تعالوا نصطحبكم في رحلة تاريخية لنري من خلالها عظمة مصر وعظمة وقدرة وحماس الشعب المصري منذ فجر الوجود، حين تشكلت الدول من الناحية الرسمية، فكانت الدولة المصرية ووحدتها السياسية والقانونية والدينية علي يد الملك مينا تحديداً عام 3200 قبل الميلاد. هذا عن الأسرة الأولي وبلغت مصر الذروة في ميدان الحياة الخصيب من الناحية الإدارية والقانونية والعمرانية. وخير شاهد معجزة بناء الأهرام وكيفية ذلك وما كان يرمي إليه من «عبقرية الزمان والمكان». تعالوا لنعلن أمام العالم أجمع أن مصر حقاً وصدقاً حسب وثائق التاريخ وما سجله المؤرخون وعلماء الآثار كانت السباقة في كل شعاب الحياة، الأمر الذي يؤكد وبصدق أنها «أم الحضارات» أو بالتعبير الشعبي «مصر أم الدنيا». في عصر الأسرة السادسة تحديداً وفي عهد الملك «بيبي الثاني خامس ملوك الأسرة السادسة» هب الشعب المصري غاضباً ضد الظلم الذي ساد البلاد، وما أصاب البلاد من تدهور اقتصادي واجتماعي في عهد ذلك الملك الذي بلغ من العمر أرزله «أكبر ملك حكم في التاريخ ثلاثة وتسعون عاماً». وجاء الحكيم العظيم «أيبور» في وثيقته التي عثر عليها الأثريون بمكتبة «أمستردام» بهولندا، تحكي قصة وعظمة وحياة ذلك الحكيم وكيف انتفض الشعب المصري في أول ثورة اجتماعية ضد الإقطاع وضد الظلم وعنوانها «إن الشعور بالظلم لا الظلم نفسه يورث الثورات الإنسانية» (الفيلسوف ألبير كامي في مؤلفه «الإنسان ثائراً» L,HOMME REVOLTE).. المهم في عام 2280 قبل الميلاد اشتعل لهيب الثورة وبدأت بالعاصمة، واستطاع الحكيم «أيبور» الذي سجل لها أن يطرق باب القصر الملكي ويواجه الملك مباشرة، ووجهة لوجه، بما آلت إليه البلاد من خراب ودمار بعدما عاشت في رفاهية وسعادة إبان الحكم القديم، واستطاع هذا الحكيم أن يحمل أمام الملك آمال الشعب المصري ومطالبه، وذلك في ضوء ما أحس به - هو نفسه - من انتشار الظلم في الحكم والإدارة، واشتعل - كما أشرنا - في ظلها لهيب الثورة ترجمة لمعني نفساني هو «هو أن الشعور بالظلم لا الظلم نفسه هو الذي يولد الثورة».. حقاً وصدقاً قدم الحكيم «أيبور» وثيقة الاتهام إلي مسامع الملك مباشرة واصفاً ما حاق بالبلاد والعباد من دمار، والآثار المدمرة لذلك، وخاطب الملك مباشرة وهو محاط بأصدقاء السوء كما أطلق عليهم في برديته قائلاً في حماس: «أين أنت الآن ولهيب الثورة يملأ كل مكان»، وهؤلاء المحيطون بك في لهو مقيم «ويغذونك بالأكاذيب» ويتقربون منك زلفي وهم أصل ما وصلت إليه البلاد من ضعف وهوان في جسد الحكم والحكومة». ونبأ بأن قوة الحكم وعظمته وازدهاره مرتبطة تماماً بقوة الحكم ورشده، وبدأت الدفة تميل صوب الطبقية والامتيازات وعلي الوجه المقابل كان الفقر والأسي من نصيب الشعب، وكانت تلك البذور الأولي التي تفتق عنها النظام الإقطاعي في البلاد، وكان - كما رأينا - الشعور بالظلم، وهو وقود الثورات الإنسانية علي جسر الزمان قد تحرك في وجدان الشعب فعبر عن ذلك في «ثورة تلقائية» لم يخطط لها، وقد انطلقت من العاصمة، وفي نفس الوقت كان قد اشتعل لهيبها وشمل كافة الأقاليم وأمام هذا استطاع حكيم الشعب الحكيم «أيبور» أن يراقب الأحداث ويسجلها وتمكن - بعد لأي - أن يبلغ حقوقه إلي مسامع الملك وتمكن من مواجهته واستطاع في بلاغة أخاذة أن يحمله وحكومته لتبعته ما انتهت إليه أحوال البلاد علي أيامه من ضعف ودمار، ثم تمكن الحكيم من تسجيل كل وقائع الثورة في شتي نواحيها وما حاق بالبلاد والعباد نتيجة مباشرة لما قد حدث ونقله وسجله في «بردية ليدن 244» بعد أن نقلت إلي متحف ليدن عام 1828 لتسجل أبعاد أول ثورة عملاقة في تاريخ البشرية، وفيها انتصار أكيد لإرادة الشعب ضد الظلم. «وسوف نواصل المشوار في قادم الوقوف علي أبعاد وتاريخ هذه الثورة التاريخية التي كتب وسجل أحداثها إرادة الشعب المصري، منذ فجر الوجود». ودائماً وأبداً إلي لقاء تحت ظل عدالة قدسية الأحكام والميزان.