان بقليل من الغاز يليه بسرعة الكثير من الرصاص. وأنا أطالب الشرطة والحكومة أيضاً بإعلاء قيمة الحياة الإنسانية. أطالبهم بالتوقف عن الإفراط باستخدام القوة. أطالبهم بعدم الوقوع في استدراجهم على أيادي التيار الإسلامي الذي أصبح محترفاً في تسويق الصور المرعبة كي يزعم انه الضحية ويزعم انه سلمي يمثّل الاعتدال».
فيلم «الميدان» يوثّق قصصاً تشبه قصة خالد، بل وأكثر. منتج الفيلم، وهو كما مخرجته جيهان نجيم، أميركي - مصري يصر على أن ما تمر به مصر «ليس الانتقالية» وإنما «دعائم» المستقبل. كريم عامر أيضاً شاب ابن الثلاثين وهو أيضاً ابن «الميدان» - شأنه شأن جيهان نجيم المخرجة التي لها تاريخ حافل بالإنجازات من ضمنها الفيلم الوثائقي عن قناة «الجزيرة» واسمه Control Room. هذا الإنجاز الأخير لها كسب لفيلم «الميدان» جوائز عالمية وقد يحصل على جائزة «أوسكار» للأفلام الوثائقية. انه قصة الثورة المصرية - قصة تتعدى العناوين. انه قصة الميدان الذي بات مصدر الوحي والإلهام لشباب مصر الذين اسقطوا رئيسين في غضون سنة وقاوموا دكتاتورية العسكر وفضحوا فساد «الإخوان المسلمين» وخيانتهم للديموقراطية.
«فتواكم ليس لها مكان هنا» كتاب يعرّي مزاعم «الإخوان المسلمين» ويفضح زيف الاعتدال الذين يزعمونه. انه مجموعة حكايات رجال يشبهون خالد داوود قليلاً. حكايات نساء عقدن العزم على أن يكنّ لبنة أساسية من «دعائم» صنع التغيير وبناء المؤسسات الديموقراطية. كريمة بنونة قدّمت كتاباً حكاياته مُلهمة لأنها لا تتوقف عند التذمر أو عند النهاية.
فأهمية جيهان وكريمة وخالد أنهم مؤمنون بالبداية.
نقلا عن صحيفة الحياة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.