ونقصد بها بقعة زيت البترول التى تسربت من أحد المواقع أو المصانع فى الصعيد الجوانى ونزلت إلى النيل.. وعجزت الحكومة بكل وزاراتها وأجهزتها الفنية عن مواجهتها من أسوان إلى الأقصر إلى قنا إلى سوهاج ثم إلى أسيوط والمنيا وبنى سويف والجيزة، حتى عبرت إلى القاهرة ووصلت أول أمس إلى القناطر الخيرية، بل واندفعت داخل الترع الرئيسية ومنها الرياح التوفيقى عند بنها.. وكأنها تفعل ذلك وهى تخرج لسانها إلى كل سلطات الحكومة وهى تمر أمام عيونها.. بينما الحكومة تقف عاجزة عن أي موقف حتى الآن ويبدو أن الحكومة سوف تلتقط أنفاسها عندما تدخل هذه البقعة إلى فرع دمياط، وربما فرع رشيد لتصب فى النهاية فى البحر المتوسط إلا إذا قررت الحكومة عدم فتح هويس دمياط أو قناطر ادفينا لتنطلق بقعة زيت البترول إلى البحر المتوسط. وهذه البقعة هى الاختبار الحقيقى لمدى قدرة الحكومة بكل أجهزتها على مواجهة أى مشكلة.. بداية من عدم معرفة الحكومة «على وجه اليقين» من هو المتسبب فيها وأدى إلى إغلاق محطات المياه على طول هذا المسار الذى يزيد طوله على 1000 كيلو متر. وإذا كان هناك تخوف من تأثير هذه البقعة على الأقفاص السمكية في فرعى دمياط ورشيد لأن هذا البترول يقتل الأسماك فى هذه الأقفاص فإن التخوف الأكبر كان من تأثير هذه البقعة على محطات المياه التى توفر مياه الشرب للناس.. كما تؤثر على مياه الرى التى تروى المزروعات.. كل هذا بينما أى مهندس بترول يعمل فى أحد الحقول البحرية سواء فى المياه الإقليمية، أو المياه والحدود الاقتصادية يعرف كيف تواجه شركات البترول كيف تواجه وتعالج هذه المشكلة وتقليل أضرارها تماماً.. إن كل تسرب بترولى يعالج حسب حجم التسرب البترولى.. فإذا كان التسرب وقع فى مياه البحر المالحة فإن المعالجة تلجأ إلى استخدام المذيبات الكيماوية لتفكيك كتلة التلوث البترولى وبعد هذا الاستخدام تترسب بقايا كتلة التسرب وقد تحولت إلى ما يشبه «الأسفلت» إلى قاع البحر.. ولكن إذا كان حجم التسرب البترولى كبيراً هنا تلجأ طرق المعالجة إلى نظام بسيط يعتمد على نظرية أن الزيت أخف من الماء.. أى يطفو الزيت فوق سطح الماء، مالح أو عذب. وهذا النظام يقضى بمد نوع من الخراطيم الضخمة منفوخة بالهواء لتحاصر كل بقعة الزيت بحيث يكون نصف ارتفاع الخراطيم غاطساً فى المياه ليصل إلى أعمق نقطة فى هذا الزيت أى إلى نقطة اتصالها بالماء.. أما النصف الثانى فيعلو سطح الزيت فوق الماء.. ثم تقوم آلات سحب بسحب البترول العائم فوق الماء إلى داخل سفينة ذات خزانات كبيرة.. إلى أن تتم عملية شفط كل الزيت المتسرب. وهذا الزيت البترولى لا يتم إعدامه.. بل يتم نقله إلى خزانات أرضية ليعالج كما يعالج أى بترول خام.. ثم تقوم فرق خاصة بإلقاء كميات كبيرة من القش أو ما شابه ذلك على الشاطئ ليمتص ما يصل للشاطئ من بترول ويتم جمع القش ونقله بعيداً ليحرق.. وكذلك جمع الأسماك والطيور النافقة من على الشواطئ حتى يتم التخلص تماماً من بقعة التلوث. هنا نسأل: كيف واجهت الحكومة تلوث مياه النيل بهذه البقعة من البترول المتسرب إلى النيل.. وهل استعانت بخبراء المقاومة والبيئة فى شركات البترول.. بل هل استعانت الحكومة بشركات البترول الأجنبية العاملة فى مجال البحث عن البترول فى المياه البحرية، وهناك العديد منها تعمل فى المياه المصرية: إقليمية أو اقتصادية وكلها شركات عملاقة تملك من المعدات والخبرات ما ينهى هذه المشكلة.. أقول ذلك وقد عاصرت عمليات تلوث عديدة فى مياه الخليج العربى عندما كنت أعمل فى أبوظبى وقدمت استشارتى فى هذا المجال لمواجهة أحد هذه التسربات.. ومنها مد أحزمة نظام محاصرة التلوث ثم شفط الزيت منها..وفىأسرع وقت.. وكان ذلك فى أوائل السبعينات أى منذ 40 عاماً.. ومن المؤكد أن هذه الوسائل تطورت كثيراً هذه الأيام. ومن المؤكد أن مصر تملك امكانيات عديدة فى قطاع البترول من شركات مصرية أو أجنبية تعمل فى مياهنا فى البحر الأحمر وخليج السويس وايضاً فى البحر المتوسط.. فهل طلبت الحكومة المساعدة من هذه الشركات أم تكاسلت حتى تفاقمت الأزمة الى حد اغلاق محطات المياه ومآخذ المحطات على مجرى النيل والرياح التوفيقى.. أم ياترى مصر تعيش فيها كل وزارة أو هيئة فى جزر منعزلة.. ولكننى أقولها بصراحة ان من أخطر العيوب المصرية التهوين من المشاكل والقضايا وعدم التعامل بالجدية الكاملة مع أى مشكلة من بداية حدوث المشكلة. ولكن الواضح أننا نترك المشاكل الكبيرة لتحل نفسها بنفسها بينما الحكومة تقف تتفرج دون أن يغمض لها جفن.. والدليل ان الحكومة تركت بقعة التلوث لتنطلق عائمة فوق مياه النيل لأكثر من 1000 كيلو متر دون تدخل يذكر.. اللهم الا قفل محطات المياه.. ولكن ماذا عن مياه الرى ياسادة. كان يمكن ياسادة إغلاق القناطر والأهوسة وما أكثرها من جنوب الصعيد الى مصبى دمياط ورشيد.. حتى نمنع انتقال التلوث فى موسم الفيضان بسرعة حتى اننا نلاحظ الآن ارتفاع منسوب المياه فى مجرى النيل عند القاهرة. كل هذا و لم تقل لنا أى وزارة.. أو أى مسئول من المتسبب فى هذه الكارثة.. ومن المتكاسل عن مواجهتها... ولكن يبقى أن بقعة الزيت هذه.. هزمت حكومة النظام كله.. فماذا لو واجهنا مشكلة أخطر؟!