قال ابن كثير إنه في البداية والنهاية وصل إبراهيم -عليه السلام- إلى مكّة المكرّمة، وكانت صحراء قاحله لا ماء فيها، ولا شجر، ولا بشر، فترك إبراهيم -عليه السلام- زوجته هاجر وابنه إسماعيل عليه السلام، ثمّ مضى فقالت له هاجر: (يا إبراهيم إلى أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي لا أنس فيه ولا شيء؟)، فلم يُجبها، فأعادت عليه السؤال، فلم يلتفت إليها، ثمّ أعادت السؤال مرراً، ولكنّه لم يلتفت إليها، فقالت: (آلله أمرك بهذا؟) فقال:نعم، فقالت: إذن لا يضيعنا، ثمّ رجعت. وذهب إبراهيم ليكمل دعوته بأمر من الله تعالى، فتوجّه لله -تعالى- بالدعاء، قال الله تعالى: ( رَبَّنا إِنّي أَسكَنتُ مِن ذُرِّيَّتي بِوادٍ غَيرِ ذي زَرعٍ عِندَ بَيتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقيمُوا الصَّلاةَ فَاجعَل أَفئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهوي إِلَيهِم وَارزُقهُم مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُم يَشكُرونَ)، وما هي إلّا ساعات حتى نفد الماء. واشتدّ الكرب على هاجر، وبدأ إسماعيل -عليه السلام- يبكي بكاءً شديداً من شدّة الجوع والعطش، وهي تصعد إلى جبل الصفا تبحث عن مغيثٍ ثمّ تعود إليه كلّما سمعت صوته، فبينما هم على تلك الحالة وقد بلغت هاجر الجهد، سمعت صوتاً، وجاءهم الفرج من الله -تعالى- بأن أرسل إليهم جبريل عليه السلام، فضرب برجله الأرض، فانفجرت منها عين ماء عظيمة سُمّيت زمزم، وجعلت هاجر تحوضه؛ أي تجعل الماء مثل الحوض، فشربت هي وإسماعيل -عليهما السلام- حتى شبعا. وقد قال رسول الله: (يرحمُ اللهُ أم إسماعيلَ، لو كانت تركت زمزمَ -أو قال: لو لم تغرف من الماءِ- لكانت زمزمُ عيناً معيناً)،[4] ثمّ بقيت ماء زمزم على ما هي عليه، حتى ولي مكّة قبيلة جُرهم، وكان بينهم وبين قبيلة خُزاعة قتال، فلمّا انتصرت خزاعة عليهم، أخرجوا جرهم من مكة، ولكنّهم قبل أن يخرجوا دفنوا بئر زمزم ومحوا أثرها، فبقيت مدفونة إلى زمن محمّد صلّى الله عليه وسلّم.