تحدثت فى مقال سابق عن مناورات السلفيين، ولعبهم على نار هادئة، ونكشهم فى مواد الهوية، ونفخهم فى رماد الثورة وعرضت بالحجة مبررات تحذيرى مما يحيكونه لمصر وهويتها.. واليوم أكرر التحذير من قنابل الدخان التى يطلقها هؤلاء، لضمان خروجهم من معركة دستور الثورة منتصرين وفائزين بأفضل الغنائم. إن ما حسبته وجدته،وما توقعته حدث، اتفق السلفيون مع الإخوان على اجهاض الدستور، كل يغنى على ليلاه، ويخطط لمصالحه وأهدافه. أعلن الإخوان عن خطة من ثلاث مراحل، تبدأ الأولى بحرب إليكترونية على لجنة «الشقاء» أقصد الخمسين، تحت عنوان «احمى دستورك»، والثانية تنطلق بحملة دعائية إعلامية فى الصحف الموالية لهم فى الداخل والخارج، لخلق تعبئة عامة ضد التعديلات الدستورية، وتغيير دستور الإخوان المعيب أما الثالثة فهى مرحلة طرق الأبواب لإقناع البسطاء والمخدوعين باسم الدين برفض هذه التعديلات «هكذا تتخيل الجماعة أو تتوقع أن أحداً من المصريين الوطنيين غير المضحوك عليهم سيفتح لهم الأبواب مرة أخرى». وبالتوازى، ولكن بطريقة مختلفة، شرعت جماعة الدعوة السلفية فى تدشين حملة شعبية موسعة، بهدف الضغط والتأثير على المصريين لإقناعهم بأهمية بقاء مواد الهوية كما هى فى الدستور الجديد، والتصويت ب«لا» عند عرض الدستور للاستفتاء، محذوفاً منه المواد التى لاتتفق وأهدافهم الدينية السياسية. وبعد أن انكشفت مناورات السلفيين وفشلت احتجاجاتهم على تشكيل لجنة تعديل الدستور، لجأوا إلى المؤتمرات التى ينطلق أحدها غداً فى الإسكندرية بحضور ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية. وهذه التحركات والمؤتمرات كانت متوقعة من السلفيين، فهم كحلفاء الأمس يحبون «الهبر» كما يقول عامة المصريين حتى على مائدة السياسة، وإن لعبوا لايؤمنون بقاعدة الغالب والمغلوب، فهم الفائزون دائماً ولا أحد سواهم، ولابد من تمثيلهم بأكبر عدد ممكن فى أى خطوة سياسية ولعدم تمكنهم من تثبيت دعائم أحلامهم، «قامت قيامتهم ولم تقعد» خاصة بعد أن فوجئوا باختيار عضو واحد يمثلهم فى لجنة الشقاء» وهو بسام الزرقا نائب رئيس حزب النور. ورغم احترامى وتقديرى لكل أعضاء لجنة الخمسين أقصد الشقاء إلا أن التشكيل فى مجمله لا يخلو من العوار وعدم تمثيله بالشكل الجيد لكل القوى السياسية والدينية، وكان هناك من هو أفضل وضل الطريق، ولكن فى ظروف استثنائية كالتى تمر بها مصر الآن ينبغى على القوى الوطنية بمختلف انتماءاتها الحزبية أن تتجاوز الشكل وتركز على المضمون والغاية، وتدرك أن معركة دستور مصر الجديدة لا تقل أهمية عن معركة العبور ونصر أكتوبر المجيد الذى سنحتفل به بعد أيام. وإذا كانت «لجنة الأشقياء» التى أمر بها عبدالخالق ثروت رئيس الوزراء واعترض عليها الزعيم سعد زغلول مفجر ثورة 1919 على تشكيلها الحكومى، قد أتت لنا بأفضل دستور عرفته مصر وهو دستور 1923، فإن لجنة «الشقاء» قد تقدم لمصر أخطر وأهم دستور يكتبه المصريون بدماء شهداء أكبر وأعظم ثورتين فى التاريخ الحديث «25 يناير 2011 و30 يونية 2013». أيها المصريون.. امنحوا لجنة عمرو موسى فرصة كتابة صفحة جديدة من تاريخ مصر، كما فعل الأجداد قبل «90» عاماً، ومنحوا لجنة حسين رشدى باشا فرصة كتابة دستور 1923، الذى جاء بسعد زغلول رئيساً للوزراء، ويعد الآن مرجعاً لكل دساتير مصر. والخميس القادم حديث آخر عن تحديات لجنة الشقاء والدستور الذى يريده كل المصريين وليس السلفيين والإخوان فقط.