في اليوم التالي لعيد الميلاد، كنت في زيارة لبعض الأصدقاء في حي شبرا الذي نشأت فيه وتعلمت منه قيم التآخي والسماحة وحب الآخر.. حيث تتعانق مآذن المساجد مع قباب الكنائس.. وحيث لايزال يسكن بشبرا جزء من عائلتي والكثير من أصدقاء الصبا والشباب، وحيث لا فارق بين مسلم ومسيحي إلا لحاقد أو كاره لهذا الوطن. وفي طريقي لمطلع كوبري 6 أكتوبر من نهاية شارع أحمد بدوي لاحظت أن هناك دراجة نارية يستقلها شخصان ملتحيان.. وقد راحت تلك الدراجة النارية براكبيها تتابعني في سيرها دون أن يلفت ذلك انتباهي. وعند نهاية شارع أحمد بدوي ودوران الطريق في اتجاه مطلع كوبري 6 أكتوبر فوجئت بالدراجة النارية وقائدها يتعمد الاصطدام بسيارتي من الجانب الأيمن فنظرت لقائدها في غضب وقد ظننت أنه ربما كان قد تعاطى المخدرات التي جعلته يصطدم بسيارتي من الجنب، ولكنه راح يخبط بيده في عنف على زجاج سيارتي الجانبي طالبا مني أن أتوقف. وظننت أن شيئا ما قد حدث لذك يطلب مني التوقف، فأوقفت سيارتي على جانب الطريق.. وما لبث قائد الدراجة النارية أن التقط من ثيابه آلة حادة راح يخبط بها على زجاج السيارة الأمامي حتى أوشك أن يحطمه، ومتسبباً في شرخ كبير بالزجاج. وهنا حاولت المرور بسيارتي تاركا ذلك الرجل، ولكنه أسرع بقيادة الدراجة النارية ليوقفها أمام سيارتي ليمنعني من المرور.. فقمت بفتح زجاج الباب الأيسر المجاور لي وسألته عما يفعله، فقاد دراجته ليصير بمحازاتي من الناحية اليسرى وأشهر الآلة الحادة في وجهي على حين أمسك بخناقي في عنف بيده الأخرى، وراح يكيل السباب، وكل ذلك وأنا لا أفهم تصرفه العنيف.. وأخيرا قال لي بهجة تهديد: انني إن لم أتوقف عما أفعله وأكتبه فسوف تكون نهايتي في المرة القادمة! وأمام تهديده الصريح لي بالقتل فقد اندفعت بسيارتي للأمام وقد استشعرت خطراً شديداً، لأكتشف بعد لحظات اختفاء موبايلي من المقعد المجاور لي.. وفي البداية ظننت أنها كانت عملية اجرامية لسرقة الموبايل.. ولكن بعد ساعات من التفكير في الأمر.. وتذكر كل تفاصيله أدركت أن الأمر لم يكن محاولة للسرقة، ولكنه تهديد حقيقي لي بالقتل إن لم أتوقف عن كتاباتي المعارضة التي أقوم بها بانتظام في جريدة «الوفد» كل يوم جمعة، خاصة وأنني قبل وقت ليس بالكثير تلقيت على موبايلي رسائل تهديد من مجهولين.. وكان يظهر على شاشة الموبايل «لا رقم» أي أن المتصل كان لديه خاصية اخفاء رقمه عند الاتصال. وكانت رسائل التهديد تحمل طابعاً واحداً ومعنى لا يتغير وهو أنني إن لم أتوقف عن انتقاد النظام وبعض من افرزتهم الساحة ممن يعيثون فساداً في الوطن فسوف يكون مصيري هو الموت. ووقتها لم أهتم بهذه الرسائل ورأيت أن صاحبها من الجبن بحيث أنه لا يريد كشف رقم هاتفه. ولكن بعد حادث الاعتداء أدركت أن من ارسل لي رسائل التهديد تلك لم يكن يعبث.. وكان يقصد ما يقول خاصة أن موبايلي الذي كانت عليه تلك الرسائل هو الموبايل الذي تمت سرقته. وبعدها قمت بتحرير محضر في قسم الشرابية التابع له مكان الحادث، الذي جرى على بعد أقل من خمسين متراً من قسم الشرطة. وهكذا يبدو أن البعض في هذا الوطن لم يعد يحتمل كلمة معارضة أو نقد وبدلاً من أن يرد على الحجة بالحجة.. وبدلاً من النقاش الديمقراطي صارت رسائل التهديد بالقتل هى الرد الوحيد لديهم. وما جرى مما يعتبر استكمالاً لمشهد التهديد وقوائم المستهدفين خاصة للإعلاميين وأصحاب الرأي الحر.. وكذلك محاولات الاعتداء على عدد من الاعلاميين والصحفيين التي جرت تحت سمع وبصر الجميع دون أن يتم القبض على متهم واحد.. ناهيك عن حصار مدينة الانتاج الاعلامي والمحكمة الدستورية العليا والاعتداء على جريدة «الوفد» وعلى معتصمي الاتحادية دون أن يقدم متهم واحد للمحكمة. وأؤكد أن ما جرى معي لن يخيفني أو يخرس قلمي مهما كانت محاولات الترهيب والاعتداء.. واعتبر ما حدث معي وكتابة لهذه السطور بمثابة بلاغ للسيد النائب العام للتحقيق في الأمر والقبض على الجناة.