هل قضى الأمر.. هل نستسلم ونرفع الراية البيضاء، خصوصًا بعد أن نجح النظام الجديد فى تقسيم الأمة.. أم مازال فى العمر بقية للنضال من أجل مستقبل أفضل لكل المصريين؟! وكالعادة.. فى كل الشعوب، هناك من يتخاذل وينضم إلى معسكر الطغاة.. حتى ولو كان ذلك ضد إرادة الأغلبية.. وتعالوا نبحث عن هوية الذين جلسوا أمس الأول على مائدة الحوار.. مع النظام الحاكم الآن فى مصر. هم ائتلاف تم وضم كل التيارات الإسلامية من أحزابها وهى حتى الآن سبعة أحزاب.. وكذلك بعض الشخصيات، المصرية نعم.. هكذا تقول هويتهم، ولكنهم أيضا من ذوى الخلفية الإسلامية، سواء من الذين كانوا من الإخوان ثم انشقوا عنهم.. أو يتعاطفون معهم ويتحركون وفقا لما يقولون به.. وأيضا قلة صغيرة من المتطلعين إلى ما يتكرم به السلطان عليهم من بقايا المائدة.. فأحدثوا بذلك شقًا كبيرًا فى نسيج الأمة.. وفى جبهة الانقاذ الوطنية.. ومن لا يصدق ما نقول، عليه أن يتصفح وجوه وأسماء وتاريخ الذين وافقوا على هذا الحوار، واشتركوا فيه.. فهل هذا هو الحوار الذى يفترض فيه أن يضم كل الأطراف والأطياف والاتجاهات؟! وما أشبه الليلة بالبارحة. إذا بينما أعظم ثورة شعبية قام بها شعب مصر، وهى ثورة 19 محتدمة ومشتعلة.. ارتفعت بعض الأصوات المتخاذلة بضرورة التفاوض مع الإنجليز ورأت أغلبية الثوار أن ذلك فيه خروج علي إرادة الأغلبية الثائرة فهل ضعفت روح النضال عند المطالبين بالمفاوضات.. أم أن طول هذه الثورة جعل ضعاف النفوس تتخاذل وهى وكل الثورة فى منتصف الطريق.. فماذا قال زعيم الأمة وقائد الثورة سعد زغلول. لقد وقف يعلن بصوته الجهورى - بينما هو شيخ كبير السن، ولكنه كان كبير الهامة.. قال يصف هؤلاء المتخاذلين: إن جورج الخامس يتفاوض مع جورج الخامس!! وجورج الخامس هذا هو ملك الإنجليز الذى جلس على عرشهم بين عامى 1901 و1936 وهو والد ادوارد الثامن الذى خلف والده هذا على العرش عام 1936 ولكنه تنازل عن العرش من حبه لسيدة مطلقة هى ليدى سمبسون. ومعنى صرخة سعد زغلول هذه أن ملك الإنجليز جورج الخامس يتفاوض مع ملك الانجليز نفسه، جورج الخامس.. أى أن الإنجليز يفاوضون بعضهم البعض.. وهل يحصل الشعب المصرى على شيء عندما يتفاوض الإنجليز مع الإنجليز. فإذا طبقنا نفس المقولة على ما يجرى الآن فى مصر وبعد أن نشاهد المجموعة التى جلست تتحاور مع الرئيس محمد مرسى يوم السبت - أمس الأول - فإننا نجد أنفسنا أمام حقيقة تقول إن الإخوان جلسوا يتحاورون مع الإخوان.. أى مع أنفسهم ومع حلفائهم.. ومع من نجحوا فى استقطابهم إلى صفوفهم.. فهل نرجو من هؤلاء عدلاً.. هل نتوقع شيئًا صالحًا يتحقق لمصلحة الشعب، ومصلحة أغلبيته الحقيقية.. وبكل صراحة نتساءل هل نتوقع خيرًا من حوار الإخوان مع الإخوان وحلفائهم الإسلاميين.. كأنهم هم - وحدهم - المسلمون، ونحن غير ذلك.. وهذا ليس من عندهم.. بل هذا ما صرح به بعض غلاة رجالهم من أنهم هم المسلمون ونحن الكفار! وفعلا انتهت جلسة الحوار - بعد 8 ساعات داخل دهاليز القصر الاتحادى - إلى لا شيء.. وهنا يصدق فيهم القول: كأنك يا أبوزيد.. ما غزيت وأبوزيد هنا ليس هو مجرد أبوزيد الهلالى سلامة.. ولكنه يرمز للثوار الحقيقيين.. أما الذين تحاوروا أمس الأول فقد خرجوا على اجماع الأمة والدليل أن ما خرجوا به من هذا الحوار هو استبدال إجراء أعرج بإجراء آخر أعرج. فقد غيروا القدم العرجاء من اليمنى إلى اليسرى.. ولكن تبقى النتيجة واحدة. إذ نفس الجديد من الإعلان الدستورى.. هو نفس القديم، من نفس الإعلان الدستورى.. ومازال - فى الجديد - نفس العوار الذى اعترضت عليه أغلبية الأمة وهو تحصين قرارات رئيس الجمهورية ومنع رفع أى دعاوى قضائية ضدها.. وضد هذا «العوار الدستورى» المسمى «الإعلان الدستورى»!! ولكن هل هناك من أمل.. للخروج من هذا الصراع الرهيب.. وذلك الخلاف الذى قسم الأمة إلى قسمين. هنا نتذكر ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقى بك فى قصيدته التى ألقاها نيابة عن الصحفى الكبير فكرى أباظة.. وذلك فى مقر الحزب الوطنى القديم عام 1922. يقول مطلع القصيدة: إلام الخلف بينكم إلاما وهذه الضجة الكبرى علاما وفيما يكيد بعضكم لبعض وتبدون العداوة والخصاما وأين الفوز لا مصر استقرت على حال ولا السودان داما وكأن أمير الشعراء شوقى بك يعيش بيننا حتى الآن. فالاختلافات رهيبة.. والانقسام زاد.. والأمة تعانى من نقص كل شيء.. بداية من رغيف العيش إلى الوقود.. إلى مسكن نظيف وكوب ماء لا يضر الشاربين. حقًا هل يرتفع بيننا الآن صوت العقل. صوت يرجح مصلحة الوطن العليا على مصلحة الوصول إلى مقاعد الحكم.. فإذا وصل إليها فصيل أمسك عليه بالنواجز.. إلا ذهبت مقاعد الحكم للجحيم.. ولكن لتبقى مصر.. ويبقى شعبها موحدًا إلى أبد الأبدين.