جرت التقاليد والأعراف القضائية أن يتنحى القاضى عندما يستشعر الحرج فى أمر يمس شخصه أو الأوراق المتداولة أمامه ويكون من شأنها التأثير على نزاهته أو حيادية أحكامه.. وتلك فيما أرست لنا شموخ العدالة على مدى تاريخ مصر. لهذا توقفت كثيراً أمام حوار محترم ومهم أجرته الزميلة الأستاذة هبة حسين فى جريدة «أخبار اليوم» فى الأسبوع الماضى مع سيادة المستشار المحترم جداً هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، وأحد أهم رموز تيار استقلال القضاء. المستشار «جنينة» الذى يترأس أعلى جهاز رقابة مالية على أجهزة الدولة تحدث عن أبرز ملفات الفساد التى فحصها الجهاز وقال بالحرف رصدنا أن هناك وزيراً حالياً تولى منصباً وزارياً من قبل.. حصل مع بعض قيادات الوزارة على مبلغ 56 مليون جنيه، ورغم إبلاغ النائب العام عدة مرات منذ عهد د. جودت الملط، إلا أنه لم ترد هذه الأموال حتى الآن، وكل ما استطاعوا عمله هو إغلاق الثغرة التى يتم نهب أموال الدولة منها! الاتهام خطير ويستحق أن نتساءل من هو ذلك الوزير المسنود الذى وجهت إليه اتهامات بالحصول على تلك الملايين هو ومساعدوه بالمخالفة للقانون.. ورغم ذك لم تسأله النيابة، ولم تتخذ أى إجراءات ضده، وتجاهلت بلاغات عديدة قدمها جهاز المحاسبات؟! ثم الغريب أن يأتى هذا الوزير الذى تطارده اتهامات أعلى جهاز رقابة مالية إلى الوزارة مرة أخرى دون أن يتم إبراء ذمته المالية من تهمة تمس السمعة والنزاهة.. وتمنع تولى منصب وزارى فى حكومة المفروض أنها تعبر عن ثورة شعبية عظيمة! الأغرب أننا توقعنا أن يكون من تحاصره الاتهامات أى وزير فى الحكومة إلا وزير العدل الرئيس الأسبق لمحكمة النقض وشيخ قضاة مصر! تلك الحقيقة أوضحها المستشار جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات فى تصريح صحفى لاحق حتى لا تتوه الاتهامات، وقال حرفياً إنه تقدم بملاحظات على اختيار المستشار عادل عبدالحميد وزيراً للعدل فى حكومة الدكتور حازم الببلاوى بسبب مخالفاته المالية على حد قوله، مؤكداً أنه أرسل تقريراً بهذا الكلام إلى الرئاسة ومجلس الوزراء والنيابة العامة للتحقيق.. ولم يتم أى شىء!! لكن مجلس الوزراء الذى يكذب ويحاول أن يتجمل أصدر بياناً صحفياً يؤكد فيه أنه خلال فترة التشكيل الوزارى قام باستطلاع رأى جميع الأجهزة الرقابية وتم أخذ كل ملاحظاتها بعين الاعتبار قبل الاستقرار على التشكيل النهائى للحكومة، نافياً أن يكون الجهاز المركزى للمحاسبات تقدم بملاحظات حول مخالفات تخص أحد أعضاء الوزارة! إذن نحن الآن أمام موقفين أحدهما تأكيد رئيس جهاز المحاسبات على مخالفة الوزير ونفى رئيس الوزراء علمه بها! لهذا فإن الأمر يحتاج إلى موقف واضح وحازم، فإذا كان رئيس الوزراء لا يعلم، فإن عليه الآن بعد أن علم أن يطلب من الوزير رد أموال الدولة، وتقديم استقالته من المنصب الرفيع والمهم. أو على رئيس الوزراء إغماض عينيه، وصم أذنيه لأن وزير العدل هو من يدير الآن منظومة التشريع المطلوب.. ومعركة إعداد الدستور والانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، وربما تريد الحكومة وزيراً ينفذ أوامرها وتعليماتها، لأنها قدمت له السبت وعليه أن يقدم إليها الأحد كما يقول المثل الشعبى!! أيهما سيختار رئيس الوزراء؟!