حدث ما سبق أن حذرنا منه مراراً وتكراراً، ووقعت الحرب الأهلية بين أبناء الشعب الواحد، والمستظلين بعلم واحد، وجاء اليوم الذى أصبحنا نحل فيه خلافاتنا السياسية بالمولوتوف، والخرطوش، والآلات الحادة، والحجارة، وتغلبت عقلية القبيلة على المواطنة، وانعقدت مجالس الحرب، ووقف المصريون حشوداً أمام حشود يسفكون دماء بعضهم، وسقط الشهداء والجرحى أمام قصر الحكم الذى كان يشغى بالمحتفلين بقرارات الرئيس منذ أيام. وإذا كانت معركة الدستور ستؤدى إلى التناحر وتقسيم البلد فبئس الدستور، فالدساتير توضع لتحقيق الاستقرار، وليس لبث روح الفرقة والانقسام، هناك دول كبرى قوية، ومستقرة، بدون دساتير تحكمها، إن الدستور الذى يقاتلون من أجله مشوه، ومسلوق، ولا يحقق التوافق، هو دستور الجماعة ودولة المرشد، ولا يصلح أن يكون دستوراً لمصر، كما أن الإعلان الدستورى مستبد، ومشبوه، ويختصر دولة القانون فى شخص الرئيس! إن الأهم حالياً من الدستور، ومن الإعلان الدستورى، هو وقف نزيف الدماء، وحقن دماء المصريين، ولا يوجد أحد غير الرئيس محمد مرسى الذى يعيد الاستقرار، ويوقف القتال، ليثبت أنه رئيس لكل المصريين، وليس أمير الجماعة، أو قائد الميليشيات، إن الإجراء العاجل الذى يجب أن يتخذه الرئيس هو «تجميد» الإعلان الدستورى، وتأجيل الاستفتاء على الدستور، والدعوة لحوار وطنى تناقش فيه المواد الخلافية فى الدستور مع القوى الوطنية للوصول إلى دستور يعبر عن كافة فئات المجتمع بدلاً من الدستور الحالى الملىء بالألغام التى تكبل مصر، وتضع مصيرها بين أيدى فصيل واحد هدفه تذويب مصر فى دول أخرى. مطلوب أن يتصرف الرئيس مرسى بأسرع وقت ممكن لأن الذين منحوه أصواتهم فى الانتخابات اختاروه ليكون رئيساً لكل المصريين وليس رئيساً لجماعة الإخوان، ولقد قال بعد انتخابه: إذا أخطأت فقومونى، ونحن أمام حرب أهلية ستأكل الأخضر واليابس بسبب إعلانه الدستورى ودستور الجماعة ونرى أن هذه أخطاء تحتاج إلى تصحيح سريع، ونزول الرئيس عن بعض قراراته ليس فيه إساءة له أو لأنصاره.. بالعكس فإنها شجاعة لإنقاذ سيارة الوطن التى أصبحت لا تسير إلى الخلف فقط، ولكنها تهوى من فوق الجبل، إن الخسائر التى تقع من وراء المواجهات الدامية أخطر من التراجع عن قرار خاصة إذا كان مشبوهاً. مصر تعيش حالة استبداد غير عادية بعد أن كانت على قلب رجل واحد فى ميدان التحرير أثناء أحداث ثورة 25 يناير، وكان الهدف واحداً هو إسقاط النظام المستبد وإقامة دولة جديدة قائمة على القانون، فوجدنا أنفسنا حالياً أمام دولة ميليشيات يتم استدعاؤهم للاعتداء على المتظاهرين السلميين وسط صيحات واإسلاماه، وتهديدات من أمثلة: «هنكنسهم، الكفرة، الفجرة، الفلول»، حتى اقتربنا من تقسيم الشوارع والجوامع. جبهة الانقاذ الوطنى لا يجوز التشكيك فى وطنيتها، مطالبها معقولة، وليست مستحيلة، أى شخص عاقل شارك فى إسقاط نظام مستبد لا يسمح بظهور نظام مستبد آخر.. جبهة الإنقاذ لا تطلب المستحيل، ولو استمع الرئيس مرسى إليها من البداية ما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه حالياً، الجبهة تقترح إلغاء الإعلان الدستورى المسلوق، وإجراء حوار وطنى عاجل لمناقشة المواد الخلافية، وتشكيل تأسيسية جديدة للإعداد لدستور يحقق التوافق الوطنى، تلقى دعوة جبهة الانقاذ تأييداً كبيراً فى الشارع وتقف ضدها جماعة الرئيس فقط، دعوة الأزهر للحوار مقبولة، كوابيس نائب الرئيس مزعجة، واستقالة مستشارى الرئيس وتأييدهم لجبهة الانقاذ تحمل الرد المفحم على تصريحات «الكتاتنى» التى تنبأت بسفالة الميليشيات عندما قال إن الأزمة الطارئة فى طريقها إلى الانتهاء، والانتهاء قريباً جداً.. وعلى خطة «الشاطر» التى تم وضعها فى أحد فنادق مصر الجديدة للعدوان على المتظاهرين أمام قصر الاتحادية.