كما سبق وتصاعدت أصوات تطالب بمحاكمة الرئيس السابق حسنى مبارك أمام المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى، لارتكابه جرائم ضد الانسانية فى حق المتظاهرين، وضمانا للحياد فى المحاكمة بعيداً عن التسيس، تتصاعد الآن أصوات مصرية تطالب بمحاكمة الرئيس محمد مرسى، لما تم ارتكابه مؤخرا فى عهده من جرائم ضد المتظاهرين والمدنيين من قتل وعنف وتعذيب، ورغم أن اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية لا يتم فى عرف القانون، إلا إذا عجزت المحاكم الوطنية عن أداء دورها، أو سادت شكوك حول هذه المحاكم الوطنية، أو كانت المحاكمة أمام المحاكم الوطنية سببا فى اثارة التوتر والقلاقل السياسية.. تبقى القضية محورية وتفرض نفسها على المشهد السياسي المصري. ويسود اعتقاد عام أن هناك حصانة أو امتيازات خاصة، تحمى رؤساء الدول من المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية لجرائم الحرب فى لاهاى، وأن كل من يمثل أمامها، إما اشخاص عاديون، أو رؤساء دول ولكن بعد أن غادروا مناصبهم الرئاسية، وزالت عنهم السلطة، إلا أن الواقع الوارد فى وثيقة تأسيس المحكمة غير ذلك تماما، فلا حصانة ولا امتيازات للرؤساء أمام أحكام المحكمة الجنائية الدولية، الكل امامها سواسية، لأن المحكمة الجنائية أصلا قد أنشئت من أجل محاكمة أولئك الذين يتمتعون بحصانات تمنع القضاء الوطني من محاكمتهم، وجاء في ديباجة نظام روما الأساسي (وقد عقدت العزم على وضع حد لإفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب) وألا يفلت من العقاب أصحاب تلك الحصانات وخصوصا رؤساء الدول. وتنص المادة 27 من وثيقة المحكمة على «أن المحاكمات والنظام الأساسي للمحكمة يطبق على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية، وبوجه خاص فإن الصفة الرسمية للشخص، سواء كان رئيساً لدولة أو حكومة أو عضواً في حكومة أو برلمان أو ممثلاً منتخباً أو موظفاً حكومياً، لا تعفيه صفته بأي حال من الأحوال من المسئولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي، كما أنها لا تشكل في حد ذاتها، سبباً لتخفيف العقوبة»، ووفقا لوثيقة المحكمة، يحاكم ويسأل الرئيس جنائياً عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة من جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية، تصفيات عرقية، وغيرها من الجرائم التى تنتهك حقوق الانسان ، والتى يتم ارتكابها من جانب مرؤوسين يخضعون لسلطة وسيطرة الرئيس الفعليتين نتيجة لعدم ممارسة سيطرته على هؤلاء المرؤوسين ممارسة سليمة، كما يحاكم الرئيس إذا كان قد علم أو تجاهل عن وعي أي معلومات تبين بوضوح أن مرؤوسيه يرتكبون أو على وشك أن يرتكبوا هذه الجرائم، وأيضا إذا تعلقت الجرائم بأنشطة تندرج في إطار المسئولية والسيطرة الفعليتين للرئيس، وإذا لم يتخذ الرئيس جميع التدابير اللازمة والمعقولة في حدود سلطته لمنع أو قمع ارتكاب هذه الجرائم أو لعرض المسألة على السلطات المختصة للتحقيق والمقاضاة. وكان الرئيس السودانى عمر البشير، أول رئيس دولة فى العالم، وبالتالى اول رئيس عربى أفريقي يصدر بحقه قرار اعتقال وهو لا يزال فى السلطة، وصدر القرار فى مطلع عام 2009، وأعلن لويس أوكامبو المدعى العام للجنائية فى حينه، أن المحكمة اصدرت قرارا باعتقال البشير بتهم الإبادة وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور. ورفضت السودان وكل الدول العربية هذا القرار، واعتبرته نوعا من تسييس قرارات المحكمة، وحتى الآن، تطالب المحكمة بين وقت وآخر الدول العربية والافريقية، وكل دول يزورها البشير بتوقيفه وتسليمه للمحكمة، غير أن اعتقال البشير سيفجر غضبا سودانيا وأفريقيا وعربيا، كما أن العديد من الدول لم تصدق على الوثيقة النهائية لتأسيس المحكمة الجنائية، وهو ما يجعل هذه الدول غير ملزمة بالتعامل مع المحكمة أو التعاون لتسليم البشير. جباجبو.. أول رئيس وتلى اصدار القرار باعتقال البشير، قرار الجنائية باعتقال رئيس ساحل العاج السابق لوارا جباجبو، ويعتبر جباجبو الرئيس اول رئيس دولة يمثل امام المحكمة الجنائية الدولية للاشتباه بتدبيره «خطة» تشمل خصوصا عمليات قتل واغتصاب من أجل البقاء في السلطة بعد انتخاب خصمه حسن اوتارا، ولكن تم اعتقاله ايضا بعد أن ترك منصبه ولم يعد رئيسا، ويتهم جباجبو (67 عاما) بأنه «شارك بشكل غير مباشر» في جرائم ضد الإنسانية ارتكبت في أعمال عنف وقعت في المرحلة التي تلت الانتخابات (2010-2011) رفض الاعتراف بفوز خصمه أوتارا في الاقتراع وفق نتائج أعلنتها اللجنة الانتخابية وصادقت عليها الأممالمتحدة. ورفض مغادرة منصبه بعد عشر سنوات في السلطة ما أدى الى إغراق البلاد في أزمة طويلة استمرت أربعة أشهر وقتل خلالها حوالي ثلاثة آلاف شخص، واغتصبت 35 امرأة. وتؤكد وثائق القضية أن «مرتكبي هذه الجرائم كانوا مزودين برشاشات وسواطير»، موضحا أن «الضحايا أعدموا أو أحرقوا أحياء أمام أعين رجال الشرطة الذين لم يتدخلوا». واعتقل جباجبو في نهاية المطاف في 11 أبريل عام 2011 ، مع زوجته سيمون التي صدرت مذكرة توقيف بحقها أيضا من المحكمة الجنائية الدولية، بعدما أصرا على البقاء في ملجأ محصن تحت الأرض في مقر إقامتهما في أبيدجان الذي تعرض لقصف فرنسي في ابريل 2011، ولا تزال تجرى عملية محاكمته حتى الآن. القذافى وفى مايو 2011 وبناء على مذكرة مقدمة من مجلس الأمن، حول الجرائم التى ارتكبها الرئيس الليبيى السابق معمر القذافى ضد الثوار، هو وعناصر نظامه، أصدر مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية أمرا باعتقال القذافي، ونجله سيف الإسلام بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، من خلال هجمات واسعة النطاق ضد السكان المدنيين، شملت عمليات قتل واعتقال وجرائم ضد الإنسانية، غير ان القدر لم يمهل المحكمة لتسلم القذافى ومحاكمته حيث قتل بعد ذلك على ايدى الثوار، وتطالب المحكمة حتى الآن بتسليمها سيف القذافى المعتقل فى ليبيا الآن، ويرفض النظام الليبى الجديد تسليم سيف ، ويؤكد انه سيتم محاكمته محاكمة وطنية عادلة. بشار الأسد وعلى غرار القرار الذى صدر ضد القذافى، يبدو الرئيس السورى بشار الأسد على الطريق الى المحكمة فى لاهاى، هذا ان لم تسبقها يد الثوار للفتك به على غرار ما حدث للقذافى، حيث تطالب «نافي بيلاري» الآن مفوضة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان، بوجوب التحقيق مع الرئيس السوري بشار الأسد فيما يتعلق بارتكاب جرائم حرب، بسبب ما تقترفه قواته في الحرب بسوريا، حيث تقول الأممالمتحدة إنها حصدت أرواح 70 ألف شخص على الأقل، وقالت بيلاي إنه «يتم ارتكاب جرائم حرب من جانب قوات الرئيس الأسد، وقواته الأمنية ومجموعات أخرى مرتبطة به، وأن الأسد مسئول (عن هذه الجرائم)، وعلى مجلس الأمن اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية».