راح المحللون في مصر وعلى ضوء الأحداث المشتعلة فيها، يسترجعون تسميات متسلسلة وتاريخية للثورة من على شاكلة: الثورة الأولى (ثورة عرابي)، والثانية (ثورة 1919)، والثالثة (ثورة 23 يوليو)، والرابعة التي لا تزال ساخنة في أحداثها وتطوراتها وتداعياتها (ثورة 25 يناير)، وربما هذا الواقع الميداني والمتداعي في الأزمة المصرية، بعدما قطعت المرحلة الراهنة شوطاً دموياً في العنف المتقابل، يجعل السؤال مطروحاً ومفتوحاً أيضاً، هل كُتب على مصر الإستمرار في مراحل الثورة السائدة وبغياب الاستقرار؟ لاشك في أن الأحداث في مصر وما ستسفر عنه حاضراً ومستقبلاً، لها انعكاسات إيجابية أو سلبية على المنطقة برمتها، بل إن مستقبل الثورات في المنطقة على وجه الخصوص سيتأثر بالنتائج التي ستتمخض عنها الأحداث في مصر . وعلى هذا الواقع، فإن خصوصيات هذه الثورة أو تلك، لن تكون بمنأى عن هذه النتائج، بيد أن ما يمكن أن يقال هو أن الثورة في مصر قد دخلت معترك الصراع على السلطة ضد السلطة، وهي سلطة في حقيقة الأمر من نواتج الثورة، وبغض النظر عن الكيفية والآلية والظروف التي أوصلت مرشحي (الإخوان) الى الحكم، بيد أن هذا الصراع في الحقيقة يُحسب على الثورة من الجانب السلبي، وربما يضع ظلالاً قاتمة على نتائجها الإيجابية الجانبية، وأن أي خسارة تلحق بهذا الطرف أو ذاك، هي خسارة وتداعيات تُسجل في مسار الثورة، أو هي بالأصل تُقلل من الرصيد الإيجابي الأولي الذي كونته مرحلياً” . ومن أهم المراحل التي عصفت بمسار الثورة في مصر تحديداً، مرحلة انعدام الوزن، وهي مرحلة تشكل النقطة الفيصل في تبيان توجه الثورة نحو مسار قطف الثمار، مثلما تشكل في الوقت نفسه مشهداً متوجساً من نكوص وتذبذب هذا المسار، لكن هذا المسار . في المشهد المصري، كان في حقيقة الأمر قد جاء على عكس ما كان يرنو إليه الطامحون والمتطلعون من الجيل الثوري الشبابي الذي كان محرك ووقود هذه الثورة التي لا مناص من أن تُحسب عليها الأخطاء التي ارتكبت باسمها أو ضمن أجوائها، خصوصاً ما يتعلق بالتردد الواضح في العمل على صياغة الدستور الجديد، وكذلك المحاولات الرامية الى إلغاء سلطة المحكمة الدستورية العليا للقوانين التي يصدرها البرلمان أو مجلس الشعب . ويقول المحللون في هذا الجانب، إن عدد العاطلين عن العمل قد ارتفع إلى مليون شخص حتى شهر يونيو/حزيران الماضي، وهو معدل آخذ بالازدياد لاسيما في ظل تصاعد الأزمة وبلوغ (الثوريين) في صراعهم الداخلي الى مرحلة دموية، فضلاً عن تراجع احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي ووصوله الى مستويات غير مشجعة، بعدما تجاوز ال36 مليار دولار في نهاية ديسمبر/كانون الأول العام 2010 . لاشك ان ثورة 25 يناير/كانون الثاني، هي من أكبر الثورات التي قامت في مصر، بيد أن مراحلها التي تمثلت في الصراع المحتدم بين أطرافها، يجعلنا نقول بلا تردد، إن محوره لا يبتعد عن دائرة التنافس على وراثة النظام السابق، وقد يكون لهذا التنافس مبرراته، حيث إن لكل طرف من أطراف هذا التنافس أجنداته وبرامجه السياسية الخاصة، وهناك الكثير من التباين بين هذه الأطراف على صعيد الرؤى والتطلعات والتوجهات، ولكن هذا الواقع لا يمنعنا من القول، إن القوى المعارضة لحكم ( الإخوان )، ولشعورها بالغبن من اختطاف الثورة من قبل الإسلاميين، ربما استأنفت مسار الثورة الذي توقف أو أوقف في منتصف الطريق، ولربما أيضاً لاعتقاد هذه القوى أن الثورة لم تتم، وبالتالي يتطلب الواجب منها إتمامها من خلال التصدي بقوة للقوى الخاطفة ميدانياً حتى لو كانت على رأس السلطة . إذاً، الثورة الرابعة في مصر قد استدركت مسارها، وهي في طور أخذ مبادرة التقدم إلى الساحة من جديد، ومن الطبيعي أن قوى التيار الإسلامي ستدافع عن حكمها ونظامها كما هو حاصل في هذا الوقت، وليس من المستبعد في نظر المراقبين، أن يتحول هذا التنافس إلى صراع دموي بين الطرفين، وإلى صراع ذي نهايات مفتوحة، خاصة بعد قيام جماعة الإخوان بالدعوة إلى تحركات ربما يفضي إصرار الجماعة عليها إلى نتائج كارثية، على غرار ما حدث في محيط القصر الرئاسي وقيام أنصار الإخوان بمحاولة فضّ اعتصام المعارضين بالقوة . وعليه، لم يعد أمام الثورة من طريق في هذا الوقت، سوى طريق الاستئناف عبر الاعتصام والقيام بالمسيرات في ميادين وشوارع العاصمة القاهرة، مع الإشارة إلى أن قوى الثورة تفتقر إلى الزخم الكبير في الريف والمحافظات التي يشكل فيها التيار الإسلامي قوة لا يستهان بها . نقلا عن صحيفة الخليج