أمين التدريب ب«حماة الوطن»: الرئيس السيسي طمأن المصريين برسائل حاسمة وواقعية    طارق العوضي: البرلمان الحالي غير مؤهل للنظر في «الإجراءات الجنائية»    تراجع سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري منتصف اليوم 8 أكتوبر    أسعار الدواجن بأسواق الإسكندرية تصل إلى 80 جنيها للكيلو    فون دير لاين: أوروبا في مواجهة حرب هجينة تقودها روسيا وعلينا الرد بحزم ووحدة    سمير عمر يواصل اقتحام القضية الفلسطينية مع وكيل جهاز المخابرات العامة السابق    عقل ألماني وروح دنماركية| من هو «المهندس» ياس سوروب الذي سيحول الأهلي إلى آلة جماعية؟    الزمالك يصرف دفعة من مستحقات لاعبيه خلال 48 ساعة    برونو فيرنانديز يمنح قبلة الحياة لأموريم في مانشستر يونايتد    محمد جلال يكتب: من البوت إلى الزميل الرقمي .. ال10 الكبار من عقول الذكاء الاصطناعي    "كتب بلا ترخيص".. سقوط صاحب مخزن ب25 ألف نسخة مخالفة قبل بيعها    بالأسماء.. إصابة 9 مواطنين في حادث تصادم سيارتين على طريق شبرا بنها الحر    أمطار ونشاط للرياح مع انخفاض الحرارة.. بيان مهم من الأرصاد يكشف تغير حالة الطقس غدًا    في ذكرى ميلاد فارس السينما.. «أحمد مظهر» العسكري المثقف الذي سكن قلوب الجمهور    الخشت يهنئ الرئيس السيسي وخالد العناني بالفوز بمنصب مدير عام منظمة اليونسكو    ثقافة الإسكندرية تواصل احتفالات نصر أكتوبر بعروض فنية وأفلام تسجيلية    عرض فيلم «هيبتا.. المناظرة الأخيرة» بسينما الشعب في 5 محافظات اليوم    نائب وزير الصحة يجري جولة ليلية مفاجئة لعدد من المستشفيات بالإسكندرية    علاج 1928 مواطنا مجانا ضمن قافلة طبية بقرية في الشرقية    «فصل الشتاء».. نصائح للوقاية من الأمراض الموسمية    نجاة رئيس الإكوادور من هجوم على موكبه    صحف الدنمارك تتغنى بإنجازات الأهلي بعد التعاقد مع ثورب.. خلفه 80 مليون مشجع    عزاء الدكتور أحمد عمر هاشم اليوم بمسجد الشرطة بالتجمع الخامس بعد صلاة المغرب    الداخلية تكشف ملابسات فيديو حادث شرم الشيخ    ضبط 22 طن دقيق وسكر وأسمنت ويمتد خلال حملة تموينية مكبرة بالقليوبية    أمن قنا يكثف جهوده لضبط المتهمين فى مشاجرة تسببت فى إيقاف قطار    الصحة العالمية: إعادة بناء القطاع الصحى فى غزة يتكلف 7 مليارات دولار    الإحصاء: 36.8 % زيادة بقيمة المبالغ المودعة فى صندوق توفير البريد 2024 / 2025    توزيع هدايا على الأطفال ضمن قافلة شاملة للتحالف الوطنى فى قرية برنشت    دعم ركائز الأمن والاستقرار    رجال لا يكررون الخطأ مرتين.. 4 أبراج تتعلم بسرعة من التجارب    السيسي: الوضع الاقتصادي يتحسن يومًا بعد يوم.. ولسه الأفضل قادم    أشرف عبد الباقي ضيف برنامج فضفضت أوى مع معتز التونى اليوم    أردنى من أصل فلسطينى.. عمر مؤنس ياجى الفائز بنوبل فى الكيمياء 2025    مشاركة دولية غير مسبوقة في بطولة مصر لهواة للجولف 2025    الأهلي يعود للتدريبات اليوم استعدادًا لضربة البداية بدوري الأبطال    «فضل الشهادة والتضحية في سبيل الوطن» في ختام فعاليات الأسبوع الثقافي لوزارة الأوقاف    وفد لبنانى يزور هيئة الاعتماد والرقابة للاطلاع على تجربة مصر بالإصلاح الصحى    الصحة العالمية: إدخال الرعاية التلطيفية فى النظم الصحية الوطنية    «الشكاوى الحكومية» تتلقى 13.5 ألف شكوى واستغاثة صحية    وزيرة البيئة تتجه إلى أبوظبي للمشاركة في المؤتمر العالمي للحفاظ على الطبيعة    السيسي يوجه بإطلاق اسم أحمد عمر هاشم على مسجد وطريق ومحطة قطار    5 مرشحين عن دائرة إسنا يتقدمون بأوراقهم لانتخابات مجلس النواب حتى الآن    بن جفير يقتحم الأقصى مجددًا وسط توتر أمني في عيد العرش اليهودي    8 أكتوبر 2025.. الدولار يستقر أمام الجنيه عند أدنى مستوياته خلال 16 شهرا    رئيس هيئة الشراء الموحد يبحث مع مستشار الرئيس للصحة الموقف التنفيذي لمشروع «المخازن الاستراتيجية»    جامعة حلوان تعلن نتائج جائزة التميز الداخلي وتكرم الكليات الفائزة    إصابة 9 أشخاص في تصادم سيارتين بالطريق الحر بالقليوبية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 8-10-2025 في محافظة الأقصر    تزوجت بقصد الإنجاب عبر الحقن المجهرى دون جماع والطلاق بعده.. ما حكم الدين    أكسيوس: ويتكوف وكوشنر يصلان شرم الشيخ للانضمام لمفاوضات إنهاء حرب غزة    صافرة مصرية تدير أولمبيك اسفي المغربي الملعب التونسي في الكونفيدرالية    «كنت أسير خلفه».. كيف بشر نبي الله الراحل أحمد عمر هاشم بمستقبله    اعرف اسعار الدولار اليوم الأربعاء 8-10-2025 في بني سويف    ابنة أحمد راتب: أشهد الله أنك يا حبيبي تركت في الدنيا ابنة راضية عنك    نائب رئيس الزمالك: «مفيش فلوس نسفر الفرق.. ووصلنا لمرحلة الجمود»    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 8-10-2025 في بني سويف    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواصل تدريباته استعدادًا لمواجهة المغرب وديًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



راغدة درغام تكتب : قصص من الثورة المصرية
نشر في الوفد يوم 11 - 10 - 2013

ضروري جداً للرأي العام - الغربي بالذات - مشاهدة الفيلم الوثائقي The Square، (الميدان)، ليتعرف على دور ميدان التحرير في صنع الهوية المصرية الجديدة وفي وضع الأسس لمصر الغد بما يتعدى الانتقالية. المخرجة الرائعة جيهان نجيم تحيك في هذا الفيلم سيرة شبّان وشابات التغيير منذ بدأت في الميدان لإسقاط نظام إلى حين اصطدامها بمرارة ولادة نظام أعاد الشباب إلى الميدان لإسقاطه هو الآخر. هذا الفيلم المهم يتحدى بذكاء وبإنسانية مؤثِّرة أولئك الذين قرروا اختزال ما حدث في مصر بأنه انقلاب على الانتخابات والديموقراطية ليثبت العكس تماماً بواقعية وبساطة متناهية فحواها أن الذي خان الديموقراطية هو جشع «الإخوان المسلمين» في السلطة. من الضروري جداً أيضاً قراءة كتاب «فتواكِ لا مكان لها هنا»
للكاتبة والأستاذة الجامعية الأميركية - الجزائرية كريمة بنونة الصادر باللغة الإنكليزية Your Fatwa Does Not Apply Here. هذا الكتاب يسرد حكايات نساء ورجال تحدوا الأصولية الإسلامية المتطرفة وتلك التي ترتدي عباءة الاعتدال. من الأطباء إلى المحامين إلى الصحافيين إلى الناشطين في الدفاع عن حقوق الإنسان، هناك خيط واضح في هذا الكتاب المهم يُبرز، عبر الحكايات، دور المرأة في طليعة محاربة التطرف في تونس ومالي وأفغانستان والجزائر ومصر وغيرها. ومن الضروري للغاية الاطلاع على ما حدث للزميل في صحيفة «الأهرام» خالد داوود، عندما مر بسيارته الأسبوع الماضي بالمصادفة بتظاهرة دعم للرئيس المخلوع محمد مرسي ولاقى نفسه مطوّقاً بالسكاكين بعدما تعرّف عليه أحد المتظاهرين صارخاً «ده خالد داوود الكافر بتاع جبهة الإنقاذ»، فرد آخر وهو يحاول جاهداً قطع يده «إحنا قررنا قطع أياديك يا كافر».
لنبدأ بقصة خالد داوود وهو زميل سابق في الأمم المتحدة كان مراسل «الجزيرة قبل أن عاد إلى مصر ورافق ولادة الثورة قبل ثلاث سنوات. خالد صديق حيناً اختلفت آراؤنا ومواقفنا وحيناً تلاقت. وعندما أتت الأنباء حول ما حدث له اتصلت للتعرف إلى حقيقة ما جرى.
خالد داوود كان متحدثاً باسم «جبهة الإنقاذ الوطني» لكنه استقال من «جبهة الإنقاذ بتاريخ 16 آب (أغسطس)، أي بعد يومين من فض اعتصام «الرابعة» و «النهضة» احتجاجاً على ما وصفه بالاستخدام المفرط للقوة من قوات الشرطة والأمن ضد المعتصمين من «الإخوان المسلمين» وغيرهم من الداعمين لمرسي. أتت استقالة خالد داوود بعد يومين من استقالة الدكتور محمد البرادعي - كذلك احتجاجاً. وبقي خالد في منصب «أمين الإعلام» في حزب «الدستور» الذي أسسه الدكتور البرادعي.
كان خالد عائداً من سفر عندما مر ببيته ثم توجه إلى لقاء له دون أن يعي أو يتنبه للتظاهرة التي قرر أنصار مرسي القيام بها يوم 6 أكتوبر (تشرين الأول) وهو يوم احتفاء كبير في مصر بالانتصار الوحيد في حرب 1973. هدف التظاهر كان إسقاط ما يسمونه «حكومة الانقلاب» وما أسفرت عنه هو رد عنيف من قوات الأمن أدى إلى مقتل 51 شخصاً. كان ذلك لاحقاً. أما عندما مر خالد داوود بسيارته وصرخ أحدهم «كافر» كان العنف والكراهية تلقائياً في أيديولوجية المتظاهرين وثقافة زمرتهم.
فجأة، أحاط بالسيارة أكثر من 40 شخصاً وبدأوا بكسر زجاج السيارة من الخلف ومن الجانبين. أحدهم طعن خالد بالسكين بالقرب من قلبه. «فوجئت كيف دخلت السكين وخرجت بسرعة وأنا في وسط الدهشة أمام نافورة دماء تنطلق مني»، قال خالد «كنت أتوسل إلى الذي يطعنني بسكينه: حرام عليك. كفاية دم». لكنه أجاب بطعنة ثانية أتت في العظم. الأولاد الآخرون كانوا في الوقت ذاته يضربونني بالعصي وبالأيادي بالبوكس تلو الآخر على وجهي. فنفر الدم أيضاً من عيني وأنا أتوسل: كفاية دم. كفاية دم. فجأة أتى الرجل الذي كان يكسر الزجاج الخلفي وقال للذي كان يطعنني بالسكين: اتركه لي. أخرج شفرة كبيرة وبدأ ينشر يدي ويمزق الأربطة قائلاً: إحنا قررنا قطع أياديك.
كانت السيارة على جسر صغير «وكنت أفكر، وأنا قد بدأت أفقد الوعي، أني سأموت حتماً إنما يجب ألاّ أخرج من السيارة. الذي كان يطعنني بالسكين كان هدفه قتلي. كان يطعن للقتل وليس لمجرد الجرح. كانت الدماء تسيل من جسدي وعيني وأنا أقاوم الغيبوبة عندما أتى شباب من الجيرة لإنقاذي، أحدهم اسمه سليم».
هؤلاء المتظاهرون الذين يتقنون فن الظهور أمام كاميرات وسائل الإعلام الغربية والعربية ضحية دائمة إنما يشكلون نصف حكاية الكراهية العارمة التي تعرّي مزاعم التظاهر السلمي. فالجزء الآخر من القصة مدهش بما يكشفه من أيديولوجية «الإخوان المسلمين» التي تبيح القتل والتعذيب بصرخة «كافر».
«أخذني سليم إلى مستشفى الطلبة للتأمين الصحي ذي الإمكانيات المحدودة. معظم الأطباء هناك متعاطف مع التيار الإسلامي. رموني بغرفة الطوارئ أو الانتظار لأكثر من 20 دقيقة من دون أية عناية. كنت أصرخ متوسلاً: عالجوني. سأموت. عالجوني. ولم يرد أحد. صرخت: رجاءً اعطوني دوائي فأنا أعاني من «الازما» لسنوات. تجاهلوني عمداً. رفضوا معالجتي إلى أن اتصل سليم بصحيفة «الأهرام» واتصلت «الأهرام» بالمستشفى. عندئذ بدأوا معالجتي. قالوا إن ليس لديهم المخدر اللازم، فقاموا بإدخال أنبوب غليظ في صدري بلا مخدّر. قاموا بخياطة جروحي، بلا مخدر».
خالد يؤكد أن الخياطة وإدخال الأنبوب بلا مخدر عائد على الأرجح إلى الإمكانيات الضعيفة للمستشفى. لكنه يؤكد أيضاً أن «الكراهية الشخصية كانت واضحة جداً في البداية عندما تركوني عمداً بلا عناية وأنا أذوق طعم الدم في فمي وأنفي دون أن يمسني طبيب أو ممرضة».
كان خالد داوود يصرخ «بالولد» الذي كان يطعنه «ده أنا كنت ضد يللي حصل لكم في رابعة. كفاية دم». لكن الولد أدهش خالد داوود ابن ال 46 سنة. هذا الولد لا يعرفني شخصياً. فماذا أدى به ألاّ يخاف الدم ويطعنني ثانية. لماذا كل هذا؟ في النهاية أنا مجرد رجل بتاع كلام Talking head ولست صانع قرار».
الرد هو أن الكراهية أقوى من الجهل. «أيديولوجية الكراهية والقتل وتقديم البشر وقوداً في معركتهم هو جزء أساسي من ثقافة التيار الإسلامي بشقيه «الإخوان المسلمين» و»السلفيين»، يقول خالد الذي يتمسك بصحة «أيديولوجيتنا القائمة على إعلاء قيمة الحياة الإنسانية، ولذلك هتفنا دائماً في وجه كل استفزاز: سلمية. سلمية». «لست غاندي» يضيف خالد «لكنني أشعر بالأسف على الولد الذي قام بطعني. فها هو سيواجه السجن لحوالى 15 سنة بدلاً من الدراسة وبناء الأسرة».
خالد داوود مصر أيضاً على انتقاد القوات الأمنية في الشرطة والجيش «فهم يواجهون تظاهرات الإخوان بقليل من الغاز يليه بسرعة الكثير من الرصاص. وأنا أطالب الشرطة والحكومة أيضاً بإعلاء قيمة الحياة الإنسانية. أطالبهم بالتوقف عن الإفراط باستخدام القوة. أطالبهم بعدم الوقوع في استدراجهم على أيادي التيار الإسلامي الذي أصبح محترفاً في تسويق الصور المرعبة كي يزعم انه الضحية ويزعم انه سلمي يمثّل الاعتدال».
فيلم «الميدان» يوثّق قصصاً تشبه قصة خالد، بل وأكثر. منتج الفيلم، وهو كما مخرجته جيهان نجيم، أميركي - مصري يصر على أن ما تمر به مصر «ليس الانتقالية» وإنما «دعائم» المستقبل. كريم عامر أيضاً شاب ابن الثلاثين وهو أيضاً ابن «الميدان» - شأنه شأن جيهان نجيم المخرجة التي لها تاريخ حافل بالإنجازات من ضمنها الفيلم الوثائقي عن قناة «الجزيرة» واسمه Control Room. هذا الإنجاز الأخير لها كسب لفيلم «الميدان» جوائز عالمية وقد يحصل على جائزة «أوسكار» للأفلام الوثائقية. انه قصة الثورة المصرية - قصة تتعدى العناوين. انه قصة الميدان الذي بات مصدر الوحي والإلهام لشباب مصر الذين اسقطوا رئيسين في غضون سنة وقاوموا دكتاتورية العسكر وفضحوا فساد «الإخوان المسلمين» وخيانتهم للديموقراطية.
«فتواكم ليس لها مكان هنا» كتاب يعرّي مزاعم «الإخوان المسلمين» ويفضح زيف الاعتدال الذين يزعمونه. انه مجموعة حكايات رجال يشبهون خالد داوود قليلاً. حكايات نساء عقدن العزم على أن يكنّ لبنة أساسية من «دعائم» صنع التغيير وبناء المؤسسات الديموقراطية. كريمة بنونة قدّمت كتاباً حكاياته مُلهمة لأنها لا تتوقف عند التذمر أو عند النهاية.
فأهمية جيهان وكريمة وخالد أنهم مؤمنون بالبداية.
نقلا عن صحيفة الحياة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.