شهر رمضان فرصة يجب أن تغتنمها للتقرب من الله بكل الوسائل والعبادات الممكنة ومنها قيام الليل في رمضان. قال تعالي : شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" . كيف يكون قيام الليل في رمضان؟ اتفقّ الفقهاء على استحباب مضاعفة الأعمال الصالحة في رمضان وخاصة الأيّام العشر الاواخر، وذلك تأسّيًا برسول الله صلى الله عليْه وسلّم، بأنّه كان إذا ما حلّت العشر الأواخر من شهر رمضان، اجتهد في قيام الليْل، ويدرك المسلم فضل قيام الليْل بقضاء ساعة من الليل في الصلاة، فلا يشترط استغراق الليل كلّه،والأجر المترتب على قيام المسلم لليالي رمضان مغفرة ما تقدم وما تأخّر من ذنبه، وذلك للأثر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وصلاة التراويح يتحقق بها قيام الليل، وجاء قيام الليل في القرأن : قال تعالي { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [ قال تعالي : {كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} ال تعالي : { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } [المزمل قال تعالي : وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } [ا قيام الليل في السنة : قوله صلى الله عليه وسلم : ( أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ) وقوله صلى الله عليه وسلم : (عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ ، وَهُوَ قُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ ، وَمَنْهَاةٌ لِلإِثْمِ ) وعن عبدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((يا أيُّها الناسُ، أفْشُوا السَّلام، وأطْعِموا الطَّعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا باللَّيلِ والناسُ نِيام، تَدخلونَ الجَنَّةَ بسَلام)) روى الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أتاني جبريل فقال : يا محمد ، عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناؤه عن الناس ) . وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْقَانِتِينَ ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْمُقَنْطِرِينَ ) . قيام الليل في رمضان : روى الترمذي عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا ، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا ، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ) . وحسنه الألباني في صحيح الترمذي . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة ، ثم يقول : " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه " فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ( أي على ترك الجماعة في التراويح ) ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ، وصدرٍ من خلافة عمر رضي الله عنه . عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضي الله عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال لهُ: ((أَحَبُّ الصلاةِ إلى اللهِ صلاةُ داودَ عليهِ السلامُ، وأَحَبُّ الصيامِ إلى اللهِ صيامُ داودَ، وكان ينامُ نصفَ الليلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، وينامُ سُدُسَهُ، ويصومُ يومًا ويُفْطِرُ يومًا)) أخرجه البخاري ومسلم عن أبي سَلمةَ بنِ عبدِ الرحمنِ أنَّه سألَ عائشةَ رضي الله عنها: كيف كانتْ صلاة رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في رمضان؟ فقالت: ((ما كان يَزيدُ في رمضانَ، ولا في غيرِه على إحْدى عَشرةَ ركعةً (17) ؛ يُصلِّي أربعَ رَكَعاتٍ فلا تسألْ عن حُسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يُصلِّي أربعًا، فلا تسألْ عن حُسنهنَّ وطولهنِّ (18) ، ثم يُصلِّي ثلاثًا)) (1 رواه البخاري ومسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْقَانِتِينَ ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنْ الْمُقَنْطِرِينَ ) . رواه أبو داود (1398) وصححه الألباني في صحيح أبي داود . عن عائشةَ زوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالت: ((كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصلِّي فيما بين أن يَفرغَ من صلاةِ العِشاءِ – وهي التي يدعو الناسُ العتمةَ – إلى الفجرِ إحْدى عشرةَ ركعةً، يُسلِّمُ بين كلِّ ركعتينِ، ويُوتِرُ بواحدةٍ)) رواه مسلم . على المسلم ان يعرف أنّ قيام الليل سببٌ لغفران السيّئات، وتجاوُز الزلّات، وإقالة العثرات، وتقبُّل الطاعات، ويفعل ذلك اتِّباعاً لقول الحبيب المصطفى- صلّى الله عليه وسلّم: (مَن صامَ رَمَضانَ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن قامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمانًا واحْتِسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ). و يحرص المسلم على قيام الليل اقتداءً بالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الذي داوم على قيام الليل حتى تشقَّقت قدماه الشريفتان من طول القيام، وقد سألته عائشة -رضي الله عنها- مستغربةً من شدّة حِرصه على قيام الليل، فقالت: (لِمَ تَصْنَعُ هذا يا رَسولَ اللَّهِ، وقدْ غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ؟ قالَ: أفلا أُحِبُّ أنْ أكُونَ عَبْدًا شَكُورًا). و يواظب المسلم في شهر رمضان على التزوُّد من الطاعات، فيجتهد في أداء صلاة النافلة، ويتحيّن الأوقات المباركة ليُصلّي فيها قيام الليل لعلّه يوافق ساعة الاستجابة التي أخبر عنها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ إذ قال: (إنَّ في اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِن أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَذلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ).[ ويتجنّب المسلم أن يكون من أهل الغفلة الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذِكر الله -تعالى-، وأبعدهم عن طاعته، وقد بيَّن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك، فقال: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ علَى قَافِيَةِ رَأْسِ أحَدِكُمْ إذَا هو نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وإلَّا أصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ).[ و يُعَدّ قيام الليل من الطرق التي تُهيّئ المسلم ليكون من أصحاب الجنّة، وقد ذكر النبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- وَصف غُرف في الجنّة لمَن يقوم في الليل، فقال: (إِنَّ في الجنةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُها من باطِنِها، و باطِنُها من ظَاهِرِها . فقال أبو مالِكٍ الأَشْعَرِيُّ : لِمَنْ هيَ يا رسولَ اللهِ ؟ قال : لِمَنْ أَطَابَ الكَلامَ، و أَطْعَمَ الطَّعَامَ، و باتَ قائِمًا و الناسُ نِيامٌ).[ وينال المسلم بقيامه الليل الرحمة من الله -تعالى-، وقد دعا النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بالرحمة لكلٍّ من الزوجين إذا قام أحدهما يصلّي بالليل، ثمّ أيقظ الآخر للصلاة، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (رحمَ اللهُ رجلاٌ قامَ من الليلِ فصلَّى وأيْقظَ امرأتَه فصلتْ فإن أبَتْ نضحَ في وجهِها الماءَ, رحم اللهُ امرأةً قامتْ من الليلِ فصلَّت وأيقظتْ زوجَها فصلَّى، فإن أبَى نضحتْ في وجهِه الماءَ).[ و تُعَدّ صلاة الليل من الأمور التي تُربّي النفس الإنسانيّة على إخلاص العبادة والعمل لله -تعالى-؛ فقيام الإنسان وحيداً حيث لا يراه الناس يقطع عنه الرياء، وحبّ السُّمعة والشُّهرة. وجعل الله -تعالى- قيام الليل سبيلاً للمسلم حتى يصبح من أهل الإحسان، قال الله -تعالى- في كتابه العزيز مُبيِّناً صفات المُحسِنين: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ*وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). و يدلّ قيام الليل على حبّ الله -تعالى- لعبده؛ فالله -تعالى- إذا أحبّ عبداً من عباده سهّل عليه طاعته، وحبَّب إليه عبادته، وشرح صدره للهدى والنور، وقد ذكر الله -تعالى- هذه النعمة التي تفضّل بها على نبيّه، فقال: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)، فمن علامات توفيق العبد أن يشرح الله صدره وقلبه للطاعات، ويكون مقبلاً إليها؛ مُتشوِّقاً إلى أدائها، ومُحافظاً عليها، فيندم ويتألّم إذا فاته نصيبه من قيام الليل؛ لعلمه أنّه حُرِم لذّة الوقوف بين يدَي الله -تعالى-.و يُشير قيام الليل إلى تعلُّق العبد بالدار الآخرة وحبّه لها، وهذا ممّا يستوجب الثناء من الله -تعالى-، قال -تعالى-: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)، فالخوف من الله -تعالى-، والرغبة فيما عنده من أعلى منازل العبوديّة، وقد أرشد النبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- أمّته إلى أحبّ الأعمال إلى الله -تعالى-، وذكر منها ركعتَين يُصلّيهما المسلم في ظلمة الليل. و يُعَدّ قيام رمضان من خِصال الإيمان التي يبادر المسلم إلى امتثالها؛ احتساباً للأجر من الله -تعالى-، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، قال: (مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ