لم تكن تتوقع أبدا أن تُقحم هى فى حكاية ليست أبدا طرفا فيها، فكل ما حدث كان عاديا، زيارة للوالدة قبل الثورة بيوم ثم انقلاب الأوضاع رأسا على عقب، ثم إصرار من الزوج على أن ترجع للمنزل. إنها " صابرين " الأم السكندرية الثلاثينية، التى نزلت من منزل والدتها إلى منزلها إرضاء لرغبة الزوج فى عودتها على الرغم من الأحداث الصعبة التى دارت يوم جمعة الغضب، والتى لم تكن كافية فى نظر الزوج لإقناعه بوجود خطر على حياتها إن غادرت منزل والدتها فى هذه اللحظات، وقد كان، جاء الزوج لإصطحابها، فتركت أطفالها من زوجها الأول لدى والدتها، ونزلت معه، لتخترق رصاصة جانبها الأيمن وتخرج من الجهة اليسرى لتستقر بكبد الزوج الذى طلقها فيما بعد، ولترقد هى وحدها الأكثر تأثراً بالحادث، والأحداث، فى القصر العيني الفرنساوى حتى اللحظة. "لإمتى، لإمتى، تعبت والله، حسبي الله ونعم الوكيل، حياتي اتهدت واتدمرت، وعيالي اتاخدو مني ، وبقالي سنتين نايمة على ضهري "، بهذه الكلمات بدأت صابرين المقيمة بالدور التاسع قسم "ب" غرفة 30 بالقصر العيني الفرنساوي حديثها لبوابة الوفد، وعن قصتها مع رصاصة العذاب بدأت صابرين تحكى: " بعد إصابتنا بالطلق النارى، أخذتنا سيارة ملاكي استوقفها بعض الرجال الذين كانوا يحملون سيوفا، وسارت خلف دبابة وتم توصيلنا لمستشفى "مريمان"، ولكن المستشفى قالت إنها غير مسئولة عن حالتي، ولم توجد حينها أي وسيلة اتصال بالإسعاف وتركوني ملقاة على أرض المستشفى انزف حتى الصباح، تنقلت بعدها عبر عدد من المستشفيات، حتى تبرع فاعل خير بإخبار " هبه السويدى" التى قامت بنقلي للقصر العينى الفرنساوى بالقاهرة، وبدأت سلسلة أخرى من العذاب عبر عدة عمليات جراحية، فقد أصابت الطلقة أثناء دخولها وخروجها من جسمي، الشرج والمسالك البولية، وجرحت النخاع الشوكي، وأصابت الفقرات الثالثة والرابعة والخامسة بالعمود الفقري " . وتستكمل " صابرين " قصتها مع العلاج:" تم إجراء عملية تركيب شريحة ومسامير بالعامود الفقري لكي أتمكن من الجلوس، فقد كانوا يحملوننى بالملاءة، ولم أكن أستطع الجلوس نهائيا، وأعانى الآن من آلام الشرج بعد إجراء عملية تحويل عن طريق زرع مستقيم وتحويل مخرج البراز، وبانتظار المرحلة الثانية من العملية لإعادة ما تم تحويله إلى وضعه الطبيعي، بخلاف حاجتى لعلاج طبيعي مكثف حتى أتمكن من المشي مرة أخرى، وعلى الرغم من إمكانية العلاج بالخارج ، إلا أن مجلس الوزراء أصدر قرارا اشترط فيه أن لا تتجاوز المدة 15 يوما، بحد أقصى 12 ألف جنيه استرليني، وهو ما يعتبر قرار تعجيزي لأن علاجي يستغرق مدة لا تقل عن 6 أشهر . العينى الفرنساوى.. الألم والزواج ولم تكن أوجاع صابرين الأسرية أقل سوءا من الصحية، فقد طلقها الزوج، وقام زوجها الأول بانتزاع الأطفال أثناء رقودها بالمستشفي دون علمها، ولم تستطع والدتها رعايتها، ولكن الأقدار أرسلت إليها" محمود " أحد مصابي الثورة الذى كان مقيما بالقرب منها متلقيا العلاج هو الآخر، ليرعاها، ثم ليصبح زوجاً لها بعد ذلك، يقول :" تعرفت على صابرين يوم 21 يونيو الماضي، ولأن حالتها كانت صعبة وليس معها مرافق، فقد حاولت التخفيف عنها ورعايتها قدر الإستطاعة كأخت، ولكن المشاعر تحولت فقررنا الزواج، وهذا أفضل فأنا الآن أرعى زوجتى واهتم بها". محمود الذى يرفض أن يتكفل رجال الأعمال بعلاج مصابي الثورة، مؤكدا على أن هذا واجب الدولة، لكنها تسرق الأمل منهم فى الشفاء على حد تعبيره، قال لبوابة الوفد:" الإعلانات الدستورية التي تصدر وتتعهد بعلاج المصابين ورعايتهم لا يحدث بعدها شيء، فبعد زيارة الدكتور محمد فؤاد مستشار الرئيس لصابرين، وتأكيده انه سيتم إجراء جراحة لها بمستشفى المقاولين العرب، ذهبنا إلى هناك ففوجئنا برفضها إجراء العملية لأنه لم يتم التعاقد معها !". " سبوبة " مصابين الثورة " احنا" سبوبة " وناس كتير أكلت من ورانا عيش"، حقيقة أكدتها صابرين عبر تلك العبارة الموجزة، وواقعة، تقول عنها:" لقد تبرع لعلاجى طبيب مصري مقيم بأمريكا بمبلغ قدره 27 ألف دولار سلمها للدكتور محمد شرف رئيس جمعية "أبطال 25 يناير"، غلا أن دولاراً واحداً لم يصلنى، وعندما علمت من الطبيب المقيم بأمريكا تشاجرت مع الدكتور شرف، وطلب مني الصمت تجنبا للفضائح وأعطاني مبلغ 300 جنيه مصري فقط !"، وتشير صابرين إلى أن هذه الواقعة ليست الوحيدة، فالكثير من جمعيات المجتمع المدني جمعت تبرعات باسم المصابين، تضيف:" حتى الزعامات السياسية التى تتحدث يوميا على شاشات التليفزيون عنّا، لم يأت أحد منهم لرؤيتنا وتعرف احتياجتنا ومشاكلنا، وكل مصاب من الثورة تغيرت حياته للأسوء 360 درجة، وهم يتحدثون ويتاجرون بدون ملل أو كلل أو حياء" .