اهتزت صورة النائب العام، بعد أن كنا نطلق عليه محامي الشعب، وحتي يعود لهذا المنصب الرفيع وقاره واعتباره، فإن الحل الوحيد يكون باختيار نائب عام جديد بالطريقة التي حددها الدستور في حالة الموافقة عليه. وهي قيام مجلس القضاء الأعلي بترشيح ثلاثة من أعضاء السلطة القضائية يختار الرئيس واحداً من بينهم لمنصب النائب العام. الخلاف بين المستشار طلعت ابراهيم النائب العام الحالي المعين بقرار رئيس الجمهورية، وبين أعضاء النيابة الرافضين لهذه الطريقة التي لجأ اليها الرئيس بعد عزل المستشار عبدالمجيد محمود ليس شخصيا هو خلاف أصبح المجتمع بالكامل طرفا فيه ويجب حله بطريقة يرضي عنها المجتمع، والحل الذي يوافق عليه المجتمع هو أن يقبل المستشار أحمد مكي وزير العدل استقالة النائب العام، واختيار نائب عام جديد ينهي الأزمة المتفجرة داخل السلطة القضائية، ويعيد إلي المنصب هيبته. وصول الخلاف بين النائب العام وأعضاء النيابة الي حد الاتهامات المتبادلة لا يصلح معه استمرار المستشار طلعت ابراهيم نائباً عاما. وإذا كان النائب العام قد اتهم أعضاء بالنيابة العامة برفع المسدسات في وجهه داخل مكتبه لإجباره علي الاستقالة، فان النائب العام متهم بالتدخل في تحقيقات غزوة الاتحادية، التي تولاها المستشار مصطفي خاطر المحامي العام لنيابات شرق القاهرة وكان النائب العام يرغب في حبس المتهمين الذين تم الافراج عنهم لعدم كفاية الأدلة. وإذا كانت تحقيقات ستتم في وقائع تهديد النائب العام فلابد أن تشمل أيضاً تدخله في تحقيقات غزوة الاتحادية، وبعد اختيار نائب عام جديد، واعتبار استقالة النائب العام الحالي مقبولة من تاريخ تقدمه بها. إن العبرة ليست بعدد أعضاء النيابة المعارضين للنائب العام ولا بمن اقتحم مكتبه ولا من وراءهم النتيجة واحدة وهي لا يمكن أن يكون هناك تعاون بعد ذلك بين النائب العام وباقي الدرجات حتي معاون النيابة بعد هذه الأزمة، وسوف تكون هناك اتهامات جديدة متبادلة تؤثر علي سير العدالة، وتهتز صورة القضاء أكثر. لقد أخطأ المستشار طلعت ابراهيم من البداية عندما قبل هذا المنصب وهو يعلم أنه جاء بعد عزل المستشار عبدالمجيد محمود بالمخالفة للقانون، كما يعلم أيضاً أن جماعة الاخوان قررت التنكيل بالمستشار عبدالمجيد محمود بعد البراءات المتتالية للمتهمين بقتل الثوار، وهو يعلم أن «عبدالمجيد» لم يقصر في أداء واجبه لأن جمع الأدلة ليس مسئوليته، ولكن الرئيس وجماعته جعلوه كبش فداء لغضب أسر الشهداء واتهموه بالتواطؤ مع النظام السابق، وقرروا التخلص منه، وبعد فشلهم في اقناعه بمنصب سفير دبروا مؤامرة عزله. إن استقالة النائب العام لن تكون من «السنة» التي يتحدث عنها المستشار طلعت ابراهيم ويخشي تكرارها مع أي نائب عام يأتي بعده ويقوم أعضاء النيابة بإجباره علي الاستقالة. أيادي الاخوان ملوثة بهذه الأزمة، ورائحتهم تفوح منها، هم أول من أعلنوا ان النائب العام أجبر علي الاستقالة تحت تهديد السلاح، وبعدها فوجئنا بتراجع النائب العام عن استقالته وأعضاء النيابة لم يسعوا لمطالبة النائب العام بالاستقالة إلا بعد اكتشافهم أنهم لن يستطيعوا التعاون معه ولجأوا الي ذلك وهم كارهون ولا يسعون الي جعل استقالته سنة يطبقونها مع من يأتي بعده لأن حالة المستشار طلعت ابراهيم تمت علي الطريقة الملاكي الاخوانية التي لم يقبلها أعضاء النيابة الذين يتمسكون بالولاء للمجتمع وليس لجماعة الاخوان وبذلك تكون الاستقالة انتصاراً لقيم القضاء ودولة القانون كما قال النائب العام نفسه ان استقالته جاءت حفاظاً علي كرامة المنصب، استقل، ولا تتراجع حفاظا علي استغلال القضاء.