عايز تجاور الفراعنة؟.. هل تريد أن تسكن داخل أكبر متحف طبيعي للآثار الفرعونية؟.. فقط سدد 100 جنيه عن كل متر واشتر ما تشاء من الأرض بتسهيلات كبيرة، واسكن بجوار الفرعون الذي تحبه. هذه ليست نكتة ولكنه اعلان حقيقي عن واقعة غريبة، لا يجب ألا تمر مرور الكرام، لأن ما فعله أهالي منطقة دهشور بالاستيلاء على المنطقة الأثرية وتقسيمها وبيعها بسعر 100 جنيه للمتر بمساعدة البلطجية أمر خطير يكشف لنا أنه لا صوت يعلو على صوت القوة في مصر، وتحد واضح لدولة القانون، بل لا نبالغ إن قلنا أسقط هيبة الدولة، وأن هؤلاء يمسكون بيدهم مفاتيح دولة الأمن والأمان. قام المعتدون من الأهالي تدعمهم البلطجة والسلاح بتقسيم وبيع منطقة أثرية كبرى ومناطق تنقيب البعثة الأثرية الألمانية التابعة لمنظمة اليونسكو.. لم يفعلوا هذا فقط، بل أعلنوا التحدي من هناك بمواجهة كل من يقترب منهم أو «يهوب» ناحية ممتلكاتهم سواء جيش أو شرطة وقالوا حرفيا «سنحرق مدرعات الجيش وسيارات الشرطة اذا حاولوا الدخول الى هنا». وفي مغامرة محفوفة بالمخاطر اخترقت «الوفد» مملكة البلطجية «المنطقة الأثرية سابقاً» كادت تفقدني حياتي ولولا العناية الإلهية ما تمكنت من العودة الى مقر الجريدة، طاردتني مافيا الآثار لكنني تمكنت من الهرب. رصدت عدسة «الوفد» المشهد المفزع الذي تتعرض له أخطر وأهم المناطق الأثرية المصرية، حيث يسابق المعتدون الزمن وأحضروا كميات كبيرة من الطوب الحجري وأطناناً من الأسمنت وحوالي 500 عامل بناء حولوا المنطقة الى خرسانات مسلحة وسرعان ما حضرت الأسر لتعيش في المنطقة ويصبح الأمر واقعاً. وتلاحظ وجود العشرات من المعدات الثقيلة التي تستخدم في ازالة غرف التنقيب وتسوية الأرض «ودك» السراديب المؤدية الى غرف الأهرامات، وقاموا بالبناء على السراديب التي تعتبر المداخل الرئيسية الى جبانات ملوك الأسرة الرابعة وملوك الدولة الوسطى. عاشت «الوفد» ساعات عصيبة داخل مملكة البلطجية واكتشفنا تقسيم المنطقة الى 5 مساحات كل منها 20 متراً وبيعها للأهالي حددوا سعر القطعة 2000 جنيه. في البداية اخترقنا الحصار المفروض على المنطقة بحجة أننا نريد شراء ارض في المنطقة الأثرية للبناء عليها.. اصطحبنا أحد الأشخاص ملامحه كلها اجرام وأدخلنا أحد الغرف المبنية حديثاً بعد تفتيشنا ذاتيا، فوجدنا شخصاً يجلس داخل الغرفة وبجانبه سلاح آلي ملقى على الأرض، وبمجرد دخولنا الغرفة قال: «عايزين إيه؟!» فرد من أوصلنا عنده.. «دول عايزين أرض يا معلم» فقال: عايزين كام حتة».. فقلت له: حسب السعر.. فقال: «كل حتة وليها سعر» فقال: فيه أماكن المتر فيها ب 100 جنيه وفيه ب 150 و200 جنيه للمتر.. فقلت له «عايز أتفرج»، فقال: «روح والحتة اللي تعجبك شاور عليها» وبعد ذلك تجولت في المنطقة وشاهدت كل الدمار والخراب الذي لحق بالمنطقة الأثرية وتحويلها الى مساكن لهؤلاء البلطجية، ورصدنا عدداً كبيراً من الشاحنات المحملة بمواد البناء لطمس معالم المنطقة وهويتها. وعلى أطراف المنطقة شاهدت خمسة خفراء يحملون «شوماً» اقتربت منهم وسألتهم ماذا تفعلون فكان ردهم: اننا استغثنا بالشرطة أكثر من مرة لوقف هذه التعديات لكنها لم تحضر.. حتى «نيقولا» لم تفعل شيئا فسألت من تكون قالوا: إنها باحثة ألمانية وعاشقة لآثار مصر وتقود فريق البحث وتعيش في المنطقة منذ خمس سنوات!! وكشفت جولتنا بالمنطقة الأثرية وجود عدد من المناطق المهمة ومنها هرم «سنفرو» الشمالي والذي يعتبر من أقدم وأضخم الأهرامات حيث يقترب حجمه من هرم «خوفو» وتم بناؤه من الحجر الجيري، والهرم الآخر هو «سنفرو الجنوبي» ويطلق عليه «الهرم المنحني» ويبعد عن الهرم الشمالي بحوالي 900 متر جنوباً.. وهناك بحيرة الملك فاروق وقصره وكان يقضي به اجازاته ويمارس هواية صيد البط النادر الذي كان يهاجر الى البحيرة.. لكن يد الاهمال طالت البحيرة وتحولت الى مستنقع من المخلفات واستولى البعض على اجزاء منها وحولوها الى قصور وفيلات. الدكتور محمد علي فهيم، الباحث بمركز البحوث الزراعية ومن أهالي دهشور، أكد أن آثار المنطقة تتعرض لكارثة حقيقية نتيجة قيام ما يزيد على 1500 شخص من أهالي بعض القرى المجاورة لمنطقة آثار دهشور وهى قرية المرازيق ومزغونة ومنشأة دهشور بالهجوم على المنطقة الأثرية والاستيلاء عليها وبناء وحدات سكنية تحت تهديد السلاح، بل وهدد هؤلاء بهدم هرم «سنفرو» إذا اقترب منهم أحد. بدأ الهجوم الجمعة الماضي وكانت أعداد المعتدين قليلة وبدأوا في تقسيم المنطقة الأثرية بينهم وبدأت اعمال الحفر والبناء. من جانبهم أكد أهالي المنطقة أن آثار دهشور هي أكبر متحف طبيعي للآثار الفرعونية بل وأهمها على الاطلاق لأنها شهدت بناء أول هرم في التاريخ.