مواطنون يصرخون: خفضنا الكميات للنصف والأسعار نار التجار: لسنا المسئولين وكبار التجار هم السبب خبراء: المزارع السمكية فى أزمة.. والتلوث أفسد المصائد الطبيعية شهدت أسعار الأسماك ارتفاعا حادا فى الآونة الأخيرة، وسط تراجع فى المبيعات بشكل قوى، حسبما أكد تجار الأسماك الذين التقتهم «الوفد» فى جولتها على الأسواق، بينما أبدى العديد من المواطنين انزعاجهم بسبب هذا الارتفاع الغريب وغير المبرر، والذى جعل الأسماك تنضم لقائمة السلع التى يعجز الكثيرون عن شرائها. "الوفد" بحثت عن أسباب هذا الارتفاع الشديد فى الأسعار، وبحثت الحلول الممكنة للقضاء على أزمة الأسماك فى مصر خلال هذا التحقيق. كانت الأسماك هى الملاذ لعدد كبير من المواطنين للحصول على البروتين بعيدا عن اللحوم والدواجن التى ارتفعت أسعارها بشكل غير مسبوق، ولكن موجة ارتفاع الأسعار طالت الأسماك أيضا، بل إن أسعارها لم تعد فى متناول العديد من فئات الشعب المصرى، فقد سجل سعر السمك البلطى ما بين 55 و65 جنيهًا للكيلو، وتراوحت الكابوريا بين 70 و150 جنيها، فيما تراوح سعر كيلو السمك البورى بين 120 و150 جنيها، وتراوحت المكرونة السويسى بين 100 و125 جنيها، كما تراوح الجمبرى بين 150 إلى 450 جنيها، وتراوح كيلو «السبيط» بين 120 و220 جنيها، أما كيلو سمك الثعابين فيتراوح بين 90 و280 جنيها، ووصل سعر القاروص إلى 160 جنيها. وعبر عدد من المواطنين عن غضبهم من ارتفاع أسعار السمك بشكل مبالغ فيه، مؤكدين أنه عند غلاء سعر اللحوم والدواجن، كانت الأسماك هى البديل للحصول على البروتين، ولكن اليوم مع ارتفاع اسعار السمك بهذا الشكل فماذا نفعل؟ حيث أكدت مريم كمال، ربة منزل، أن أسعار السمك ارتفعت بشكل كبير جدا، ما دفعها إلى شراء أقل من نصف الكمية التى كنت معتادة على شرائها، متسائلة عن دور الرقابة للحد من هذا الارتفاع الجنونى فى الأسعار. وقالت هند «مدرسة» إن أسعار كل شيء حولنا أصبحت فى ارتفاع مستمر، ولكن ماذا نفعل فليس بأيدينا شىء سوى الدعاء برفع البلاء، مضيفة أن ما يحدث من ارتفاع فى الأسعار ما هو إلا جشع واضح من التجار أمام غياب تام للرقابة والحكومة، لافتة إلى أن شراء وجبة سمك كما كانت تشتريها لأبنائها من قبل تحتاج اليوم إلى ألف جنيه تقريبا، مضيفة المرتبات هزيلة برغم تحسنها فالغلاء ابتلع أى زيادات تمت فى الفترة الأخيرة. ومن المواطنين إلى التجار حيث قال أحمد، تاجر سمك بالحى 11 بمدينة 6 أكتوبر، إن أسعار الأسماك فى ارتفاع مستمر، ونحن كتجار نعانى من انخفاض المبيعات، ونبيع بأسعار مرتفعة نتيجة لأن السمك يأتى إلينا بسعر عالٍ، لافتا إلى أن هناك عمالا وإيجارا للمحل والتزامات، وبالإضافة إلى كل هذا فإذا لم أضف ربحا يغطى كل هذه المصاريف سأغلق المحل. وأضاف الحاج إبراهيم، تاجر سمك بالحى 7 بمدينة 6 أكتوبر، أنه نظرا لارتفاع الأسعار فقد انخفضت مبيعاتنا من الأسماك، كما أن معظم الأسر لجأت إلى تقليل النفقات حتى يستطيعوا تلبية احتياجاتهم الأخرى. بينما أوضحت المعلمة فتحية تاجرة سمك بالجيزة، أن ارتفاع سعر السمك ليس مسئولية التجار، فأصحاب المزارع وتجار الجملة يبيعونها لهم بسعر مرتفع، مضيفة أن التاجر يحقق مكسبا حينما تكون الأسعار رخيصة، مشيرة إلى أن مكاسبها الشخصية كانت كبيرة حينما كان السمك يباع بسعر ما بين 10 و15 جنيها، مؤكدة أن فى هذه الأوقات كان هناك إقبال قوى على الشراء وكانت مبيعاتها كبيرة، وبالتالى كانت الأرباح فى زيادة، ولكن اليوم مع ارتفاع الأسعار، انخفض الإقبال على الشراء وبالتالى قلت الأرباح بشكل كبير. إنتاج المزارع فين؟ ومع ارتفاع أسعار الأسماك بهذا الشكل المبالغ فيه، يتساءل الكثير من المواطنين عن إنتاج البحيرات والمزارع السمكية الموجودة فى مصر، وهل أصبحت مصر بشواطئها الممتدة على البحرين الأبيض المتوسط والأحمر ونهر النيل الذى يشقها غير قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتى من الأسماك؟ جدير بالذكر أن مصر تمتلك 14 بحيرة تعتبر مصدرا أسياسيا فى تنمية الثورة السمكية والمشروعات الكبرى فى الاستزراع السمكى، وهى «مريوط، إدكو، البرلس، المنزلة، البردويل، البحيرات المرة، نبع الحمراء، بحيرة التمساح، بحيرة بورفؤاد، قارون، ناصر، بحيرات توشكى، والريان». هذه البحيرات والشواطئ منحت مصر فرصة لتوافر الثروة السمكية بها والتى تنقسم لقطاعين كبيرين، هما: قطاع المصائد وقطاع الاستزراع السمكى، ويتمثل قطاع المصائد الطبيعية، فى البحرين الأحمر والمتوسط وخليج وقناة السويس والبحيرات ال 14، أما قطاع الاستزراع السمكى فهو يعتمد على المزارع السمكية المنتشرة فى نهرالنيل والعديد من البحيرات، ويصل عددها إلى أكثر من سبعة آلاف مزرعة. ويعد قطاع الثروة السمكية من أهم القطاعات التى توليها الدولة أهمية خاصة، ومع ذلك يعانى المواطنون من ارتفاع الأسعار، لذلك لجأنا للخبراء لمعرفة اسباب هذه المشكلة وهل يمكن إيجاد حلول لتوفير الأسماك بأسعار معقولة للمواطنين، فقال الدكتور حسين جنيدى خلف الله، أستشارى الاستزراع السمكى، لابد أن نوضح أن البحيرات الموجودة فى مصر ليست جميعها تنتج أسماكا، لافتا إلى وجود سبع بحيرات منتجة فقط، وهي: بحيرة مريوط بالإسكندرية وبحيرة أدكو وبحيرة البرلس وبحيرة المنزلة وبحيرة الملاحة وبحيرة البردويل وبحيرة قارون، ولكن إنتاجها ضعيف جدا، ما عدا بحيرة البردويل التى تعتبر من أنقى البحيرات وتديرها القوات المسلحة بطريقة صحيحة، مضيفا أنها قبل ذلك كانت تدار بطريقة خاطئة من قبل الصيادين، والآن أسماكها أصبحت تصدر إلى أوربا باسم البردويل. وأضاف أن البحر المتوسط أصبح مليئا بالتلوث والصيد الجائر أدى إلى انخفاض أعداد الأسماك، لافتا إلى أن زيادة السكان المستمرة لا تقابلها زيادة فى أعداد الأسماك فى البحيرات، كما أننا ليس لدينا أسطول لأعالى البحار، مؤكدا أنه إذا كان لدينا ذلك الأسطول كانت الكثير من مشاكل الصيد ستحل، لأن هذا الأسطول يمكنه الخروج للصيد بشكل رسمى فى المحيطات وأعالى البحر المتوسط، ولكن فى الوقت الحالى إذا ذهب الصياد بالمركب إلى حدود ليبيا أو اريتريا أو اليمن يتم احتجازه لأنه يخرج بصورة غير رسمية. وأشار الدكتور حسين جنيدى إلى أن تحول هيئة الثروة السمكية إلى جهاز تنمية البحيرات سيؤدى إلى رعاية هذه البحيرات وتنظيم عمليات الصيد، وبالتالى زيادة الثروة السمكية بها. وأوضح أن المزارع السمكية تحتاج إلى أعلاف لتغذية الأسماك، وكل مكونات هذه الأعلاف يتم استيرادها من الخارج، مشيرا إلى أنه لدينا أكبر مصانع لإنتاج الأعلاف إلا أنه بعد ارتفاع سعر الدولار ارتفعت أسعار التكلفة، لافتا إلى أن سعر كيلو العلف كان تسعة جنيهات فى شهر نوفمبر الماضى، وصل اليوم إلى 25 جنيها، موضحا أن كيلو السمك البلطى يحتاج إلى كيلو ونصف علف بما يعنى 37 جنيها بخلاف الكهرباء والعمالة، وبالتالى فمن الطبيعى أن ترتفع الأسعار. وأشار الدكتور جنيدى إلى أن المزارع السمكية كان من المفترض أن تحل أزمة الأسماك، ولكنها أصبحت لديها مشكلة بسبب ارتفاع تكلفة الأعلاف، موضحا أن الدولة نجحت فى حل مشكلة الجمبرى وخاصة مع إنشاء بركة غليون، حيث كانت مصر تستورد الجمبرى من الخارج، ولكنها نجحت فى استزراع نوع رخيص منه وأسهل فى تربيته، لافتا إلى أن بحيرة غليون أنتجت ألفا ومائتي طن جمبرى فى العام الماضى، والإنتاج فى تحسن مستمر. كما تم إنشاء مزرعة الديبة بين بورسعيد ودمياط تابعة للشركة الوطنية بمساحة مائتين وثمانين فدانا، تنتج فى الفدان الواحد ثلاثة أطنان، ويصل إنتاجها السنوى إلى مائتين وخمسين طنا من الجمبرى. وأوضح أن المزارع تبيع السمك البلطى للتجار بسعر 40 جنيها، وإذا ذهبت إلى سوق الجملة ستشتريه ب48، اما تاجر التجزئة فيبيعه بسعر 58، والتاجر الصغير يبيعه بسعر 65 جنيها، وأضاف قائلا: لدينا عدد من السماسرة لا يدفعون شيئا من جيوبهم ولكنهم يفرضون عمولات على المنتج، ما يرفع سعره بشكل مضاعف وبأكثر من تكلفة إنتاجه بشكل مبالغ فيه. وأشار إلى أن إنتاج مصر من الأسماك يقدر بأكثر من 2 مليون طن سنويا، ونستورد حوالى نصف مليون طن لكى يتم تعويض فارق الاستهلاك، والغريب أن نصف المليون طن الذى نستورده 40% منه من الجمبرى، مضيفا أنه من البديهى أن نستورد الأسماك الرخيصة ولكن هذا لا يحدث ولأسباب غير معلومة، ولذلك وجه الدكتور جنيدى نصيحة للمواطنين الذين يريدون إنشاء مزارع سمكية، بأن يتخصصوا فى إنتاج الجمبرى لأنه مطلوب بشدة فى الأسواق، متوقعا ارتفاع أسعار الأسماك فى الفترة القادمة عما هى عليه الآن. عوامل عديدة والتقط أطراف الحديث الدكتور محمد حمزة خبير الاستزراع السمكى، موضحا أن هناك عوامل عديدة أدت لارتفاع أسعار الأسماك فى الفترة الأخيرة، منها الصيد الجائر وتلوث اماكن الصيد. وعما يقال عن وجود عدد كبير من التماسيح يصل إلى 12 ألف تمساح فى بحيرة ناصر وأنها السبب فى التهام الأسماك، أكد أن التماسيح ظاهرة طبيعية ولابد من وجودها فى البحيرة لإحداث توازن بيئى، لأنه فى حالة زيادة الأسماك عن الحد المعقول ستبدأ تتغذى على الكائنات الأخرى، ما يؤدى إلى انقراضها، متسائلا عن صاحب هذا الرقم غير المبالغ فيه حول عدد التماسيح، فمن قام بعدها؟ وأكد حمزة أن السمك أحد العناصر الاقتصادية التى تتأثر أسعارها بعوامل أخرى، ففى حالة زيادة أسعار العوامل التى تدخل فى عملية الصيد سترتفع أسعار السمك، فمثلا عند زيادة سعر المحروقات ترتفع تكلفة الصيد لأن المركب يحتاج إلى سولار، كما أن الصيد يحتاج إلى ثلج لحفظ الأسماك بالإضافة إلى تكلفة النقل، وهذه كلها عوامل تؤثر على سعر السمك كمنتج نهائى. وأوضح أن إنتاجنا من المزارع السمكية فى تزايد، بل إن مصر تحتل المرتبة الرابعة على مستوى العالم، خاصة فى إنتاج البورى والبلطى، ولكن إنتاج البحار بدأ يتناقص وحتى فى أحجام الأسماك، فبعد أن كان طول السمكة يصل إلى عشرين سنتيمترا انخفض إلى النصف فأصبح عشرة سنتيمترات، ويرجع هذا إلى الصيد الجائر والتلوث، مشيرا إلى أننا نحتاج إلى أسطول أكبر يستطيع الصيد فى أماكن أعمق من البحار. وأكد أن مشروع بركة غليون من أكبر مشروعات الاستزراع السمكى، مضيفا أن كل مشروع لا يعطى نتائج مائة فى المائة ولكن العائد يزيد كل فترة، لافتا إلى أن عمر الدورة الاقتصادية عام كامل.