أيام معدودات يقضيها الأنبا باخوميوس قائقمام البطريرك بين أروقة المقر البابوي، يتنفس الصعداء كلما مر عليه يوم يقرب مسافة العودة إلي مطرانيته، الأجواء في القاهرة ليست كمثيلتها في البحيرة، الهدوء في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية دائما أبداً تتبعه العاصفة، قلوب يومئذ واجفة من نتائج القائمة النهائية لمرشحي البابوية، و«باخوميوس» لم يعد يحتمل نقداً ولا هجوماً، تبعات مرحلة البطريرك الراحل تحملها وحده بإجماع أساقفة المجمع والمقدس، تقبل المهمة التي أحيطت بارتباك مزدوج ل «الدولة» من ناحية، والكنيسة من ناحية أخري دون تردد، وتفرغ ل «لملمة الشتات»، وتسكين الجراح، وترحيل الصدام بين أجنحة الصراع سواء العلمانيون الراغبون حينئذ في طي صفحة التهميش إبان مرحلة «البطريرك الراحل»، أو الأساقفة ذوو التوجهات المتباينة في تجاوز مرحلة «الفراغ الكنسي». وثمة مهام جسام ألقت بظلالها علي فترة «قائمقام البطريرك» فارضة حسماً منفرداً لمنع تشعبها، يذكر في ذلك أزمة «لائحة انتخاب البابا»، تلك التي لم تهدأ معركتها حتي الآن، رغم تتابع تأكيدات المجمع المقدس علي الالتزام بها، سيكتب التاريخ أن الكنيسة شاركت تحت قيادة «باخوميوس» في صياغة دستور «الثورة»، وأنها ارتمت في أحضان الأزهر آمنة ل «قراراته» احتماء ب «وسطيته» من صراعات فرض الرؤي التي تستعذبها بعض التيارات الإسلامية بمعزل عن التوافق. وإذا رأيت ثم رأيت «قبولاً» في الأوساط الكنسية ل «أسقف التوازنات» - حسبما يلقبونه - إزاء تفاعله مع الأحداث اليومية علي أرض الوطن، وسرعة رد فعل المقر البابوي تجاه الأحداث الطائفية، ومرونته في التعاطي مع القضايا محل الخلاف دون تسلط عرفه المقر البابوي، حسبما يري بعض المحللين للشأن الكنسي. مع انقضاء فترة الحداد المقررة علي البابا شنودة، سرت في الأوساط القبطية رغبة بقاء «باخوميوس» علي المقعد البابوي، شعر الأقباط بتحول الأداء الكنسي ولم تكن الانتخابات البابوية قد فتحت أبوابها بعد لتلقي تزكيات المرشحين ل «الكرسي المرقسي»، وفي اليوم الأول لتلقي الأوراق ضغط فريق ليس بالقليل علي «القائمقام» للتنازل عن منصبه والترشح ل «خلافة البابا شنودة»، الأقباط يريدون «بطريركاً» بروح سابقه، يسير علي خطاه، غير أن الضغوط تحطمت علي صخرة رفض «باخوميوس» لخوض المنافسة علي المقعد البابوي، ربما كان يري من زاوية بعيدة يعرفه وحده، ولا يستطيع التصريح بتفاصيلها.. التفاصيل يكمن فيها الشيطان. تتابعت الأشهر، وكلما اتخذت اللجنة المشرفة علي الانتخابات البابوية قراراً، ألقت جبهة المعارضة بأحجارها في مياه «التوازن الكنسي» الراكدة حتي إذا أنهت اللجنة كشوف الناخبين النهائية، وقعت واقعة الهجوم علي «باخوميوس» وطالته اتهامات بمخالفة القانون الكنسي، استناداً إلي مخالفات بالجداول تم تسريبها بالمستندات، دون رد من لجنة الترشيحات إلا في سياق «لن نلتفت إلي النقد ونلتزم باللائحة». وجداول الناخبين حلقة في سلسلة الرفض القاطع ل «ترشح أساقفة الإيبارشيات»، تلك «القشة» التي قد تقصم ظهر «إجراءات» دشنتها لجنة الترشيحات طوال سبعة أشهر، إزاء إصرار من «جبهة إنقاذ الكرسي البابوي»، ومجمع كهنة الإسكندرية علي إبطال الانتخابات وإعادتها إلي النقطة صفر ب «حكم قضائي»، إذا تضمنت القائمة النهائية للمرشحين أحد «أساقفة الإيبارشيات». ضاق «باخوميوس» ذرعاً بمحاولات الانقلاب عليه، واستبعاده من منصبه بحكم قضائي، وطالب الرجل في رسالة واضحة تكشف عن رغبته في الخروج الآمن من حلبة الصراع، الذي يبدو مفتعلاً – بحسب رؤيته - بسرعة استبعاده من المقر البابوي. وحملت رسالة «باخوميوس» عبارة لن تمر مرور الكرام، جاءت في «رأيت في المقر البابوي ما أحزنني»، تاركاً المعني غامضاً، والبحث عن - أسباب حزنه - كافية لهدم المعبد علي من فيه. الرسالة نقلها علي غير العادة - منسق جبهة العلمانيين الأقباط - خلال مؤتمر «إنقاذ الكرسي البابوي»، ممهورة بتعهدات للأقباط المعارضين لجداول القيد باستبعاد المخالفين، والالتزام ب «لائحة 57» مع تحفظاته عليها، واختتمت الرسالة التي خرجت من قائمقام البطريرك في لحظة صدق وأسي «لست أثناسيوس، ولا الأساقفة الآن هم أساقفة زمان». الانقلاب علي باخوميوس يقوده أسقف بارز من المرشحين ل «البابوية» - حسبما أكد كمال زاخر منسق جبهة العلمانيين الأقباط - لافتاً إلي أن مخطط الإطاحة ب «قائمقام البطريرك» دبر بليل إزاء خدمة أهداف انتخابية للأسقف الطامع في الجلوس علي الكرسي المرقسي، بينما وضوح «باخوميوس» أمام جمعية الناخبين أحبطت المحاولة في تقدير – منسق جبهة العلمانيين الأقباط - بنسبة 80%. رياح ما بعد القائمة النهائية لمرشحي البابوية في حال استبعاد الأسقف المدبر للانقلاب – لن تعصف ب «باخوميوس» استناداً إلي طبيعة الكنيسة التقليدية الراسخة العصية علي الانقسام، يؤكد كمال زاخر أحد أبرز قارئي المشهد «البابوي» أن استبعاد المشرحين ال «10 أو 12» حسبما تقرر لجنة الترشيحات سيتم وفقاً لمعايير تم التوافق عليها. ويستطرد قائلاً: «إذا أصر بعض المستبعدين علي مواصلة المعركة بعد إبعاده عن القائمة فإنه يقدم علي خطوة «انتحارية» ستفقدهم مكانتهم، وتؤكد مخالفتهم للقانون الكنسي». «زاخر» الذي أعلن أن ما أحزن «باخوميوس» في المقر البابوي لا يحتاج إلي تفاصيل قال: «إن قائمقام البطريرك سيؤدي مهمته انطلاقاً من صفاته الشخصية التي تجمع بين الأبوة والحزم، وسيخرج آمناً بعد جلوس البطريرك القادم، بعكس ما يريد أقطاب الصراع». وعلي الصعيد ذاته قال د. عوض شفيق الناشط القبطي بالمهجر: إن «مصطلح الخروج الآمن» لا يتماشي مع الطبيعة الكنسية، لافتاً إلي أن فكرة الانقلاب ليست واردة. وأضاف: «هناك بعض القلق يحدث داخل الكنيسة بسبب ترشح الأنبا بيشوي»، داعياً إلي إطالة فترة «باخوميوس» وتأجيل الانتخابات لحين تعديل اللائحة. وأعرب شفيق عن اطمئنانه لفشل الدعوي المقامة ضد «باخوميوس» المطالبة بعزله، مؤكداً أن رافعيها ليسوا لهم صفة قانونية. وأضاف: ليس هناك ما يدعو للانقلاب علي «باخوميوس»، هكذا عبر صبري راغب منسق مبادرة «إنقاذ الكرسي البابوي»، وصاحب دعوي وقف الانتخابات البابوية المزمع الفصل فيها في 16 أكتوبر. «راغب» الذي يصر علي إبعاد أساقفة الإيبارشيات عن القائمة النهائية، قال: «سأتنازل عن الدعوي إذا أبعدتهم لجنة الترشيحات، والعكس يعني مواصلة المشوار في إبطال الانتخابات». قدر «الأنبا باخوميوس» هو الصمت، والاكتفاء بعبارات مقتضبة تنفس عن غضبه الكامن، حفاظاً علي هيبة «الكنيسة»، والأيام القادمة ستكشف مرغمة عن المسكوت عنه بين جدران «المقر البابوي».