"جمال عبد الناصر والإسلام.. سياسة ذات وجهين"، تحت هذا العنوان كتب الكاتب الإسرائيلي "ماتي زوهار" مقالاً نشرته الإذاعة العامة الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني يتحدث عن الخلافات بين الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر وجماعة الإخوان المسلمين، والمنعطفات التي شهدتها طبيعة العلاقات بين الجانبين. واستهل الكاتب مقاله بأن "نضال" من قطاع غزة سأله عن سياسة جمال عبد الناصر نحو الإسلام، وعن السبب في إعدام العلامة سيد قطب خلال الستينات. ورد عليه الكاتب قائلاً: "من الممكن وصف سياسة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر تجاه الإسلام بأنها كانت ذات وجهين"، مضيفا :"فعلى الصعيد الرسمي، لم يتخذ النظام في وقت من الأوقات أي إجراء أو موقف مضاد للإسلام، ولمكانته في الحياة الاجتماعية في البلاد، بل إن نظامه جعل الإسلام رسميا دين الدولة المصرية، وذلك في نطاق الدستور الذي أعلنه عام 1956". كما حرص رؤساء النظام الناصري على حضور الصلوات في المساجد والاجتماع برجال الدين من حين لآخر. وتابع قائلاً: غير أنه على الصعيدين الأيديولوجي والعملي فقد اتسمت سياسة النظام الناصري بطابع علماني. وعلى الصعيد الأيديولوجي أقام نظام الرئيس عبد الناصر سياسته على فكرة القومية العربية، مضيفا إليها فيما بعد مبدأ الاشتراكية. ورغم أنه كانت هناك محاولات من بعض الكتاب والمفكرين الناصريين للتوفيق بين القومية العربية والاشتراكية من جهة وبين مبادئ الإسلام من جهة أخرى، فإن هذه المحاولات لم تسفر عن نتيجة ملموسة، بل أن العلامة سيد قطب، مفكر جماعة الإخوان المسلمين، شن في أوائل الستينات حملة على سياسة النظام ومعتقداته باسم مبادئ الدين. وكان هذا أحد أسباب تعرض النظام الناصري له فيما بعد- على حد زعم الكاتب. وأردف الكاتب الإسرائيلي قائلاً: يمكن التأكد من موقف نظام جمال عبد الناصر من الإسلام أيديولوجيا من خلال بنود الميثاق الوطني المصري الذي تم إقراره عام 1962، حيث ورد فيه اسم الإسلام بصورة مقتضبة مرتين فقط في سياق الكلام عن تأريخ الشعب المصري وروابطه الدولية، مشيراً إلى أنه رغم وجود عدة مواضع بالميثاق تم فيها التأكيد على القيم الدينية، فإن جميع هذه التأكيدات تتحدث عن الدين بشكل عام دون ذكر الإسلام خاصة. وعلى الصعيد العملي، انتهج نظام عبد الناصر سياسة استهدفت وضع المؤسسات الدينية الإسلامية في البلاد تحت سيطرته أو حتى إلغائها كليا. فعلى سبيل المثال، ألغيت في منتصف الخمسينات المحاكم الشرعية الإسلامية، كما تم في عام 1961 إدخال إصلاحات إدارية جوهرية على نظام مؤسسة الأزهر، بهدف تحويلها إلى جامعة عادية تحت إشراف السلطات. وأضاف أن النظام المصري عمل خلال عهد عبد الناصر على استخدام علماء الأزهر لنشر آرائه ومد نفوذه السياسي في الدول الإسلامية، خاصة الأفريقية منها، وذلك عن طريق إرسال المدرسين ورجال الدين المصريين إليها، واستقبال طلابها في الأزهر. كذلك أُدخلت المؤسسات الدينية الأخرى، وفي مقدمتها المساجد، تحت إشراف أجهزة الأمن المصرية، فيما يتعلق بتعيين الأئمة فيها، ومراقبة نشاطهم، والتدقيق في مواضيع خطبهم الدينية. كما ألغى النظام رسمياً جميع الطرائق الصوفية، رغم السماح لها بمواصلة نشاطها بصورة غير رسمية. ورأى الكاتب أن سياسة نظام عبد الناصر انعكست تجاه الإسلام في إجراءاته الصارمة ضد تلك الفئات التي كانت تطالب بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية على كافة مجالات الحياة في البلاد، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين. ولفت إلى أن جماعة الإخوان المسلمين، التي سبق لها أن مارست نشاطات عنيفة ضد النظام الملكي المصري، أقامت قبل ذلك علاقات تعاون مع حركة الضباط الأحرار، التي قادت ثورة يوليو 52، إلا أنه بعد نجاح الثورة والإطاحة بالحكم الملكي، أيد الإخوان المسلمون رئيس الجمهورية آنذاك، اللواء محمد نجيب، في صراعه مع جمال عبد الناصر، وهو الأمر الذي أفقد جماعة الإخوان بعد نهاية هذا الصراع بانتصار جمال عبد الناصر، مركزها في نظام الحكم الجديد، مما جعل الصراع مع هذه الجماعة صراعاً دموياً حاداً- على حد تعبيره. وأشار الكاتب إلى أن الصراع بدأ عام 1954، عندما اشتبك طلاب من جماعة الإخوان المسلمين مع طلاب آخرين من مؤيدي النظام، فردت السلطات المصرية بفرض حظر على نشاط الإخوان المسلمين، وباعتقال زعمائهم. غير أن الجماعة استطاعت أن تواصل نشاطها سرا، بل ونظمت في صيف ذلك العام اضطرابات عنيفة، حيث اشتبك أتباعها مع قوات الشرطة. وفي أواخر العام ذاته، قام أحد أفراد جماعة الإخوان المسلمين بمحاولة اغتيال جمال عبد الناصر عندما كان يلقي خطابا في الأسكندرية، مما أدى إلى شن حملة اعتقالات واسعة النطاق ضد أعضاء التنظيم في جميع أنحاء البلاد. وإثر المحاكمات التي جرت لقادة الإخوان المسلمين أُعدم 5 منهم. ورأى الكاتب أن هذه الإجراءات أدت إلى كسر شوكة الجماعة، التي عادت لتمارس نشاطات معادية لنظام الرئيس جمال عبد الناصر في أواخر عام 1964، مما أدى إلى اعتقال زعمائهم وإعدام 3 منهم، بمن فيهم المفكر سيد قطب، الذي أعدم عام 1966، وعند هذه النقطة لم يغير الرئيس جمال عبد الناصر سياسته تجاه جماعة الإخوان المسلمين التي ظلت محظورة رسميا وعمليا حتى آخر أيامه في الحكم.