هذه ليست هى مصر التى نعرفها.. وهؤلاء ليسوا هم مسلمى مصر الذين أوصى رسول الله الكريم بأهلها.. ولكن ماذا نقول ونحن نرى مسلمى مصر يهاجمون أشقاءهم ليس فقط فى بيوتهم وفى رزقهم.. ولكن فى أماكن عبادتهم وليس فقط فى أى كنيسة.. ولكن فى الكاتدرائية التى هى رمز مسيحيى مصر وبيتهم الأكبر. والكاتدرائية بالنسبة للمسيحيين هى الأزهر بالنسبة للمسلمين.. فهل يقبل مصرى مسلم واحد أن يعتدى أحد على أزهرهم هذا.. الأزهر الذى دفع مواطنًا سوريًا من حلب أن يتسلق أسوار قصر محمد بك الألفى على حافة بركة الأزبكية ليقتل كبير الفرنسيين الغزاة فى مقر قيادته ويغرس سليمان الحلبى هذا الشاب المسلم نصل خنجره فى صدر الجنرال كليبر لأنه أمر جنوده باقتحام الأزهر.. فدخلوه بأحذيتهم ليطاردوا الثوار.. وكان اقتحام جنود الفرنسيين الأزهر بأحذيتهم هو الذى زاد ثورة أهل مصر ضد الفرنسيين.. فكانت ثورة القاهرة الثانية. وكما اندفع أهل مصر يدافعون عن أزهرهم.. اندفع مسيحيو مصر ليدافعوا عن كاتدرائيتهم.. عن البطرخانة التى هى رمز كل مسيحيى مصر.. ولا فرق.. هؤلاء دافعوا عن أزهرهم.. رمزهم كمسلمين.. وهؤلاء دافعوا عن كاتدرائيتهم.. رمزهم كمسيحيين.. ولكن ترى من المجرم المسئول عن هذه المهزلة؟! إنها هى الدولة. وأنا أقولها بكل صراحة: وهل أصبحت فى مصر دولة.. أقولها لمن يتحدث اليوم عن هيبة الدولة.. نعم ليست فى مصر دولة الآن.. بل إن تقصير الدولة هو الذى سمح لكل خسيس أن يفعل ما يفعل.. دون أن يدرى أنه لا يحاول ضرب المسيحيين.. إنه يضرب مصر نفسها فى مقتل. وهيبة الدولة سقطت عندما سمحنا باسقاط هيبة الشرطة.. فالشرطة هى السلطة.. إذا سقطت.. سقطت الدولة نفسها. ولقد سقطت هيبة الدولة عندما عجزت عن التفرقة بين الثوار.. وبين البلطجية.. ولا تظنوا أن من يتواجد الآن فى ميدان التحرير ثوار.. ولا تظنوا أن من يحتل الأرصفة والشوارع ويحولها إلى بوتيكات وأسواق ثوار.. ولا تظنوا أن من يقطع الطرق - داخل المدن وخارجها - ثوار.. ولا من يردع الناس أيضًا. بل إننى أرى أن من يتظاهر الآن أو يعتصم من أجل مطالب فئوية ثوار بل هم يستغلون غياب الدولة الحقيقى ليحصلوا على ما يرونه حقا لهم.. نعم ضاعت الدولة بعد أن عجزت عن التفرقة بين الثوار الحقيقيين وبين من يتواجد الآن هنا أو هناك.. أقول ذلك وأنا مؤمن بحق المواطن - أى مواطن - فى التظاهر، وفى التعبير عن رأيه.. أما ما آراه الآن فليس ثورة.. وليسوا ثوارًا. وهذا الكلام يدفعنى إلى السؤال: ومن هم الذين هاجموا البطرخانة أى الكاتدرائية.. وليس فقط من افتعل أزمة مدينة الخصوص ومن الذى رسم رمز النازية البغيضة - وهو الصليب المعقوف - على جدار المعهد الدينى هناك. وكم كنت أتمنى أن أبعد الشك - أى شك - عن أى جهة افتعلت هذه الجريمة.. لأن من افتعلها ليس مصريًا إذ طول عمر مصر منذ دخلت المسيحية هذه الأرض كان المسلم يسكن فى بيت ملاصق لبيت يسكنه المسيحى.. وأنا نفسى أسكن فى عمارة يسكن معى فيها أشقاء مسيحيون أراهم الأقرب لى حتى من غيرهم. إذ لم أر منهم أى عداء ولا حتى شبهة عداء.. أقول ذلك وأنا المسلم الذى أدى فريضة الحج ثلاث مرات بل ودخلت الكعبة من داخلها مرتين وأديت الصلاة داخل هذه الكعبة نفسها وليس فقط حولها.. أى لا يملك أحد يشكك فى إسلامى. وأتساءل: هل يقف وراء هذه الجريمة من يريد تمرير أمر ما أو يتعمد ارتكابها لكى يبعد أنظارنا عن جريمة أخرى يريد ارتكابها؟! وهل تصل الدناءة السياسية إلى هذا الحد.. فيعتدى - من يعتدى - على الكاتدرائية التى ظلت فى حماية المسلمين على مدى 15 قرنا من الزمان؟! أى عار.. وأى جريمة أبشع من هذه هل من أجل كراسى الحكم.. لتذهب إذن هذه الكراسى.. بل الحكم نفسه وكله إلى الجحيم ولكن لتبق مصر، كما كانت وحدة واحدة.. فما هذا هو الإسلام.. وما هؤلاء هم المسلمين المصريين. لقد وقفنا نتابع أحداث هذه الجرائم ولم نحرك ساكنا.. وما ندرى أننا نفتح الباب أمام ضياع الوطن كله بمسلميه ومسيحييه.. وهى جريمة لم تعرفها مصر فى أى عصر تعرض فيه مسيحيو مصر لسوء المعاملة.. حتى فى فترات الحكم الفاطمى الشيعى الذى حاول الإساءة لمسيحيى مصر.. ولكنهم عادوا سريعا إلى الحق المصرى الأصيل وهو أن هذا الوطن لنا فيه شركاء أصليون هم المصريون المسيحيون الذين يشاركوننا الحياة هنا على السراء والضراء. إن ضياع هيبة الدولة سوف يصيب مسلمى مصر قبل مسيحييها.. فهذا المجرم الذى يهاجم مواطنا فى الطريق ويسلبه ماله أو عرضه أو نفسه لا يعرف إن كانت هذه الضحية شخصًا مسلمًا أو مسيحيًا.. فكلنا فى الضرر سواء. نعم.. ضياع الدولة يصيب المسلمين.. قبل المسيحيين وسوف نندم جميعًا على هذا الصمت الذى يواجه به البعض هذه الجرائم. إن الصين الشيوعية البوذية فيها من المسلمين نصف عدد المسلمين فى آسيا.. والهند كذلك فيها مئات الملايين من المسلمين.. ورغم ذلك فهم يعيشون فى أمان بينهم ثم نجئ نحن المسلمين - ونحن أغلبية سكان مصر - لنعيش عصرًا يعتدى فيه مجرم خسيس على ما هو مقدس عند كل مسيحيى مصر. ألا.. لا نامت أعين الجبناء.. وسيدفع الوطن ثمن كل ذلك.