تعيش الدراما التليفزيونية حالة حراك فنى ومنافسة على ملعب شهر رمضان الذى تتبارى على أرضه مسلسلات عديدة تسعى للتهديف فى منازل المصريين وإحراز نقاط أكثر تؤهلهم للحصول على كأس الجمهور فى نهاية شهر رمضان. ومع ما تواجهه صناعة الفن المصرى من مشاكل في المسرح والسينما والأغنية وعقبات إنتاجية وصعوبات أصبحت الدراما التليفزيونية الملجأ الأخير للجميع والطريق الأقرب لاقتحام الجمهور المصرى رغم أنها ليست بمعزل من الأزمات التى يواجهها الفن المصرى ولكنها أصبحت الصناعة الأقوى فى السنوات العشر الاخيرة مع زيادة عدد شركات الإنتاج الخاصة، والقوة التى أصبحت للدراما تتمثل فى قدرتها على خلق سوق داخل وخارج مصر من خلال الفضائيات، وهو ما لم يعد يتحقق إلا من خلال اختيار موضوعات جديدة ومختلفة والرهان على أسماء بعينها للمنافسة على استقطاب المعلنين وجرهم الى شاشات بعينها. ومع ضعف الإنتاج السينمائى وانتشار ظاهرة البطالة بين كثير من نجوم السينما فتحت الدراما التليفزيونية ذراعيها لاحتضان كثير من نجوم الفن السابع وقدمت لهم تجارب مختلفة اصابت أحياناً وأخفقت كثيراً ولكن الدراما التليفزيونية الآن إنتقلت من استضافة النجوم وتقديمهم إلى نقل روافد السينما وموضوعاتها ونوعياتها المختلفة الى التليفزيون. وفى الموسم الرمضانى الحالى اتضحت الصورة أكثر مع الجرأة غير المسبوقة التى شهدتها بعض الأعمال التليفزيونية والتى تليق بفيلم سينمائى يشاهده الجمهور فى دار عرض لا فى منزل وإلى جانب هذه المشاهد الجريئة التى حظيت بها مسلسلات مثل «موجة حارة» المأخوذ عن رواية منخفض الهند الموسمى للكاتب أسامة انور عكاشة وكتبت له السيناريو والحوار مريم نعوم ونادين شمس ويخرجه محمد ياسين والمسلسل يشارك فى بطولته اياد نصار ومعالى زايد ورانيا يوسف وهنا شيحة وجيهان فاضل ورمزى لينر والعمل يقترب من الرؤى الثورية لهذا الجيل ويقدم تناولاً معاصراً لكثير من الأزمات والقضايا ويقترب من فكرة التجارة بالدين وصراع الأيدولوجيات داخل الأسرة الواحدة، بالإضافة للتعذيب فى أقسام الشرطة والتفاوت الطبقى فى المجتمع المصرى. ومن المسلسلات التى تحلق خارج السرب مسلسل «بدون ذكر أسماء» للكاتب وحيد حامد والذى يخرجه تامر محسن ويقترب هو الآخر من قضية التجارة بالدين إلى جانب تنويعة مجتمعية من القضايا والأزمات التى يرجع بنا من خلالها لفترة الثمانينيات حيث تدور احداث العمل الذى يحرص على رصد مفردات المرحلة التى يعبر عنها مستخدماً مادة تسجيلية للقاهرة قبل ثلاثين عاماً. ويقف مسلسل «ذات» فى نفس الخندق مع بدون ذكر اسماء نظراً للعبة على وتر الماضى ورصده لحياة بنت اسمها ذات منذ قيام ثورة يوليو وحتى قيام ثورة يناير وأكثر ما يميزه هو حفاظ المخرجة كاملة أبوزكرى على التسلسل الزمنى وما يتناسب معه من ملابس وديكورات واستغلال مادة سينمائية وهو ما لم نشعر به حتى الآن رغم ترك كاملة مسئولية المسلسل للمخرج خيرى بشاره ليستكمل تصوير مشاهده بعد خلافات بين الأبطال. وتشهد الدراما التليفزيونية هذا العام حضوراً لروح سينما الأكشن فى مسلسلات رمضان والتى يقف على رأسها مسلسل «اسم مؤقت» ليوسف الشريف الذى يدخل هذه المنطقة للمرة الثالثة بعد «المواطن اكس» و«رقم مجهول» ليقدم توليفة من الاكشن على شاشة التليفزيون. ومن بين الأعمال التى تشعر انها تحمل صبغة سينمائية مستوردة مسلسل «الرجل العناب» للثلاثى أحمد فهمى وشيكو وهشام ماجد والذين كتبوا له القصة وكتب السيناريو والحوار ولاء شريف والإخراج لشادى على ويشاركهم بطولته انتصار وصلاح عبد الله وانجى وجدان وموضوع المسلسل كتب فى البداية كفيلم سينمائى من انتاج السبكى ولكن توقف لعدم وجود إمكانيات مادية وتقنية لتقديمه فى حينها رغم انه كان الفيلم الثانى للثلاثى والذى تحول بعد خمس سنوات لمسلسل يقدم رؤية سينمائية كوميدية من خلال الدراما التليفزيونية التى تحاول تحديث موضوعاتها كما يحاول نجوم السينما تعويض غيابهم السينمائى من خلال مثل هذه الاعمال التى تحمل نكهة سينمائية. ومن المسلسلات التى تميل لنوعية دراما التشويق والإثارة التى تليق بفيلم سينمائى مسلسل «نيران صديقة» للمؤلف محمد أمين راضى والمخرج خالد مرعى والذى اتهمة البعض بالاقتباس من السينما العالمية رغم إغراقه فى تشريح المجتمع والخوض فى أعماق الشخصية المصرية بحرفية. يدخل مسلسل «فرعون» لخالد صالح وجومانا مراد تأليف عمرو الشامي وياسر عبد المجيد واخراج محمد على الى جانب مسلسل «العقرب» لمحمد لطفى ومنذر رياحنة اخراج نادر جلال في منطقة افلام العصابات مع الاختلاف الواضح فى مستوى العملين فالأول عمل فنى يعتمد على نص درامى قوى وفريق عمل قادر على تجسيد شخصيات المسلسل والثانى مع احترامنا لتاريخ نادر جلال ومحمد لطفى عمل مقدم لتلميع منذر رياحنه الذى لا يصلح لأداء الادوار المصرية لا بسبب اللهجة فقط ولكن لانه لا يفهم طبيعة الشخصية المصرية التى ترفض الافتعال الذى وصل به لمرحلة «الأفورة» ليتحول المسلسل من مسلسل عصابات لمسلسل كوميدى ويتراجع منذر ليترك البطولة المطلقة لمحمد لطفى الذى يستحقها عن جدارة.