أوشكت الحكومة علي تطبيق قرار منع الدعم عن البنزين «95 أوكتين»، وطبقاً لما أعلنه الدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء أن هذا سيوفر فقط 55 مليون جنيه، من جملة 115 مليار جنيه قيمة الدعم الحكومي للمواد البترولية وحدها طبقاً لإحصائية العام الماضي.. بهذه الخطوة يصبح أمام المواطنين خيار واحد وهو استخدام البنزين «92 أوكتين»، بعد إلغاء البنزين «90»، ولأننا في مصر كل شيء يطبق عشوائياً فإن البنزين «92» سيختفي أو يتعمد من بيدهم الأمر إما تهريبه أو اخفاءه كما حدث مع البنزين «90»، ويصبح لا مفر من استخدام البنزين «95» الذي سترتفع أسعاره بعد إلغاء الدعم الحكومي له!!.. ومع غياب ضبط الحكومة لحركة الأسواق في كل شيء، لا نستبعد أن تعود طوابير البنزين أمام المحطات بسبب الاقبال المتزايد علي البنزين «92».. وقليل من المواطنين من يستخدم البنزين «95».. فماذا فعلت الحكومة لمواجهة هذه الظاهرة التي ستظهر بمجرد إلغاء الدعم عن البنزين 95؟! كالعادة لا تفعل الحكومة شيئاً ولا تستعد لمواجهة ظاهرة خطيرة قد تتسبب في وقوع كوارث لا تحمد عقباها، وحملت الحكومة فقط كارثة اختفاء البنزين والسولار خلال الشهور الماضية، إلي فاعل مجهول مثلما يحدث تماماً في جرائم القتل التي يشهدها قلب القاهرة، أو ما يطلقون عليه الطرف الثالث!!.. بمعني أدق وأوضح ليس لدي الحكومة الشجاعة لأن تعترف بأنها فشلت في علاج الأزمة الفلانية أو العلانية، رغم أن الاعتراف بالفشل في أية أزمة هو بداية علاجها، لانه لا يمكن تحديد العلاج بدون تحديد الداء.. في أزمة البنزين لم تجد الحكومة ما تضحك به علي الناس سوي أن هناك مافيا تقوم بتهريب البنزين والسولار، وبما أن الحكومة لديها هذا اليقين في أزمة البنزين فلماذا لا تقطع دابر المهربين وتلقي القبض عليهم وتحاكمهم محاكمات علنية ليكونوا عبرة لمن تسول له نفسه أن ينتوي أن يكرر هذه الكارثة؟!.. الحقيقة أن الحكومة عندما فشلت في اختراع سبب يقبله الناس، اخترعت فكرة التهريب التي تشبه تماماً الطرف الثالث في عمليات القتل!!.. فالبنزين أو السولار الذي يحتاج إلي تنكات وسيارات كبيرة، لا أتصور أبداً أن يتم تهريبه إلي أي مكان بهذه السهولة التي تحاول الحكومة إقناعنا بهذا السبب، وكأننا نعترف ضمنياً أن الحدود مخترقة - وحاشا لله - أن تكون كذلك!! إلغاء الدعم عن البنزين «95» يحتاج من الحكومة رقابة شديدة وبالغة علي البنزين «92» الذي سيكون هو الخيار الوحيد أمام الناس، ولو لم تأخذ الحكومة كل احتياطياتها بذلك، ستكون هناك كارثة كبري، فالبنزين لا يقل أهمية عن رغيف العيش، وكلاهما ضروري لحياة المواطن ولا يمكن الاستغناء عن سلعة واحدة من هاتين السلعتين.. لا نمانع أبداً في إلغاء الدعم عن البنزين «95» الذي تستخدمه السيارات الفارهة التي يمتلكها قلة من اغنياء هذا البلد، لكن لا يكون ذلك علي حساب البنزين «92» الذي سيضطر المواطنون إلي استخدامه بعد إلغاء البنزين «90».. وبهذه الخطوة تكون الحكومة قد ضربت عصفورين بحجر واحد، ألغت الدعم عن «95»، وأجبرت الناس علي استخدام البنزين «92»، الذي يزداد سعره عن البنزين «90».. يبقي علي الحكومة التي ضحكت علي المواطنين أن تقوم بضبط حركة الاسواق بدلاً من وقوع الكوارث التي نحن في غني عنها، ويكفي ما يواجهه البشر من مذلة في ارتفاع الاسعار.. الدكتور هشام قنديل قال إن الدعم الحكومي - بما فيه البنزين - يكلف مصر 100 مليار جنيه، في حين أن ما يصل إلي الناس بالفعل هو 10 مليارات جنيه، فماذا إذن عن ال 90 مليار جنيه الأخري المتبقية.. كنت أتوقع منه أن يجيب عن هذا التساؤل لكنه تهرب من الاجابة عنه في حواره مع أحمد منصور بقناة الجزيرة!!.. إذا كان رئيس الحكومة لم يتمكن من الاجابة علي هذه المفارقة الغريبة، فمن يجيب إذن؟!.. ويبقي السؤال الذي يجب أن يجيب عنه قنديل أين التسعون مليار جنيه؟ من يستفيد بها، ومن يأخذها وفيم تنفق، وكنت أتمني أن يضحك علينا في جملة ما تضحك به الحكومة علي الشعب، ويقول مثلاً أن ما يصل للناس هو المائة مليار جنيه؟! الاجابة الوحيدة عن هذه التساؤلات أن التسعين ملياراً التي لا يعرف عنها أحد شيئاً، تضيع في الطريق للذين يتولون إنفاق العشرة مليارات جنيه التي تصل بالفعل للناس إما في البنزين أو رغيف الخبز أو السكر أو الزيت أو المكرونة.. بمعني آخر أن العشرة مليارات جنيه تحتاج لتوصيلها إلي 90 مليار جنيه!!.. أليس هذا هو السفه بعينه، مثلما الشخص الذي يسعي إلي كسب مائة جنيه، فيقوم بإجراء خدمات لتحقيقها تساوي تسعمائة جنيه!!.. يعني أن هناك أيادي وسيطة تلعب في الخفاء وتستولي علي هذه الأموال بحجة الدعم.. ولذلك فإن عملية الدعم برمتها تحتاج إلي وقفة، وقد تكون بدأت بالبنزين، ولكن تحتاج إلي شجاعة من رئيس الوزراء لإعادة النظر فيها وهو ما سنطرحه لاحقاً إن شاء الله، خاصة بعد موافقة صندوق النقد الدولي علي إقراض مصر 4.8 مليار دولار.