آلام الرقبة هى شكوى عامة يعاني منها أكثر من نصف العالم وقد ساهمت الحياة العصرية ومنجزاتها العلمية في تفاقم مشاكل آلام الرقبة بشكل كبير وخصوصاً لدى الأشخاص الذين يمارسون أعمالاً مكتبية ولدى طلبة المدارس والجامعات. ويقول الدكتور ناصر عبد الحفيظ، استشاري جراحة العظام بجامعة عين شمس، آلام الرقبة في الغالب مرض حميد وعابر ويمكن السيطرة عليه لأن معظم أسبابه ليست خطيرة وبالنظر الى اسباب وجود آلام في الرقبة نجد أنها تتمثل في اجهاد العضلات نتيجة الافراط في شد أجزاء أو مناطق من عضلات الرقبة بلا مبرر أو داعي اللهم إلا الأوضاع غير السليمة التي نبقيها فيها لمدة طويلة أثناء الانشغال باستخدام الحاسب الآلي أو مشاهدة التليفزيون أو قيادة السيارة أو حتى الضغط على الأسنان أو استخدام الوسائد غير الصحية أثناء النوم، يضاف الى ذلك استخدام الهاتف لفترات طويلة مع ثني الرقبة ناحية الكتف مما يضيف اجهاداً غير عادي على الرقبة، والتهابات وخشونة المفاصل والرقبة في هذا الشأن لا تختلف عن بقية الجسم، اذ بها ما يكفي من المفاصل كي تكون عرضة للالتهابات فيها وبالتالي بدء الشعور بالألم منها وتحدث الخشونة كنتيجة طبيعية مع التقدم في السن ما بعد الخمسين وحمل الأشياء الثقيلة ومع بعض الرياضات مثل ركوب الخيل، وكذلك حالة وجود انزلاق غضروفي في الفقرات العنقية، والاصابة المباشرة كالتي تحدث أثناء حوادث السير أو السقوط او الارتطام أو الوقوع أو غيرها أو حوادث المرور وخصوصاً عندما يتعرض سائق المركبة الى ارتطام مركبة أخرى به من الخلف مما يؤدي الى شد عضلي. وهناك أسباب تقلل المساحة المتوفرة لخروج الاعصاب المتفرعة من الحبل الشوكي مثل تيبس الغضاريف وظهور نتوءات عظمية مع التقدم في العمر وتضيق المسافات في العمود الفقري حيث مكان خروج الأعصاب مما يسبب ضغطا على هذه الأعصاب، وفي حالات نادرة قد تكون آلام الرقبة ناتجة عن التهابات جرثومية في الفقرات العنقية أو في الغضاريف العنقية مثل الاصابة ببكتيريا السل، وهناك فئة قليلة من المرضى تكون لديهم أورام سرطانية أو غير سرطانية تؤثر في الفقرات العنقية وتؤدي الى آلام مبرحة في هذه المنطقة، وفي بعض الأحيان يكون السبب هو الالتهاب السحائي في المخ والحبل الشكوي حيث يعتبر تصلب وآلام الرقبة من أكثر الاعراض شيوعاً لهذه الالتهاب، ويشعر المريض بآلام في الرقبة وتيبس وتصلب بعضلاتها وقد تزيد هذه الأعراض مع العمل الطويل في وضع الجلوس أو الوقوف، وقد يسمع المريض صوت احتكاك أو طرقعة مع حركة الرقبة وقد يشعر أيضاً بالصداع والدوار ومع الضغط على جذور الأعصاب بالفقرات العنقية قد يشعر المريض بالتنميل أو الألم أو الضعف في عضلات الذراعين واليدين والأصابع. ويضيف الدكتور ناصر عبد الحفيظ غالباً ما نعاني من آلام الرقبة في الصباح بعد نوم هادئ نتيجة العادات الخاطئة كالنوم على البطن أو النوم على وسادة لا تحافظ على الانحناء الطبيعي للرقبة في وضع جيد أو النوم على مجموعة من الوسائد العالية، وتؤدي كل هذه الأخطاء الى جعل الرقبة في وضع غير متزن فتضطر عضلات الرقبة للعمل أثناء الليل لتثبيت ومنع عدم اتزان فقراتها وأيضاً أثناء الليل يزيد المحتوى المائي للغضاريف نتيجة امتصاصها للسوائل من حولها مع ضعف الجاذبية الأرضية في وضع النوم مما يؤدي الى الاحساس ببعض التيبس في الصباح ولذا يجب توخي الحذر وعدم أداء ما يجهد العمود الفقري بمجرد القيام من النوم، أما المرضى الذين تكون آلامهم ناتجة عن التهابات جرثومية أو عن أورام فإنهم يعانون من آلام حتى في أوقات الراحة أو في الليل وحتى مع انعدام الحركة في العنق، وهى خاصية مميزة لهذه الفئة من المرضى وتستدعي الاهتمام والتدقيق من قبل الطبيب، واذا ما صاحب هذه الآلام شعور بالرجفة أو ارتفاع في درجة الحرارة للجسم ككل أو فقدان للشهية أو نقص في الوزن فإنها كلها مؤشرات على خطورة الوضع والسؤال الملح كثيراً هو: متى تحب مراجعة الطبيب لفحص الشكوى من ألم الرقبة؟ ونقول إن الألم العادي نتيجة اجهاد العضلات والذي يخف بالراحة وباتباع الطرق السليمة في الجلوس أو النوم أو غيره لا يحتاج الى مراجعة الطبيب إلا لو استمر أكثر من أسبوع. أما بالنسبة للتشخيص فإنه عادة ما يبدأ بالفحص السريري بواسطة الطبيب ثم يأتي دور الفحوصات وهى مهمة والأشعة العادية التي تعطي الطبيب فكرة عامة لكن لا غنى عن الأشعة المقطعية أو التصوير بالرنين المغناطيسي لتبين حال الفقرات والأقراص البينية لها والأعصاب وقد لجأ الطبيب الى طلب بعض الفحوصات المخبرية كتحاليل الدم. أما عن علاج آلام الرقبة فيرى الدكتور ناصر عبد الحفيظ أنه في حالات الآلام الحميدة الناجمة عن الاجهاد والتهاب العضلات فإن الخطة العلاجية تبدأ بطرق علاجية تحفظية وهى أخذ قسط كاف من الراحة وخصوصاً عند الناس الذين تتطلب أعمالهم استخدام الحاسب الآلي أو الكتابة لفترات طويلة مع عمل تمرينات بسيطة لعضلات الرقبة، والمحافظة على الوضعية السليمة عند الجلوس للمذاكرة أو عند استخدام الحاسب الآلي بحيث تكون المذاكرة على طاولة وباستخدام كرسي صحي، وعمل جلسات علاج طبيعي للتأهيل والتثقيف عن الوضعيات الصحيحة للمحافظة على سلامة الرقبة وكذلك عمل تمرينات اطالة لعضلات الرقبة وتمرينات تقوية هذه العضلات مما يؤدي إلى اعادة تأهيلها وتقويتها وجعلها قادرة على تحمل الضغوط اليومية، واستخدام الأدوية المضادة للالتهابات والأدوية المسكنة والأدوية المرخية للعضلات لفترات قصيرة وبإشراف الطبيب، وباستخدام الوسادة الطبية عند النوم والجلوس لكي تحافظ على القوام الصحيح للفقرات العنقية وللظهر بصفة عامة، وفي بعض الأحوال قد يضطر المريض الى استخدام رقبة طبية لبعض الوقت لتعوق حركتها وتدعمها وتقلل من الضغوط على جذور الاعصاب واثارتها ولكن يجب الأخذ في الاعتبار أن الاستخدام الطويل للرقبة الطبية يمكن أن يضعف عضلاتها، ويجب التنبيه الى أن العادات الجديدة والأجهزة المساعدة والتمارين التي يتعلمها المريض خلال فترة علاجة يجب أن تكون مستمرة وتكون جزءا من حياته وبرنامجه اليومي لكي يضمن عدم عودة هذه الآلام، أما إذا كانت هناك مشاكل مثل طبق القناة الشوكية او الانزلاق الغضروفي أو وجود التهابات جرثومية أو أورام فقد يكون التدخل الجراحي ضرورياً، ولكن تظل الوقاية هى الأساس في معالجة أكثر مشاكل الرقبة وآلامها وذلك من خلال تجنب الاستمرار في وضع الجلوس لفترة طويلة خصوصاً الجلوس الذي تكون مضطراً لتثبيت وضع الرقبة في اتجاه واحد مثل القراءة أو الكتابة أو مشاهدة التليفزيون، حافظ على وضع رأسك مستقيماً أثناء الجلوس ويجب أن يكون طول المكتب أو المنضدة التي تعمل عليها مناسباً بحيث تمنع انحناء رقبتك عليها وأن يكون المكتب قريباً منك، والوضع الأمثل للعمل على الكمبيوتر يكون بوضع الشاشة بحيث يكون مركزها في مستوى أنف الشخص الجالس أمامها وتوضع لوحة المفاتيح بحيث تكون الاكتاف في وضع معتدل وغير مرفوعين لأعلى ويكون الكوع مثنياً بدرجة 90 ويكون المعصم في وضع 30 درجة، وتجنب وضع سماعة الهاتف او المحمول بين الكتف والرأس لأن ذلك يؤدي الى تحميل زائد على فقرات وأنسجة الرقبة، وتجنب تعرض الرقبة لتيارات الهواء وتجنب التغيرات المفاجئة للجو كالانتقال من جو ساخن الى التكييف البارد، وتجنب القراءة أو مشاهدة التليفزيون وأنت مستلقي على السرير وتجنب النوم أثناء الجلوس وأثناء ركوب السيارة.