الديمقراطية التى يعرفها معظمنا فى الأحزاب والمؤسسات هي ديمقراطية الأقدمية، وهى ببساطة أقدمية الأجيال، حيث يصنفون ويقسمون أنفسهم إلى أجيال، جيل الشيوخ، وجيل الوسط، وجيل الشباب، كل جيل يحاول ان يزيح الجيل الذي يسبقه فى الأقدمية لكي يصعد هو ويتولى السلطة، المقصود بالسلطة هنا تولى المراكز القيادية فى العمل أو الحزب أو الجماعة أو الهيئة، فينصب له الشراك والفخاخ والمكائد، كما انه يحاصره دائما باتهامات تعرقله وتزيحه من المسئولية، فيوجه له اتهامات بالفشل وسوء الإدارة، وانتشار الصراعات والفتن، كما يحمله مسئولية تراجع المؤسسة أو الحزب أو الجماعة أو الهيئة في وقت من الأوقات، فى نفس الوقت تبدأ عملية تصفية داخل الجيل المتطلع للمسئولية، حيث يتراشق المتطلعون فيما بينهم بالاتهامات التى تقصى وتفرز، بحيث يهيئ الساحة لنفسه ولمن معه للصعود وتولى المسئولية، بمعنى آخر ينشب صراع داخل الجيل الواحد بين المتطلعين للمناصب القيادية، ويقومون بتصفية بعضهم البعض والبقاء للأقوى، بعد أن تنتهى عملية التصفية يبدأ معركته الرئيسية فى إزاحة الجيل الأكبر منه من السلطة أو المسئولية. والذى يتابع جيدا البناء التنظيمى فى الأحزاب والمؤسسات والجمعيات والجماعات، يكتشف بداية أنه تم تأسيسه على الشكل البيروقراطي الوظيفى او العسكرى، القاعدة العريضة تتكون من الدهماء الذين يتم تسخيرهم واستغلالهم فى عملية الصراع بين المتطلعين للسلطة، الدرجة الأعلى تتكون من جيل الشباب، والدرجة التى تعلوه لجيل الوسط، وقمة الهرم لجيل الشيوخ أو الآباء وهؤلاء هم الذين يتولون السلطة، كما ان الصراع بينهم يعمل على تصعيد البعض من القاعدة أو الشباب أو الوسط إلى القمة، وتتم عملية التصعيد بناء على شرط أساسي جدا وهو الولاء التام لمن أعطاه هذه الفرصة، والتصعيد هنا يهدف إلى تشكيل جبهة أو رجالة يواجه ويحارب بها من هو بالسلطة المتطلعون فى نفس جيله أو فى جيل الوسط، وفى الغالب يكون الولاء بقدر الرشوة وحجمها، معظم أو أغلب أو بعض من تم تصعيدهم من السهل جدا أن ينحازوا لفريق آخر حسب حجم المنفعة المتاح أمامه، هذا فالذي يقوم بالشراء مطالب بأن يظل على تسديد المقابل لكى يضمن ولاء من قام بتصعيدهم، وعملية الشراء تختلف من شخص لآخر، البعض يبيع مقابل المال، والبعض مقابل منصب، والبعض تأسره الكلمة الطيبة، والبعض يظل وفيا لخدمة قدمت له ممن قام بشرائه، وللحق بين هؤلاء بعض شخصيات نخلص لأن المشترى قام ببرمجتهم بكلمات وعبارات إنشائية، الذى يمتلك درجة من الوعى منهم يعلم جيدا أصول اللعبة، ويدرك انه تم تصعيده ليكون أحد الرجال او المناصرين فى مواجهة منافس آخر فى نفس الجيل أو فى جيل آخر، لهذا فهو بعد أيام من تصعيده وتمكينه واستلامه الرشوة يبدأ فى وضع تصور لتطلعاته ومصالحه في الحزب أو المؤسسة أو الجماعة أو الهيئة. عندما يفتح الباب لشغل الوظائف القيادية تبدأ لعبة الصراع داخل الجيل الواحد، وبين الأجيال وبعضها، وكل فريق يطلق مجموعة من الشائعات والحكايات التى تشوه صورة منافسة أمام الدهماء أو القاعدة العريضة التى لها حق الاختيار، كما تبدأ عملية شراء الأصوات بتوفير أتوبيسات ووجبات، وتطلق بعض الوعود التى قد يستحيل تحقيق بعضها. في اغلب المؤسسات أو النقابات ليس بالضرورة يفوز صاحب أفضل برنامج يخدم القاعدة العريضة ومصالحها الأدبية والسياسية، بل يفوز فى الغالب من هو أقوى تأثيرا على الجمعية العمومية أو القاعدة العريضة، والتأثير هنا يمكن أن تضع تحته الكثير من المفاسد، ابتداء من الرشوة العينية وحتى الرشوة اللغوية، الكلمة التى تداعب ذات وعاطفة الأشخاص. خلاصة القول نحن فى مصر وفى المنطقة العربية نطالب بالديمقراطية، وبتداول السلطة، وبإتاحة الفرصة لمنافسة شريفة حرة بين الأجيال المختلفة، ونعلن إدانتنا للرشاوى الانتخابية العينية والأدبية، لكننا فى الحقيقة نمارس الديمقراطية البيروقراطية، ديمقراطية الموظفين، أجيال وراء أجيال، ديمقراطية الأقدميه.