رحل عن عالمنا أمس "جان" مصر الأول الفنان القدير محمود ياسين، عن عمر يناهر 79 عاماً بعد صراع مع المرض، والذي أحزن هذا الخبر الكثير من محبيه وأصدقائه الفنانين. عُرف الراحل بالمواقف الإنسانية المتعددة، ففي عام 1988، تم ترشيحه من فاروق حسني، وزير الثقافة في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، لإدارة المسرح القومي، ولم يتقاض أي مكأفأه أو راتب طوال فترة إدارته للمسرح، بل حول مرتبه لصالح العاملين في الفرقة. كان حلم التمثيل يراود الفنان الراحل في سنوات دراسته ، فشارك في بطولة عدة مسرحيات من خلال المسرح الجامعي، وتقدم قبل تخرجه مباشرة لمسابقة أعلن عنها بفرقة "المسرح القوم"، وقبل الفنان محمود ياسين، رغم ارتباطه بتصوير الكثير من الأفلام ورغم نجوميته الساطعة خلال تلك الفترة، الى أنه لم يتقاضي أي مرتب و ضحى بوقته وجهده وماله. تحدثت زوجته الفنانة القديرة شهيرة في كثير من اللقاءات التلفزيونية عن تواضعه ودعم ومساندة مساعده الخاص، فكان يهتم بأن يرافقه في الفندق الذي يمكث فيه خلال فترة سفره لتصوير بعض الأعمال الفنية، وأكدت شهيرة في تصريحات صحفية سابقة أنّه كان حريصا بألا تختلف نوعية الوجبات التي يتناولها عن باقي أصدقائه داخل استوديو التصوير، وأكدت أنّ الجانب الإنساني للراحل عظيم جدًا، والدليل إنشغاله بحياة البسطاء وقضايا الفقراء، ومحاولة مساعدة الغلابة. كما كان يخصص الراحل شهر أغسطس لعائلته، ويرفض أي عمل فني خلال تلك الفترة، ليقضيها مع زوجته وأبنائه و أحفاده، لتعويضهم عن فترة انشغاله في تصوير الأعمال الفنية، وأكدت شهيرة، أنّ تلك الفترة كانت مقدسة في حياة العائلة يخصصونها للسفر والجلوس معًا . كما قالت ابنته الفنانة رانيا محمود ياسين، أن الراحل كان يحب كل الناس، وكان رافضًا في البداية دخولها مجال التمثيل، لكنها استطاعت إقناعه بمساعدة والدتها، مؤكدة أنّه كان يهتم بدراستها ودراسة شقيقها عمرو محمود ياسين، وكان يخصص وقتًا للمذاكرة معهم برفقة والدتهم خلال فترة الامتحانات . وأضافت قائلة:" أنّ والدها كان يحتويها ويدعمها لتحقيق أحسن ما لديها، وكان صديقها، وأنّه ساندها عندما قررت الزواج من الفنان محمد رياض ولم يعترض على اختيارها، وأكدت أنّ والدها كان شخص حنون ورائع في معاملاته مع أسرتها والجميع . كما روى الفنان الفنان محمد علي رزق موقع إنساني جمعه بالفنان الراحل، حيث نعى "رزق" بنشر صورة له عبر حسابه الرسمي على موقع "انستجرام"، وعلق عليها قائلاً:"يوم تخرجي من أداب مسرح، كنت بعمل دور رجائي باشا في مسرحية الناس إللي تحت، وأستاذي ومخرج المشروع هشام جمعه عزم الأستاذ محمود يس، والصدفة الحلوة ساعتها إن الأستاذ محمود كان بيعمل بروڤات علي مسرحية الناس االلي تحت، وكان بيعمل دور رجائي باشا مع الأستاذ سمير العصفوري، لكن للأسف العرض مكملش بعد كده". وأضاف قائلاً: "بعد العرض نزلت علشان أحضن أمي فرحان بعد العرض والدكاترة و الناس كانوا مبسوطين مني أوووي وبيقولوا لي كلام حلو، فأمي من الفرحه بيا عيطت.. جيه الأستاذ محمود يس وقالها بتعيطي ليه ابنك جميل.. وبصلي وقالي أنت حكاية يا رجائي ومدام دي بدايتك أنت قدام هتكون حاجه كبيرة أوي، وسلم عليا ومشي.. الله يرحمك يا أستاذ محمود ويحسن إليك". أجمع نقاد الفن في تصريحات صحفية سابقة، أن النجم الراحل استطاع بموهبته وحضوره القوي أن يكون من أهم نجوم الفن، وجزءًا كبيراً ومهماً من تاريخ تطور السينما المصرية، حيث قدم العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية الهامة. وقال الناقد الفني نادر عدلي: "فقدت بشكل شخصي صديقي العزيز محمود ياسين الذي ارتبطت به سنوات طويلًا في وقت كان فيه ياسين النجم الأول على الشاشات التلفزيونية طوال فترة السبعينيات والثمانينيات، فهو على المستوى الإنساني رجل حسن الخلق إلى أبعد الحدود، وقلبه يسع الجميع، ولا أذكر أنه دخل في أي خلافات مع صناع السينما رغم تاريخه الحافل الكبير، وأنه دخل تاريخ السينما من أوسع أبوابها ك"فتى الشاشة الأول" في فترة السبعينيات والثمانينيات، كما انطلق محمود ياسين بقوة حتى أصبح فتى الشاشة الأول، وكانت من مظاهر النجاح الكبير أنه تعامل في بداية مشواره مع كل من الفنانات شادية وفاتن حمامة وماجدة الصباحي وهن النجمات الأكثر شهرة، وكانت مشاركته معهن أصبح فتى الشاشة الأول ، ثم جاءت حرب أكتوبر ، فقدم محمود ياسين أربعة أعمال سينمائية مميزة من أصل 6 أعمال في منتصف السبعينيات، حيث قام ببطولة فيلم عن حرب الاستنزاف بعنوان "أغنية على الممر" وأفلام "الرصاصة لا تزال في جيبي" و"الوفاء العظيم" و"بدور" وقدم بعد ذلك بفترة فيلم "حائط البطولات". واتفق الناقد الفني طارق الشناوي في الرأي مع الناقد نادر عدلي، على أن النجم الراحل اقترب أو تجاوز عدد من نجوم الفن سن الخمسين، أمثال فريد شوقي، أحمد مظهر، كمال الشناوي وشكري سرحان،كما بدأت جهات الإنتاج رحلة البحث عن الفتى الأول للسينما المصرية، محمود ياسين ليصبح النجم الأول وتحمس له المخرج حسين كمال في "نحن لا نزرع الشوك". وأشار إلى أن النجم الراحل ليس فنانًا يمتلك صوتًا مؤثرًا وجذابًا فقط، و قد حسم هذا الأمر عندما حاول البعض في البداية أن يقيد موهبته في أدائه الصوتي فقط، ورأوا أن الكاريزما تكمن في أحباله الصوتيةالذي يتوقف أمامها الرجال بنوع من الغيرة والتي لا تستطيع أن تقاومها النساء، فقام ببطولة فيلم "الأخرس" عام 1980 ليثبت أن الكاريزما أعمق بكثير من أن تصبح مجرد صوت فقط، وأنه ترك بصمة مؤثرة في التليفزيون من خلال عدد من المسلسلات أبرزها: "مذكرات زوج"،غداً تتفتح الزهور"، "اليقين" "العصيان"، "الدوامة"،"اللقاء الثاني"،"أخو البنات" و"اليقين"،"سوق العصر"، .قدم في الوقت نفسه أحد أهم أفلام الجاسوسية في السينما المصرية وهو "الصعود إلى الهاوية"، وتوالت العديد من أفلامه، حيث قام ببطولة ما يقرب من 150 فيلمًا جعلته نجم كبيرفي تاريخ السينما المصرية . وأضاف الشناوي: "أنه بعد أن شارك الفنانة شادية بطولة فيلم «نحن لا نزرع الشوك»، وقف أمامه كل نجمات السينما الكبار، حيث شارك النجمة الراحلة فاتن حمامة بطولة فيلم «الخيط الرفيع»،و أنه في عام 1980 برع النجم محمود ياسين في فيلم "انتبهوا أيها السادة"، ولا يعلم الكثيرون أن هذا الفيلم كان مرشحا في البداية لكل من الفنانين عادل إمام وسعيد صالح، وعندما اعتذرا قم محمود ياسين وحسين فهمي ببطولته. وقال طارق الشناوي في أحد البرامج التلفزيونية بعد وفاته:" إن فيلم "أين عقلي" كان لديه مواقف تكشف مدى حب واحترام الفنان الراحل محمود ياسين لغيره، فكان الفيلم يضم كلا من الفنان الكبير الراحل رشدي أباظة وسندريلا السينما المصرية الفنانة سعاد حسني، والتتر كان مكتوبا فيه اسم محمود ياسين الأول، لكن محمود ياسين اعترض وقال اسم رشدي أباظة يتحط الأول،وأكد أن محمود ياسين كان عندة استيعاب لما يحدث من تغيرات داخل السينما المصرية، وأكمل قائلاً: فيلم الوعد يعد من أجمل الأدوار التي قدمها الفنان الراحل، وقال: كان نفسي الفيلم يتعرض على المسرح عشان أقوله عيد يا أستاذ، أنه استمتع بأداء في الفيلم وكأنه يستمع إلى أغاني أم كلثوم.