يسأل الكثير من الناس هل يجوز النكاح بنية الطلاق فأجاب الشيخ ابن الباز رحمه الله وقال إذا كان ذلك بين العبد وبين ربه، إذا تزوج في بلاد غربة ونيته أنه متى انتهى من دراسته أو من كونه موظفًا وما أشبه ذلك أن يطلق، فلا بأس بهذا عند جمهور العلماء، وهذه النية تكون بينه . وقال تعالى الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۗ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230). قوله تعالى : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون. وقوله تعالى : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فيه سبع مسائل : الأولى : قوله تعالى : الطلاق مرتان ثبت أن أهل الجاهلية لم يكن عندهم للطلاق عدد ، وكانت عندهم العدة معلومة مقدرة ، وكان هذا في أول الإسلام برهة ، يطلق الرجل امرأته ما شاء من الطلاق ، فإذا كادت تحل من طلاقه راجعها ما شاء ، فقال رجل لامرأته على عهد النبي صلى الله عليه وسلم : لا آويك ولا أدعك تحلين ، قالت : وكيف ؟ قال : أطلقك فإذا دنا مضي عدتك راجعتك . فشكت المرأة ذلك إلى عائشة ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية بيانا لعدد الطلاق الذي للمرء فيه أن يرتجع دون تجديد مهر وولي ، ونسخ ما كانوا عليه . قال معناه عروة بن الزبير وقتادة وابن زيد وغيرهم . وقال ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وغيرهم : ( المراد بالآية التعريف بسنة الطلاق ، أي من طلق اثنتين فليتق الله في الثالثة ، فإما تركها غير مظلومة شيئا من حقها ، وإما أمسكها محسنا عشرتها ، والآية تتضمن هذين المعنيين ) . الثانية : الطلاق هو حل العصمة المنعقدة بين الأزواج بألفاظ مخصوصة . والطلاق مباح بهذه الآية وبغيرها ، وبقوله عليه السلام في حديث ابن عمر : فإن شاء أمسك وإن شاء طلق وقد طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة ثم راجعها ، خرجه ابن ماجه . وأجمع العلماء على أن من طلق امرأته طاهرا في طهر لم يمسها فيه أنه مطلق للسنة ، وللعدة التي أمر الله تعالى بها ، وأن له الرجعة إذا كانت مدخولا بها قبل أن تنقضي عدتها ، فإذا انقضت فهو خاطب من الخطاب . فدل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على أن الطلاق مباح غير محظور . قال ابن المنذر : وليس في المنع منه خبر يثبت . الثالثة : روى الدارقطني حدثني أبو العباس محمد بن موسى بن علي الدولابي ويعقوب بن إبراهيم ، قالا : حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا إسماعيل بن عياش بن حميد بن مالك اللخمي عن مكحول عن معاذ بن جبل قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معاذ ما خلق الله شيئا على وجه الأرض أحب إليه من العتاق ولا خلق الله تعالى شيئا على وجه الأرض أبغض إليه من الطلاق فإذا قال الرجل لمملوكه أنت حر إن شاء الله فهو حر ولا استثناء له وإذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله فله استثناؤه ولا طلاق عليه . حدثنا محمد بن موسى بن علي حدثنا حميد بن الربيع حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا إسماعيل بن عياش بإسناده نحوه . قال حميد قال لي يزيد بن هارون : وأي حديث لو كان حميد بن مالك اللخمي معروفا! قلت : هو جدي! قال يزيد : سررتني ، الآن صار حديثا! . قال ابن المنذر : وممن رأى الاستثناء في الطلاق طاوس وحماد والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي . ولا يجوز الاستثناء في الطلاق في قول مالك والأوزاعي ، وهو قول الحسن وقتادة في الطلاق خاصة . قال : وبالقول الأول أقول . الرابعة : قوله تعالى : فإمساك بمعروف ابتداء ، والخبر أمثل أو أحسن ، ويصح أن يرتفع على خبر ابتداء محذوف ، أي فعليكم إمساك بمعروف ، أو فالواجب عليكم إمساك بما يعرف أنه الحق . ويجوز في غير القرآن " فإمساكا " على المصدر . ومعنى " بإحسان " أي لا يظلمها شيئا من حقها ، ولا يتعدى في قول . والإمساك : خلاف الإطلاق . والتسريح : إرسال الشيء ، ومنه تسريح الشعر ، ليخلص البعض من البعض . وسرح الماشية : أرسلها . والتسريح يحتمل لفظه معنيين : أحدهما : تركها حتى تتم العدة من الطلقة الثانية ، وتكون أملك لنفسها ، وهذا قول السدي والضحاك . والمعنى الآخر أن يطلقها ثالثة فيسرحها ، هذا قول مجاهد وعطاء وغيرهما ، وهو أصح لوجوه ثلاثة :