الموالد والاحتفالات التي تقام عند الأضرحة لأجل أعياد ميلاد الأولياء والقديسين في مصر هي مناسبات تستحق الدراسة والتأمل أكثر مما تستحق الاحتفاء أو الاستنكار.ولعالم الاجتماع الراحل الدكتور سيد عويس كتاب ضخم اسمه «موسوعة المجتمع المصري» ذكر فيه ان مصر تضم حوالي 2850 مولداً للأولياء الصالحين يحضرها أكثر من نصف سكان الدولة حيث لا يتقيد أهالي كل قرية ومدينة بوليهم المحلي، وانما أسقط المصريون حاجز المكان بتوجه سكان أسوان الى طنطا للاحتفال بمولد السيد البدوي، ويتوجه سكان الاسكندرية للاحتفال بمولد سيدي أبو الحجاج بالأقصر وسكان حلوان للاحتفال بمولد القديسة دميانة بالبحيرة، وسكان البحيرة للاحتفال بمولد سيدي مار برسوم العريان بالقاهرة.هذا وترتبط مواسم الموالد في الأقاليم المصرية بموسم جني المحصول الذي يوفر السيولة المالية والبال الرائق الذي يسمح بالاحتفال. ولأجل هذا فان الموالد تعتبر مواسم رواج تجاري حيث تمتلئ الفنادق الرخيصة المحيطة بالضريح وتزدهر التجارة بالمحال المجاورة للاحتفال ويتدفق الآلاف من الريفيين ومعهم بضائعهم من المنتجات اليدوية ومنتجات الألبان، كما تأتي الفرق الاستعراضية من المنشدين والراقصين والحواة وضاربي الودع وقارئي الطالع وأصحاب المراجيح والملاهي المتنقلة.. وهؤلاء تكون لديهم أجندة شاملة بمواعيد الموالد على كل أرض المحروسة، ويحرصون على الوجود بأكبر عدد ممكن في هذه الفعاليات المثيرة.وبطبيعة الحال فان تجمعات من هذا النوع يكثر بها التحرش على نحو لافت، غير ان التحرش لم يفلح أبداً في ان يصد الناس عن الاحتفال عاماً وراء عام حتى ليبدو الأمر كما لو ان التحرش هو أحد الطقوس الاحتفالية التي لا تثير استنكار المحتفلين! ولما كانت هذه الموالد هي أبواب رزق مفتوحة فقد تفنن القوم في تكرارها، وعلى سبيل المثال أضيف للاحتفال بمولد السيد البدوي في طنطا احتفال آخر في وقت آخر من السنة اسموه «الرجبية» في تكرار لعجيب لنفس المولد، وذلك حتى يمدوا في عمر البيزنس والتجارة المرتبطة بالحدث!.أما عن الأطعمة التي يتقوت بها زوار الموالد فهي كل ما تستطيع المطابخ والمقالي في المناطق المحيطة بمكان الاحتفال ان تنتجه مهما تدني مستواه وساءت نوعيته.. وهناك في كل ركن وعلى كل رصيف تجد من يجلسون وأمامهم المواقد والأواني والخبز لتجهيز السندوتشات.. غير ان أعجب ما صادفني وأنا أتفقد أحد الموالد منذ عدة سنوات هو بائع للسمك كان يقوم بقلي الاسماك الفيليه في الزيت وعمل سندوتشات منها يشتريها المحتفلون ويقبلون عليها في سعادة لأنها سهلة الهضم وتخلو من الشوك تماماً.. العارفون بالأمور أخبروني بأن هذا السمك الفيليه المزعوم ما هو الا قشر بطيخ يتم تقطيعه ترنشات وغمسه في الدقيق ثم ينزل الى الزيت الزفر ويخرج وكأنه سمك فيليه.. بالهنا والشفا! نقلا عن صحيفة الزطن الكويتية