بين الغناء والربيع علاقة دافئة تمتد لسنوات طويلة، فالأغنية عبرت كثيرا عن هذا الحدث. ومع انطلاق هذا الفصل كانت تنطلق الحفلات في كل ربوع مصر، في الحدائق العامة، والأندية والمسارح. وكان من بين النجوم أسماء كبيرة أثرت في تاريخ الأغنية مثل عبدالحليم حافظ، وفريد الأطرش ووردة وفايزة ونجاة. ثم تسلم الراية هاني شاكر ومحمد منير.. شم النسيم لم يكن فقط موسماً للحفلات، ولكنه أصبح من أهم مواسم سوق الكاسيت أو ما كان يعرف باسم سوق الكاسيت. ومع بداية حكم الإخوان تحول الربيع إلي خريف، لم تعد هناك حفلات بالكثافة التي نعرفها، فهذا الربيع شهدت مصر حفليين فقط مساء أمس الأول للمطرب محمد منير في بورتو السخنة، والثاني للمطرب هاني شاكر بالمسرح الكبير بالأوبرا، والحفلان يتناسبان من حيث الكم مع حجم وأهمية مصر. لكن تراجع عدد الحفلات وهروب بعض منظمي الحفلات إلي المنتجعات له أسبابه منها حالة الانفلات الأمني التي تعاني منها مصر في عهد الإخوان والتي أدت إلي استمرار ابتعاد المطرب محمد منير عن إقامة حفلاته بدار الأوبرا. لأن عدد الجماهير الكبيرة لمنير التي وصلت إلي 20 ألفاً تجعل هناك استحالة لإقامة الحفل في ظل أمن يعاني من مشاكل كبيرة. ومنع حفلات منير يعود إلي الأشهر الأخيرة من عصر مبارك لكن كانت أسباب المنع هو انشغال مكان إقامة الحفل بمواد البناء الخاصة بإعادة بناء مسرح الهناجر. وجاءت الثورة وتبعها الانفلات الأمني، وهو ما أدي إلي حرمان جمهور الملك من مثل هذه الحفلات. مما جعل المنظمين يهربون تارة للساحل الشمالي، وتارة للعين السخنة لأن بُعد المسافة يقلل من عدد الجماهير إلي جانب إقامته داخل منتجعات مغلقة، وغالباً ما يكون رواد الحفلات من سكان تلك القري. إذن الحفلات لم تعد للناس الغلابة بل أصبحت «لعلية القوم». حفل هاني شاكر بالأوبرا هو للحفاظ علي الرمزية، وأيضا رواد الحفل هم محبو الأوبرا، وبالتالي فالناس الغلابة ممنوعون بحكم ان سعر التذكرة هو 50 جنيهاً، وهي الآن في ظل حكم الإخوان أصبحت لها قيمتها. ومن بين الظواهر التي خلفها لنا حكم الإخوان هو هروب المطربين العرب فهذا الوقت من كل عام كانت فنادق، ومسارح مصر تشهد وجود عشرات المطربين اللبنانيين والخليجيين مثل راغب علامة، ونانسي عجرم، وهيفاء وهبي، وعاصي الحلاني ومحمد عبده ورابح صقر وحسين الجسمي، ونبيل شعيل وآخرين. ومع تصاعد الأحداث السياسية في الشارع المصري بين كر وفر تارة بين الأمن والثوار، وتارة بين الإخوان والثوار، وتارة بين تيار الإسلام السياسي، والإعلاميين هجر المطربون العرب مصر، ولم نعد نري منهم سوي كلمات الشفقة علي حال مصر. سوق الكاسيت ليس أفضل حالاً من وضع الحفلات. ففي هذا الوقت من كل عام، كان نجوم الغناء يتصارعون من أجل طرح ألبوماتهم في هذه المناسبة. علي اعتبار أنه بداية لموسم الانطلاق في المنتزهات، والحدائق. لكن صناعة الأغنية تعرضت هي الأخري لحالة من التوقف. نتيجة سوء إدارة البلاد التي أدت إلي تغيير في المزاج العام للمصريين فانشغل الشعب بالجرحي والقتلي. وبالتالي وجدت الشركات نفسها أمام جو عام سئ. وهو الأمر الذي أدي إلي تأجيل ألبومات كثيرة لحين استقرار الأوضاع أبرزها ألبوم عمرو دياب الذي أجل طرحه أكثر من مرة نتيجة تلك الظروف، وقبله مصطفي قمر ومحمد فؤاد وأصالة، وأنغام، وآمال ماهر، وراغب علامة كل هذه الأسماد في انتظار الوقت المناسب والذي ربما لن يأتي قريبا. تأجيل المطربين لألبوماتهم جاء كأمر طبيعي لأن هناك ألبومات طرحت لنجوم كبار في عالم الغناء مثل تامر حسني، والذي «سقط» ألبومه بشكل غير متوقع، وجاء ألبوم كارول سماحة ليحقق نفس التراجع ومعني ان هذه الأسماء تراجعت فهذا يعني ان السوق غير مهيأ لاستقبال أي أعمال جديدة. وهو الأمر الذي جعل أغلب نجوم الغناء يتجهون إلي برامج اكتشاف المواهب كمحكمين أو ضيوف عليها. مثل سميرة سعيد وآمال ماهر ومحمد منير ومحمد فؤاد وأنغام وشيرين ونجوي كرم ونانسي عجرم، وراغب علامة. أسماء كلها كبيرة لم يكن أحد يتوقع أن تغير المهنة من مطرب إلي عضو لجنة تحكيم. تراجع عدد الحفلات والألبومات لا يؤثر علي الشركات أو نجوم الطرب فقط لكنه يؤثر علي مستوي الدخل القومي لأن هناك موسماً سياحياً تم حذفه من الخريطة السياحية المصرية، وبالتالي ما كان يتحقق من عائد من زيارة الخليجيين والعرب في هذه الفترة ذهب أدراج الرياح. فأي سياحة يسعي إليها النظام الحاكم في دولة لا يتحقق فيها أدني مقومات الأمان؟