نجح الأزهر فيما فشل فيه رأس الدولة... استطاع شيخ الأزهر أن يجمع الأضداد فى يوم واحد... وعرفت المؤسسة الدينية الأولى فى مصر طريقها إلى القلوب... كل القلوب. وللحق فإن الحديث عن وثيقة الأزهر لا يجب أن يتوقف عند مجرد التوقيع على وثيقة نبذ العنف... لكن لا بد أن يمتد إلى أسباب هذا الإسراع من القوى السياسية والوطنية لتلبية دعوة الإمام الأكبر... فقبله دعا مرسى... ونائبه... والكتاتنى... والمتحدثون باسم الأحزاب والتيارات... ولم يسمع الدعوة إلا قليل. وأحسب أن السرعة فى تلبية الدعوة التى وجهها الإمام الأكبر تعكس الصدق... وتصف الحالة... فالصدق فى الدعوة... والصدق لدى الداعى... والصدق عند المدعوين... كلها ساعدت على الإسراع. أما الصدق فى الدعوة فلأن الأزهر الشريف هو المؤسسة الدينية الوحيدة والأكبر فى مصر... ولم يأخذ واحد من النشطاء ولا زعماء القوى السياسية والوطنية على رجاله طوال سنينه التى تخطت الألف عام... أن استخدموا الدين لأهداف خاصة... ولا للوصول إلى مكانة... فالدين فى الأزهر لله... أما الوطن فللجميع... فالأزهر و«سننه» محفورة فى ذاكرة المصريين... والأزهر و«سننه» جزء أساسى من مكونات الشخصية المصرية. أما الصدق لدى الداعى فواضح من حضور شيخ الأزهر بشخصه... وهيبته... وقيمته جلسة الحوار... ولأن الدكتور أحمد الطيب حرص فى كلمته الافتتاحية على أن يعيد الفضل لأصحابه... فالرجل أكد أن الوثيقة المعروضة هى مبادرة من شباب الثورة... وأن الأزهر تبناها... لم يقفز الرجل فوقها... لأنه يعرف أن قيمته أكبر من القفز على جهود الآخرين. أما الصدق لدى المدعوين فيؤكده الحضور الكثيف... والتلبية السريعة... والتوقيع الجماعى على وثيقة لم يشاركوا فى صياغتها... لكنهم لم يشكوا فى كاتبها... ولا فى راعيها... فلم ينافسهم الكاتب يوما إلا فى حب الوطن... ولم يخدعهم الراعى يوماً... ويحدثهم نهارا وهو يدبر أمرا بليل. أما وصف الحالة فإن الوثيقة تؤكد أن البلاد بلا رأس... وأن سلطانها ليس بيد القصر... وأن القوى السياسية والوطنية لا ترى فى قصر الرئاسة منقذا لهذا الوطن... والثقة فى مؤسسة الدولة مفقودة... والتعاون مع القابع فى القصر مشروط... والتحاور معه مفروض... لكنه مرفوض... أو غير مرغوب... والحاجة للخروج من الحالة أصبحت ماسة... والكل يبحث عن مخرج بعيدا عن الدولة... فلما لاحت بوادره أسرعوا... ووقعوا... ثم انصرفوا يفكرون. ومن قبل أصدر الأزهر وثائق عدة لم تحترمها الدولة... ولم توقرها مؤسسة الرئاسة... ولا الأهل والعشيرة. ففى يونيو 2011 أصدر الأزهر وثيقة تحدد العلاقة بين الدولة والدين.... وفى يناير 2012 أصدر وثيقة الحريات الأساسية... وقبلهما وثيقة المرأة... ووثيقة مدنية الدولة... وهكذا تحول الأزهر إلى مصدر للوثائق... لكن رغم ما تحمله وثائق الأزهر من صدق... إلا أنها تبحث عمن ينفذها... وأظن أن الرئيس محمد مرسى سيسعى لتنفيذ ما جاء فى الوثيقة الأخيرة ... لأنه لا يملك غيرها بعد أن رفض السياسيون حواره... ولأن الإخوان وقعوا عليها. Email: