الإعدام رجما أو بقطع الرقاب، سواء بالمقصلة أو بحد السيف كلاهما من بين الوسائل التي كانت تنفذ بها الأحكام الصادرة بالإعدام، في أزمنة غابرة، موغلة في القدم علي نحو يجعلها بعيدة كل البعد عن روح زماننا. روح أصبحت بموجبها حتي عقوبة الإعدام، وليس فقط وسائل تنفيذها، أمرا مستنكرا شرقا وغربا، بل في أكثر من بلد، أمرا محظورا. ومن هنا، اندهاشنا، بل قل، انزعاجنا، عندما نري علي الشاشات الكبيرة أو الصغيرة، تلك العقوبة التي عفي عليها الزمان، وهي تنفذ، بإحدي هاتين الوسيلتين، وبخاصة وسيلة الرجم في بلاد عادت إلي استعمالها، بوحشية منقطعة النظير، مثل أفغانستانوإيران. ولربما نكون قد اعتدنا علي مشاهدة قطع الرقاب بوسائل شتي، حتي ألفناها، من كثرة الأفلام عن الثورات، لاسيما ما كان منها موضوعه متصلا بالثورة الفرنسية، حيث كانت الرقاب، وأغلبها للثوار الذين دعوا للثورة، وشاركوا في صنعها، تقطع بالمقصلة (المسمي بالجيلوتين نسبة إلي مخترعها) في فترة الإرهاب الكبير، تمت زعامة «روبسبيير» أكثر الثوار تشددا. ذهب برفيقه في السلاح «دانتون» إلي المقصلة، حيث رأينا الجلاد يرفع رأسه إلي أعلي، لتراها الغوغاء المتعطشة للدماء، في فيلم «دانتون» لصاحبه المخرج البولندي «اندريه فايدا» مثلما رأينا، من قبل «روبسبيير» في أكثر من فيلم وهم يذهبون به هو الآخر إلي المقصلة، حيث لقي نفس المصير غير أننا، وعلي وجه اليقين، لم نألف بعد مشاهدة المحكوم عليهم بالإعدام، وقد وضعوا في حفرة، وقطع الحجارة المسنونة، تساقط عليهم، من أيدي الغوغاء المستمتعة بالمشهد الفاجع. ويستمر الرجم حتي يجىء الموت الشخص المنسوب إليه ارتكاب الفعل الآثم، بعد طول نزف وعذاب أليم، فإلي عهد قريب، لم أكن قد مررت، بعد، بتجربة مريرة، مثل مشاهدة تجربة من ذلك القبيل. فأول مشاهدة للإعدام رجما، لم تتح لي، إلا قبل تسع سنوات، بفضل مشاهدة فيلم «أسامة» (2004) الذي استهل به الإنتاج السينمائي في أفغانستان، وذلك بعد التخلص من حكم طالبان، الذي فرض جبرا علي الشعب الأفغاني محظورات كثيرة، حالت بينه وبين الاستمتاع بجميع الفنون، وفي مقدمتها فن السينما. ففي ذلك الفيلم رأيت ولأول مرة، امرأة ينفذ فيها حكم الإعدام، رجما. من منطلق الزعم، بأنه ثبت في حقها، ارتكاب إثم الزنا. ولحسن الحظ ان «صديق بارماك» كاتب ومخرج «أسامة» لم يكن قاسيا علي مشاهدي فيلمه فاكتفي بعرض أقل القليل من وقائع الرجم، ومن ثم حصرها في تصوير مرتكبة الإثم، وهي مسوقة إلي الحفرة، حيث نراها مدفونة، لا يظهر منها سوي رقبتها، دون أن نري من عملية رجمها شيئا. ووقتها لم يرد علي بالي، أنه لن تمر سوي بضع سنوات، إلا وأجدني، جالسا مفزوعا مما أري. كان أمام عيني مشهد طويل (حوالي ثلت ساعة أو أكثر) لامرأة محكوم عليها بالإعدام رجما، في قرية ظالمة من قري إيران. والمشهد من فيلم اسمه «رجم ثريا» (2008) صاحبة «سيروس ناوراستي»، وهو مخرج منحدر من أصول فارسية. وفيلمه مأخوذ عن قصة مستوحاة وقائعها من مأساة حدثت بالفعل في إحدي القري الإيرانية فور بدء حكم الملالي لإيران. ففي القرية، حيث تدور أحداث الفيلم. اتهمت امرأة متزوجة، وأم لأربعة أولاد، بمعاشرة ميكانيكي قامت علي خدمته، إثر وفاة زوجته، هو وابنه المعوق. وأخذا بشهادة كل من إمام القرية، وعمدتها، والميكانيكي وزوجها المسكون بكراهيتها. وكلها شهادات زور، أصدر مجلس حكماء القرية حكما عليها بالإعدام رجما. ونفذ عليها الحكم، دون استئناف، أمام سكان القرية، وبحضور ولديها الذكور، اللذان شاركا في رجمها، بتحريض من الأب. واستمر الرجم، والدماء تسيل من جراحها حتي لفظت أنفاسها الأخيرة، بعد معاناة طويلة من الآلام. كان، والحق يقال، مشهدا لا يحتمل، ليس في وسع أحد أن يشاهده دون ان يتألم، إلا إذا كان من تلك الفئة، غليظة القلب، التي تنعم بالراحة، وسط أنات المهزومين!!