نشرت مجلة الشئون الخارجية الأمريكية في 14 ديسمبر مقالا غاية في الخطورة لكاتبها «جريف ويت» عن المؤامرة التي تديرها القوي السلفية للتخلص من الإمام الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر واستبداله بإمام سلفي للأزهر يستطيع فرض الفكر السلفي الوهابي علي مصر تدريجيا ويعيدها ألف عام إلي الوراء. يقول «ويت» إن الثورة بدأت في مصر من عامين تنادي بالعدالة والحرية.. وتحولت إلي اكتساح من القوي الإسلامية التي حازت نصرا بعد نصر في الانتخابات، ولكن داخل مصر وفي كل المنطقة فإن العامل الحقيقي للخوف من تحول مصر الي دولة دينية يكمن في مكان غير متوقع وهو ممرات الأزهر الحجرية القديمة، والأزهر هو الصرح الذي كان ينظر إليه دائما كقلعة محترمة للاعتدال، وهذه السمعة معرضة حاليا للخطر، لأن هناك عناصر شديدة التطرف وسط الحركة الإسلامية تحاول الالتفاف علي الأزهر والسيطرة عليه، وهي معركة ستظهر خطورتها العاجلة الأسبوع القادم عندما يذهب الناخبون للموافقة علي مشروع دستور يعطي الأزهر سلطات غير عادية للحكم في الأمور الدينية الخاصة بالقوانين التي تصدر في مصر. يقول قادة الأزهر إنهم غير قابلين للقيام بهذا الدور،ولكن وقع عليهم ضغط شديد من السلفيين المتأثرين بالفكر السعودي السلفي، وقد ظهرت قوة السلفيين فجأة في مصر في عصرها الديمقراطي الجديد، ويقول الشيخ عبدالدايم نصير مستشار شيخ الأزهر أن السلفيين يريدون تحويل الأزهر الي جزء من النظام السياسي،وأن الأزهر يرفض ذلك. وكان الشيخ نصير عضوا في اللجنة التي وضعت مسودة الدستور ويقول إن الأزهر لا يريد وضع القوانين في قوالب دينية جامدة تقول هذا صواب وهذا خطأ. ولكن بموجب الدستور الجديد فهذا هو بالضبط ما ستقوم به مؤسسة الأزهر البالغ عمرها ألف عام تقريبا، ويقول الشيخ نصير إن السلفيين أصروا علي تضمين الدستور هذا النص لأنهم يظنون أنهم سيستولون علي الأزهر، فالحرب بشأن تحديد طبيعة ودور الأزهر ستكون لها نتائج عميقة بالنسبة لمصر وللمنطقة كلها. فالربيع العربي وثوراته قد تحولت نحو سؤال عن مكان الإسلام في المجتمع ومن الذي يفسر الإسلام، لقد قام الأزهر بدور كبير في هذا المجال قرونا عديدة، ويعتبر أكبر مراكز الفكر السني الإسلامي احتراما ويقوم سنويا بتعليم ملايين الطلبة الذين يحضر الكثير منهم من مختلف دول العالم، وفي الوقت الذي تصعد فيه تيارات إسلامية متطرفة إلي السطح السياسي يظل الأزهر مركز الفكر الوسطي المعتدل الذي ينشر التعددية واحترام الثقافات غير الإسلامية واحترام حقوق النساء والأقليات. ويخشي الكثير من المصريين ذوي الفكري المدني والمسيحيين من أن التحول نحو التطرف إذا حدث في الأزهر قد يؤدي الي تفسيرات جامدة للإسلام وشريعته التي تعتبر في كل من الدستور القديم والحديث أساس القوانين المصرية، وقد يؤدي ذلك الي تراجع في الحريات للمبدعين والأكاديميين علي السواء، وتحديد حريات النساء في البيت ومكان العمل، ويزيد من قضايا الاتهام بالخروج عن الدين وسبّ الإسلام. وهذا الصراع علي اتجاه الأزهر يراقبه الزعماء العرب المعتدلون في كل الشرق الأوسط بقلق شديد وحتي المسئولين الرسميين الذين تعاطفوا مع أهداف ثورات الربيع العربي يبدون قلقا شديدا من احتمالات تحول الأزهر الي قوة رجعية جامدة تسبب قيام معارضة ضد الحكومات والمؤسسات المدنية. ويقول مسئول كبير في دولة تضم ملايين المسلمين السنين إن الإخوان المسلمين يحاولون منذ سنين عديدة السيطرة علي الأزهر وإذا حدث ذلك فسوف يموت الإسلام المعتدل، ويصر المسئول الكبير علي عدم الكشف عن شخصيته وبلده حتي لا يتعرض لهجمات المتطرفين وأن ما يحدث هو تحد حقيقي للمنطقة ورغم طول تاريخه وسمعته كان الأزهر موضع اتهام شديد لتعاونه الوثيق مع سلسلة من الحكومات الدكتاتورية في مصر وآخرها ثلاثة عقود من حكم مبارك. ولما أطيح بمبارك أوائل العام الماضي خرج الأزهر في صورة ضعيفة تغري من يحاول السيطرة عليه ولكن هذا لم يحدث فالإمام الأكبر أحمد الطيب الذي عينه مبارك استطاع الاستمرار في منصبه، وأصبح مدافعا كبيرا عن الحوار بين الرئيس مرسي ومؤيدين من التيار الديني من ناحية وبين تحالف الليبراليين واليساريين والأقباط ضعيفي الروابط المعارضة لمرسي من الناحية الأخري. ويقول منتقدو شيخ الأزهر إن استمراره في منصبه هو نتيجة استعداده للانحناء أمام الناظم الإسلامي الجديد فأروقة الأزهر ومآذنه كانت الخلفية هذا العام لصور لم يكن ممكنا تصورها في عصر مبارك الذي اضطهد الإخوان والسلفيين لأفكارهم. أما الآن فقد قام سلسلة من الوعاظ المتشددين - ومنهم إسماعيل هنية زعيم حماس ويوسف القرضاوي بالخطابة علي منابر الأزهر ومهاجمة إسرائيل، وقد قام الإخوان المسلمون خلال هذا الشهر باستخدام ساحة الأزهر لمسيرة جنازات لأعضائهم الذين قتلوا خلال الصراع مع مظاهرات المعارضة المدنية. وقد أبدي العديد من مسئولي حكومات المنطقة قلقا شديدا من خطب القرضاوي بالذات التي هاجم فيها الحكومات الإسلامية المدنية في المنطقة معلنا أن أمة إسلامية موحدة تستطيع القضاء علي إسرائيل. فقد قال: «نقول للإسرائيليين إن أيامهم معدودة»، والقرضاوي عضو في المجلس الأعلي للأزهر الذي سيقوم بتفسير الطبيعة الإسلامية للقوانين المصرية حسب الدستور الجديد، وقد قال في إحدي خطبه: إن الله قد يمهل الطاغية في العقاب ولكن عندما يحين وقت حسابه فلن يفلت منه». ويقول مسئول حكومي آخر إنه يخشي أن تستشري أفكار القرضاوي ورفاقه من خلال الأزهر بصرف النظر عمن يكون شيخ الأزهر، فالمسلمون السنة سيكونون تحت تأثير هذه الأصوات ليس في الشرق الأوسط وحده بل في التجمعات الإسلامية في أوروبا وغيرها من الدول، ويسخر قادة الإخوان والسلفيين من اتهامهم بأنهم يدبرون للاستيلاء علي الأزهر، ويصرون علي أن كل هدفهم هو ضمان استقلال الأزهر. وتضمن مسودة الدستور المصري هذا الاستقلال، وهناك قانون جديد للأزهر ينص علي انتخاب شيخ الأزهر من بين علمائه وليس تعيينه عن طريق رئيس الجمهورية كما كان الحال في الماضي، ويقول عصام العريان نائب رئيس حزب الإخوان أن هذا القانون سيعيد للأزهر استقلاله بعد عقود من السيطرة الحكومية، وينفي نادر بكار أحد قادة حزب النور السلفي أن يكون حزبه يريد مزيدا من النفوذ علي الأزهر قائلا: «لا نسعي لتحرير الأزهر لنسيطر عليه ولا يريد السلفيون أن يكون للأزهر القول الفصل في تفسير القانون الإسلامي. فالأزهر ليس كالڤاتيكان وليس في الإسلام أحد يكون رأيه ملزما. الواقع أن مسودة الدستور تعطي الأزهر دورا استشاريا في تفسير القوانين وليس دورا ملزما، ولكن فقهاء القانون يقولون أن القضاة والسياسيين سيصعب عليهم جدا مخالفة فتاوي الأزهر. يقبع مبني الأزهر الجديد وسط القاهرة حيث يجري العمل وسط مدنيين في أزياء أوروبية يتكلمون خليطا من العربية والانجليزية والفرنسية، ويقول المسئولون أن شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء وعددهم أربعون سيكونون حريصين عند استعمال صلاحياتهم الجديدة. ويقول إبراهيم نجم مستشار الشيخ أن الطيب يبعدنا عن معترك السياسة، ولكن البرلمان الذي سينتخب مطلع العام المقبل قد يحاول التخلص من الشيخ الحالي علي أساس أنه من فلول عهد مبارك وغير مرغوب فيه، وقال نجم أن السلفيين يحاولون تلطيخ سمعة الشيخ وإحلال أحدهم محلة. وأنهم لو غيروا الشيخ الحالي بسلفي ستكون هناك كارثة. وحتي لو لم يتغير الشيخ فإن منظمات حقوق الإنسان يقلقها أن الدستور الجديد قد بدأ فعلا وضع الدولة علي منزلق يعطي السلطات الدينية دورا ضخما في تحديد الحريات الفردية المسموح بها فجعل مؤسسة دينية مسئولة عن تفسير القوانين شيئا يتعارض تماما مع مفهوم الدولة الحديثة، فقد انتهي هذا الوضع في العصور الوسطي، ومحاولة إحيائه حاليا ستؤدي الي موجة من القمع. وإلي هنا ينتهي تقرير الكاتب عما يدبر للأزهر من خلال الدستور الجديد الذي تم تفصيله علي مقاس دولة فاشية ترفع راية الدين اعتسافا وينسي رافعو الراية المغتصبة أن الشعب الذي أسقط مبارك أسقط معه حاجز الخوف للأبد، وأن شعب مصر سنة 2012 ليس شعب ألمانيا الذي سار وراء هتلر كالقطيع سنة 1933 حتي دمر ألمانيا تماما في نهاية المطاف ثم انتحر ملعونا في نهاية حياته، لن ينتحر حاكم مصري لأنه لن يستطيع أن يكون طاغية أبدا وسط شعب كسر حاجز الخوف والجهل، والأيام بيننا. ----- نائب رئيس حزب الوفد