لم يكن إعلان القوى الثورية تدويل قضية محاكمة الرئيس مرسى والقصاص لشهداء الثورة سوى نتيجة منطقية لعناد الرئاسة وإصرارها على تقديم الحلول الأمنية بديلا للحلول السياسية وحصد دماء الشهداء فالرئيس وجماعته منذ أن تولوا الحكم ساروا على جثث الشهداء للوصول الى كرسى الحكم وتاجروا بالقضية من أجل أن يحصدوا أصوات الناخبين ولكن ما أن وصلوا الى الحكم حتى قتلوا الشهداء واصابوا الثوار الذين اعترضوا على طريقة إدارتهم للبلاد وانفرادهم بالحكم وهو ما لم يعجب الجماعة فأطلقت يد ميليشياتها وداخليتها على الثوار وحصدوا أرواحهم ظنا منهم أنهم يقومون بحماية كرسى الحكم من المعارضة. ومنذ تولى الرئيس مرسى الحكم وصل عدد الشهداء الى 75 شهيدا حسب تأكيدات بعض المنظمات الحقوقية بينما وصل عدد المصابين الى 1180 مصابا معظمهم فى حالة خطيرة بينهم إصابات بطلق نارى وخرطوش وحالات اختناق نتيجة إطلاق القنابل المسيلة للدموع أثناء المظاهرات. مرسى اختصر فى سبعة أشهر ما فعله مبارك فى 30 عاماً فبداية كل منهما كانت متشابهة الى حد كبير ويبدو أن النهاية ستكون واحدة أيضا فكلاهما غازل الشعب فى خطاب التنصيب بنفس العبارات تقريبا مبارك استخدم «الكفن مالوش جيوب» للتعبير عن رفضه الاستمرار فى السلطة ومرسى قال «أطيعونى ما أطعت الله فيكم» وكلاهما انتهى به الحال الى أن أصبح بينه وبين الشعب المصرى دماء الشهداء. النشطاء السياسيون لجأوا الى الطرق الطبيعية لمحاكمة الرئيس مرسى وقدموا بلاغات الى النائب العام المستشار طلعت عبدالله خاصة أنه الوحيد القادر على تحريك الاتهام بحق الرئيس ولكنه جمد كل البلاغات فى أدراج مكاتبه ورفض التحقيق فى البلاغات التى قدمت ضد الرئيس ومرشد الجماعة الدكتور محمد بديع ووزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم وعدد من المتورطين فى قتل النشطاء السياسيين فى فعاليات التظاهر الأخيرة ضد الرئيس. ونتيجة لعجز القوى الثورية عن القصاص القانونى للشهداء قاموا بالتفكير فى تصعيد القضية الى المحكمة الجنائية الدولية وقاموا بتدشين حملة لجمع مليون توقيع من المواطنين لإرسال مذكرة إدانة الى المحكمة الجنائية الدولية للمطالبة بمحاكمة الرئيس محمد مرسى ومرشد الجماعة وعدد من قيادات الإخوان ووزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم والمستشار طلعت عبد الله النائب العام وذلك لمحاكمتهم على جرائم قتل الثوار. وهناك طريق طويل ينتظر القوى الثورية لإقناع المحكمة بنظر القضية خاصة ان مصر لم تصدق على قانون انشاء المحكمة الجنائية رغم انها عضو فيه وهو ما يجعل الطريق شاقا وطويلا ولكنه ليس مستحيلا ومن الممكن محاكمة الرئيس خاصة أن النيابة المصرية لم تحقق فى تلك الجرائم وهو ما قد يقنع المحكمة بقبول القضية. ولكن ما يخشاه البعض ان المحكمة الجنائية تخضع لضغوط دولية من قبل الدول الأعضاء فيه ومن الممكن أن تتدخل لإصدار حكم لصالح أو فى غير صالح الرئيس مثلما حدث فى قضية البشير فالرئيس مرسى من الممكن أن يواجه نفس مصير البشير ويصبح مطاردا دوليا لو نجح النشطاء فى تقديم ملف كامل عن طريق عدد من القانونيين. الدكتور نبيل حلمى أستاذ القانون الدولى وعميد كلية الحقوق جامعة الزقازيق السابق قال: إن المحكمة الجنائية الدولية تقوم بنظر 4 جرائم فقط هى الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية والحرب والعدوان وهناك عدة طرق لإرسال القضية الى المحكمة الجنائية الدولية أولاها أن يكون هناك طلب موقع من أحد الدول المصدقة على الاتفاقية الخاصة بالمحكمة أو أن ترسل القضية من مجلس الأمن ويستطيع المدعى العام فى المحكمة ان يناقش ملف القضية وأن يدرس مدى جديتها ويقدمها للمحكمة ومن ثم فإن التدويل يكون فاعلا بشرط فهم أبعاد القضية. وأشار الى أنه من الوارد صدور حكم بحق الرئيس مرسى ويصبح مطاردا دوليا ولكن الإجراءات صعبة وتتطلب ان يكون الملف المقدم موثقا به جرائم قتل الثوار ولابد أن تكون هناك وقائع محددة حتى يمكن اثبات تورط مرسى ووزير الداخلية. وأكد الدكتور نبيل حلمي أن التكييف القانونى يخضع لضوابط ومعايير الجنائية ومصر موقعة على اتفاقية إنشاء المحكمة ولكنها غير مصدقة عليها ولكن من حق المدعى العام أن يحيل القضية الى المحاكمة لو أن هناك ملفا قانونيا يثبت جرائم قتل الثوار والتعذيب التى تقع فى نطاق الجرائم غير الإنسانية ولابد من إعداد ملف كامل بما حدث وإثبات أن قتل الثوار كان مقصودا، والمدعى العام للمحكمة سيفحص كل كلمة بالملف ويقرر ما يشاء. وقال الدكتور نبيل حلمي أنه لو صدر قرار من المحكمة أو مذكرة ضد أي شخص فإنه يتم القبض عليه ولو توجه الى اى دولة من الدول الأعضاء فى المحكمة وهناك التزام فى تلك الدول بتنفيذ أحكام المحكمة الجنائية ولكن لابد أن تمنح المحكمة للرئيس حق الدفاع عن نفسه حتى يكون الحكم نهائيا. وأكد عصام الإسلامبولى الفقيه الدستورى أن من حق المحكمة الجنائية الدولية نظر قضية قتل الثوار وإصدار حكم ضد الرئيس مرسى خاصة لو ثبت اللجوء الي القضاء المصري ولم ينصف المدعين ورغم أن مصر من الدول غير المصدقة على اتفاقية إنشاء المحكمة إلا أنه من الممكن اللجوء الى مجلس الأمن وهو الذى يتقدم بالطلب الى الأمين العام لمجلس الأمن وبدوره يتقدم الى المحكمة بطلب نظر القضية. وأكد الإسلامبولى أنه من الوارد أن يصدر حكم بحق الرئيس مثلما حدث مع الرئيس السودانى البشير والرئيس الرومانى السابق والرئيس الصربى السابق ميلوتينوفيتش ويبقى ساعتها الرئيس مطاردا دوليا ومن الممكن ان يتم القبض عليه فى الخارج مثلما الحال للرئيس السودانى الذى يتحرك فى حماية رؤساء الدول العربية لكنه لا يستطيع أن يسافر الى أى دولة أوروبية أو أمريكية. وقال إن المدعى العام فى المحكمة يناقش الملف ويدرسه بشكل كبير وبعدها يحقق فى الوقائع وإذا وجدها تستوجب المحاكمة يطلب من الأمين العام القبض على الرئيس ولكن المحكمة تخضع للضغوط الدولية مثلها مثل أى مؤسسة دولية أخرى. واكتفى الدكتور فؤاد رياض قاضي المحكمة الجنائية السابق بالتعليق قائلا: المحكمة الجنائية ليس لها اختصاص وتحتاج الى إجراءات معقدة وشخصيات قانونية تشارك فى إعداد الملف. وقال الدكتور حسن عمر أستاذ القانون الدولى أن نتيجة تقديم مثل هذا البلاغ الى المحكمة الجنائية الدولية أن تسير مصر على الطريق الذى سارت عليه السودان وإحالة مرسى الى الجنائية من الممكن ان يفرض حصارا دوليا على مصر، وأضاف أن أى نزاع لابد أن يحل فى الداخل وليس محتاجا الى طرف أجنبى لأن القضية خطيرة وأكد الدكتور على الغتيت خبير التحكيم الدولى أن إحالة مرسى الى الجنائية ليس من القضايا التى تطرح قانونيا ولكنه جائز من الناحية السياسية فمصر غير مصدقة على اتفاقية المحكمة ويجب التأكد من جدية المحكمة وإمكانية نظر تلك القضية خاصة أنه من الصعوبة التأكد من صحة توقيعات المليون شخص.