غرقت أمريكا مع تمثال الحرية فى مياة الفيضانات والامطار وفى ظلام دامس، لتسجل انهزاما مدمرا امام غضبة الطبيعة المتمثلة فى إعصار «ساندى» العاتى أحد أكبر الأعاصير التى تضرب الولاياتالامريكية على الاطلاق، وضرب قبلها كندا، ليخلف خلال اليومين الماضيين 14 قتيلاً فى حصيلة مبدئية بجانب عشرات الآلاف من المصابين وملايين من المتضررين وخسائر بمليارات الدولارات. خسائر مادية لم تتكبدها امريكا فى أى حرب سابقة لها مع البشر، لكنها تتكبدها هذه المرة فى الحرب مع ارادة السماء، ومن المرتقب ارتفاع اعداد الضحايا تباعا ، واشارت تنبؤات الطقس الى أن العاصفة ساندي قد تستمر فوق نحو 12 ولاية امريكية لفترة نحو 24 الى 36 ساعة . وتسبب الاعصار فى انقطاع التيار الكهربائى عن نيويورك وواشنطن وفرجينيا وعدد من الولايات الاخرى واغرقها فى ظلام تام ليصيب المدن بالشلل ويعطل حركة الحياة ومظاهر الحضارة والمدنية المتمثلة فى وسائل النقل والمواصلات والاتصالات، كما غمرت المياه جنوب مانهاتن بعدما ضرب الاعصار الساحل الشرقي الامريكي ، ومع الشلل الذي اصاب الساحل الشرقي للولايات المتحدة، المنطقة الاكثر كثافة سكانية في البلاد، والفوضى التي خيمت خاصة مع انقطاع الكهرباء عن ملايين المنازل، اضطر المرشحان للبيت الابيض الى تعليق حملتهما قبل ثمانية ايام من موعد الانتخابات الرئاسية المقررة فى 6 نوفمبر . وكان من المقرر ان يحتفل الامريكان اليوم بمهرجان او عيد «هالوين» وهو العيد الذى اعتاد فيه الامريكيون كغيرهم في دول العالم الغربى على ارتداء ملابس تجعلهم يشبهون الأشباح لاشاعة جو من الرعب المرح ، الا ان «هالوين» هذا العام سيكون مختلفا ، حيث سيكون الرعب فيه حقيقى، وسيحارب الامريكيان عدواً قوياً قادماً من السماء ، حيث تحولت الولاياتالامريكية الى مدن للاشباح الحقيقية ، فالماء والانهيارات تطارد المواطنين ، وهم يلوذون بالفرار امام غضبة الطبيعة ولا عاصم لهم. وقد سقط معظم القتلى في الولاياتالامريكية نتيجة سقوط اشجار اقتلعتها الرياح، وهي اول حصيلة للقتلى ترد في الولاياتالمتحدة منذ وصول الاعصار ساندي الذي أوقع 67 قتيلا في جزر الكاريبي ، قبل ان يصعد شمالا على طول ساحل المحيط الاطلسي ويضرب الولاياتالمتحدة وتحديدا نيوجرسي ، وسيؤثر الاعصار على 50 مليون شخص ، ورغم ان الاعصار يعد كارثة انسانية تضرب امريكا فى توقيت حساس، ينشغل فيه الشعب بالحملة الانتخابية وبسباق المرشحين للرئاسة الامريكية وعلى رأسهم باراك اوباما ، وميت ومنى، فإن الاعصار نفسه قد يكون سببا فى الاسهام لحسم السباق الانتخابى، فعدما تنحسر المياه، سيبقى الضحايا والمتضررون مع تساؤل سياسى حول المرشح الذى سيخسر اكثر من جراء هذه العاصفة القوية . ومن المتوقع وفقا للمراقبين السياسيين ان يتم حسم الأمر لصالح اوباما ، خاصة اذا ما اسفر الاعصار عن عدد مقبول او قليل من الضحايا والخسائر ، لان ذلك سيكون نتيجة قيادة اوباما وادارته للتحرك الفيدرالي لمواجهة هذه الازمة حيث سيظهر كقائد فعال يعرف كيف يدير موارد الحكومة في وقت يحتاجها المواطنون بشدة ، اما اذا كان تحرك الدولة الفيدرالية غير كاف، فقد يعيد ذلك الى الاذهان ذكريات الاعصار كاترينا في 2005 ويخلف شعورا لدى بعض الناخبين المترددين بأنهم قد يفضلون تغييرا في البيت الابيض ، حيث سبق وواجه الرئيس السابق جورج بوش انتقادات شديدة لمعالجته ازمة الاعصار كاترينا، الذي خلف خرابا كبيرا في نيو اورلينز، وفشلت السلطات في تقديم مساعدات عاجلة ، وهى الانتقادات التى لازمته بقية ايام رئاسته. واذا نجح اوباما فى مواجهة تداعيات الاعصار بشدة، فسيحقق اسهما فى الفوز على حساب رومنى، الذى لا رومنى امام ذلك الا ابراز مشاعر التعاطف مع الضحايا حيث لا يتولى منصبا رسميا في عمليات الاغاثة ، وادى الاعصار الى تضرر الحملة الانتخابية خلال اليومين الماضيين ، فيما اكد البيت الابيض ان «سلامة وامن الامريكيين» يشكلان الاولوية فى الوقت الحالى ، وقال «جاي كارني « المتحدث باسم اوباما «يجب ان نركز ليس على الحملة او الانتخابات وانما على الحرص على تعبئة كل الامكانات الفيدرالية لمساعدة الولايات والمدن على مواجهة العاصفة» ، ورغم هذه التصريحات الا ان استحقاق الانتخابات يقترب ، ويجمع الكل تقريبا على ان الانتخابات الرئاسية ستكون محتدمة جدا ولا يريد اي مرشح ان يخسر في الشوط الاخير الختامي ، وسيتطلب الامر بالتأكيد حنكة سياسية لتحديد موعد ومكان معاودة الحملة بدون ان يظهر المرشح وكأنه غير مبال بمعاناة ضحايا العاصفة. وسيعوق الاعصار اتمام عمليات التصويت بسهولة ، لصعوبة الوصول الى مكاتب الاقتراع فى عدد من الولايات التى تضررت بفعل الاعصار خاصة فى جنوب غرب فرجينيا الريفي حيث يواجه السكان عواقب العاصفة بقوة ما ما اضطرهم للبقاء في منازلهم بدون التوجه للاقتراع، وانتشرت عدة سيارات للشرطة في الشوارع مشعلة اضواءها الدوارة التي تشكل في غالب الاحيان النور الوحيد في هذه الاحياء ، فيما اعلنت الوكالة الاميركية للامن النووي ان اي مفاعل نووي في شمال شرق الولاياتالمتحدة لم يضطر الى وقف عملياته بسبب الاعصار غير ان احد المفاعلات وضع في حال الانذار بسبب ارتفاع مستوى المياه ، وفي البحر ادت العاصفة الى غرق مركب هو «اتش ام اس باونتي» وهو نسخة عن الفرقاطة الانجليزية الشهيرة التي تمرد طاقمها في القرن الثامن عشر ومن اصل 16 من افراد الطاقم تم اسعاف 14 فيما قتل واحد ولا يزال البحث جاريا عن القبطان . وعلقت شركة امتراك كل رحلاتها على الطرقات والسكك الحديد فيما تم الغاء اكثر من 12 الف رحلة داخلية ودولية بحسب ما اورد موقع «فلايت أوير» على الانترنت ، وقال باراك فى رسالة الى الشعب طالبا منهم التعاون مع المسؤلين لانقاذ انفسهم «انصتوا الى السلطات المحلية، وحين تقول لكم ان تخلوا المكان، عليكم اخلاؤه». وبحسب تقديرات مكتب الدراسات لادارة المخاطر ايكيكات فان الاضرار التي ستنتج عن الاعصار قد ترتفع الى ما بين 10 و20 مليار دولار ، ودعا المسئولين سكان نيويورك الى عدم طلب الاسعاف الا في الحالات القصوى. وقال «في هذا الظرف تتلقى اجهزة الاسعاف 10 الاف نداء كل نصف ساعة بدلا من الف في الاوقات العادية».