«المياه الهادئة لا تصنع بحَّاراً جيداً» حكمة تعمل بها القوى الوطنية والثورية التى تعتقد أن بقاءها فى موقف المعارض دائماً، قد يعزز فرص وصولها إلى صندوق الانتخاب.. ولكن فى كثير من الأحيان يرفض الواقع تلك الحكمة ولا يستطيع البحار بكل مهاراته وخبراته التغلب على أمواج البحر العاتية، ويكون مصيره الفشل فى بلوغ الشاطئ الذى لا يبعد عنه كثيراً. إن المظاهرات السلمية الهادفة مطلوبة، وقد تخدم من يقومون بتنظيمها أو يدعون إليها، ولكن أن ينشغل الثوار بها وحدها ويتركون الساحة التى تقودهم إلى صندوق الانتخابات خالية لجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة، فهذا هو الخطأ الذى يجب تداركه فوراً وقبل فوات الأوان. الإخوان وحزبهم يلعبون الآن بكل الأساسى والاحتياطى فى قرى ونجوع وكفور مصر، وهدفهم ليس الشاب «المسيس»، وإنما المواطن الفقير المعدم الذى يبحث عن قوت يومه فى صناديق الزبالة، وعلى النقيض تماماً تكتفى قوى المعارضة الوطنية بمختلف تياراتها وجبهاتها بالمظاهرات والاحتجاجات.. وكأن السياسة وحدها التى ستقودهم إلى الصندوق الانتخابى. ولا يعنى ذلك رفض المظاهرات والوقفات الاحتجاجية، ولكننى أحذر من غفوة قد تدفع ثمنها غالياً كل الأحزاب والتيارات السياسية عندما تستفيق لتكتشف أنها كانت تحرث فى بحر، وأنها فقدت الكثير من مقاعدها المنتظرة فى مجلس النواب، الذى هو الشغل الشاغل حالياً للجماعة وحزبها. إن الهتافات واللافتات المرفوعة فى محيط قصرالاتحادية وميادين الحرية فى مختلف محافظات مصر، لن تصمد كثيراً أمام زجاجات الزيت وأكياس الأرز ولفافات اللحم، وسوف تنسى عند أول حملة لعمليات غسيل المخ التى ينفذها حزب النظام بالبسطاء والكادحين والمطحونين الذين لا يجدون ثمن أكواب الحليب لأطفالهم فهؤلاء هم هدف الإخوان، وهؤلاء هم الذين سيأتون بالإخوان مجدداً إلى الحكم عبر مجلس النواب، فهل استعدت جبهة الإنقاذ والقوى الثورية والوطنية لهذا اليوم؟! المواطن المصرى.. سئم السياسة.. وبات يلعن اليوم الذى اندلعت فيه ثورة فشلت فى أن توفر له عيشاً كريماً وحياة آمنة، رغم مرور أكثر من عامين على مشاركته فيها، وخروجه من قمقمه لإسقاط نظام ظن كثيرون أنه سيورث حتى تقوم الساعة؟! المواطن.. إن كان يريداليوم قبل غد إسقاط الرئيس «مرسى» وإقالة الحكومة، فهو أيضاً يريد استقراراً وأماناً اجتماعياً واقتصادياً لا يجده متوفراً الآن بسبب ما يدور فوق تراب وطنه من صراع سياسى، فإن كانت هناك شروخ عميقة فى جدار قصر الحكم تهدده بالتصدع والانهيار، لا يخلو ثوب جبهة الإنقاذ والقوى الوطنية من ثقوب تكشف ما فى الجسد من عورات. وعندما تتجاوز ديون مصر الداخلية والخارجية رقم 1٫5 تريليون جنيه وهو أعلى مستوى وصلت إليه فى تاريخ البلاد.. وعندما ينخفض معدل النمو إلى أقل من 1٪ ولم تعد هناك فرصة عمل جيدة لشبابنا إلا بعد أن يرتفع معدل النمو إلى 20٪ كما يؤكد أسامة صالح، وزير الاستثمار، وعندما تصبح فرصة مصر فى الحصول على قرض صندوق النقد الدولى «4٫8 مليار دولار» مشكوك فيها وغير آمنة بسبب خفض التصنيف الائتمانى لمصر، وعندما يقضى المواطن نصف نهاره فى طوابير السولار والبوتاجاز والخبز والعلاج، فإن ذلك يعنى فشلاً ذريعاً للنظام وحكومته، وهو ما تحاول جماعة الإخوان وحزبها التخفيف من وطأته بنزولها صباحاً ومساء للفلاحين فى الحقول والطلاب فى المدارس، وإلى الشباب فى الأندية، والعمال فى المزارع، والفنيين فى الورش والمصانع، وإلى النساء فى صالات «الجيم» وقاعات الأفراح بهدف إزالة الصورة النمطية السيئة عن الرئيس والجماعة والحزب.. فهذا هو الذكاء السياسى الذى لم تنتبه إليه بعد جبهة الإنقاذ أو لم تقابله على الأقل بخطة موسعة لزرع أعضائها فى تلك المواقع والأماكن بمختلف محافظات مصر. أقول لجميع القوى الوطنية والثورية: إن لم تنتبهوا لما حدث سابقاً فى الاستفتاء والانتخابات... على الأقل خذوا حذركم ولا تستهينوا بما يفعله الإخوان الآن فى القرى المعدمة والمناطق العشوائية ذات الكثافة السكانية العالية التى تعانى الفقر والجهل. انزلوا إلى الشارع بالخدمات، وليس بالخطب الرنانة فقط، أسسوا قواعد جديدة ومتينة لكم، فأنتم أمام خصم ليس سهلاً، يجيد بل يتقن وبمهارة فائقة حشد الملايين إلى الصناديق، وفق عمليات غسيل مخ مدروسة وممنهجة. لقد كره الشعب السياسة ولم يعد بداخله ذلك الحماس الذى قاده إلى ثورة 25 يناير، وأسقط به نظاماً ظن رجاله ورموزه أنهم مخلدون فى الحكم إلى الأبد.