كأن شيئاً لم يتغير فى مصر.. وكأن الثورة لم تنفجر رغم الدماء الزكية التى أريقت ثمناً للخلاص من عصر الفساد والمحسوبية والديكتاتورية والتسلط. فمازال الكثيرون من قيادات الصف الثانى بالحزب الوطنى المنحل وأعضاء أمانة السياسات باقين على كراسيهم ومتشبثون بمناصبهم فى الإدارات والهيئات الحكومية ومازال رئيس مجلس إدارة «الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد»، عضو أمانة السياسات الدكتور مجدى عبدالوهاب قاسم، يجلس فوق دفة القيادة، رغم الاتهامات التى تلاحقه حول قيامه بمخالفاته المالية والفنية والإدارية فى الهيئة التى يرأس مجلس إدارتها منذ بدء عملها عام 2008 وحتى الآن، فهل قامت الثورة فعلاً لا نعرف، فى السطور القادمة نكشف التفاصيل. أنشئت الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد بالقانون رقم 82 لسنة 2006 وبدأت العمل فعلياً فى يناير سنة 2008 وهى تتبع مباشرة مجلس الوزراء ومهمتها الأساسية إعطاء شهادات الاعتماد للمدارس والمؤسسات التعليمية العامة والخاصة فى المراحل التعليمية المختلفة وإبداء رأيها فيما يتعلق بجودة العملية التعليمية بتلك المؤسسات، إذن الهيئة بمهمتها الجسيمة تلك تعمل كمصفاة أو «فلتر» يفترض أن المخرجات الناتجة عنها هى معلم ومتعلم ومنشأة تعليمية على درجة من الجودة المعيارية، وفقاً للمعايير الفنية الموضوعة، ومن هنا تتمثل خطورة الدور الذى تلعبه هذه الهيئة فى المجتمع. والخطورة هنا تنطلق من أمرين الأول أن المنتج الذى تتعامل معه الهيئة وتصدر شهادة بسلامته وجودته، واعتماده هو من أخطر المنتجات أثراً فى الوطن، والوجه الآخر للخطورة يحدث إذا ما كان أداء هذه الهيئة لعملها أداءً صورياً أو زائفاً ومجرد شهادة تمنح وتقر بالجودة على غير الواقع، وهو الأمر الذى شاب عمل الهيئة طوال فترة رئاسة قاسم لها أى منذ أن بدأت العمل بالفعل وحتى الآن، حيث تم التجديد لرئيسها من قبل المجلس العسكرى. كانت الصورية فى الأداء وفشل سياسات رئيس الهيئة وراء استقالة اثنين من أعضاء مجلس إدارة الهيئة وهما الدكتور حسام عبدالغنى الصغير والدكتورة نادية بدراوى، أستاذ طب الأطفال، رئيس الشبكة العربية لضمان جودة التعليم العالى، ورغم التجديد لهما ضمن باقى أعضاء مجلس الإدارة العام الماضى، إلا أن الأستاذين «المستقيلين» رفضا البقاء فى منصبيهما وتقدما باستقالة مسببة، أواخر الشهر الماضى، ومما ورد فى أسباب استقالة كل منهما أنه وعلى مدى أربع سنوات ونصف لم يتم إنشاء مضبطة للمجلس تكون بمثابة الذاكرة والمرشد لأى مجلس إدارة جديد فى المستقبل، كما لم يتم إنشاء نظام داخلى للجودة بحكم وتقييم عمل الهيئة أسوة بما هو متبع فى الهيئات العالمية المماثلة، إضافة إلى انخفاض مستوى الأداء الفنى بالهيئة نتيجة انخفاض مستوى العنصر البشرى القائم بعملية التقييم وكتابة التقارير عن جودة العملية التعليمية، حيث إن الكثيرين ويطلق عليهم مراجعين، غير مؤهلين للقيام بهذا العمل، حتى إن التقارير التى يكتبونها تخرج وبها الكثير من الأخطاء الإملائية دليلاً على ضعف مستواهم المهنى، كما أن مستوى التدريب لهؤلاء المراجعين غير كاف. ومن أسباب الاستقالة أيضاً أنه بالرغم من توقيع الهيئة لحوالى 18 اتفاقية دولية مع هيئات عالمية لضمان الجودة لم يتم تفعيل هذه الاتفاقيات وأصبحت مصر غير ممثلة فى المؤسسات الدولية لضمان الجودة ومنها المركز البريطانى والهيئة الألمانية للتبادل العلمى والثقافى والوكالة الأمريكية للإنماء والشبكة العالمية لهيئات ضمان جودة التعليم العالى. والغريب أن فواتير ومكافآت وبدلات السفر لموظفى الهيئة الذين انتدبهم رئيسها للعمل لبعض الوقت تكلف الهيئة عشرات الآلاف من الدولارات سنوياً وتصرف بالمخالفة للائحة بدلات السفر المرسلة للهيئة من مجلس الوزراء، والتى تأمر الهيئة بالالتزام بلائحة بدلات السفر المطبقة بالجهات الحكومية. ومن أسباب استقالة عضوى مجلس الإدارة أيضاً أن الهيئة لم تستطع كتابة خطة عمل استراتيجية لتحديد عملها فى السنوات الأربع المقبلة، كما أن الخطة القديمة لم يتم تنفيذها، وطالبت الدكتورة نادية بدراوى عقب التجديد لها، رئيس الهيئة بمناقشة آلية لعملية التغيير فى أعضاء مجلس الإدارة مع المسئولين حتى لا يأتى مجلس جديد بعد أربع سنوات لا تجد عنده أية خلفية بما تم فى الثمانى سنوات السابقة إعمالاً لقاعدة تكوين الصف الثانى فى الإدارة من خلال التجديد النصفى أو الثلثى لأعضاء مجلس الإدارة، لكن رئيس الهيئة أبقى على المجلس القديم بكامل أعضائه علاوة على الصراع الدائم بين رئيس الهيئة ونوابه لإصراره على الانفراد بعملية اتخاذ القرار، وعدم عرض الموضوعات وخطط العمل على مجلس الإدارة، حتى إن جلسات المجلس لا يتم إثباتها فى أية محاضر اجتماعات. ومن أسباب استقالة وحسام الصغير من مجلس الإدارة التى رفعها لرئيس الوزراء فى 12/8/2012 هو تجاهل حاجة الهيئة لبعض الخبرات وإصرار رئيسها على تعيين مستشار قانونى للهيئة مهمته الدفاع عن رئيسها، كذلك تركيز رئيس مجلس الإدارة لكامل السلطات فى يديه وعدم تفعيل عمل لجنة التظلمات التى لم يتم تشكيلها إلا مؤخراً. بلد شهادات صحيح على النحو السابق أصبحت عملية الاعتماد وضمان الجودة التى تمررها الهيئة عملية زائفة ومخالفة للواقع ومجرد استيفاء لمستندات على طريقة «بلد شهادات»، بل أعطت الهيئة شهادات واعتمدت الكثير من المدارس دون تقييم حقيقى وباستخدام معايير وأساليب قياس مطاطة وغير موضوعية وهنا مكمن الخطورة، حيث يشوب الغش عمل الهيئة والتى لا توجد عليها أية رقابة لا داخلية ولا خارجية. مدارس سوزان حدث ذات مرة قبل سقوط سوزان مبارك أن تجرأ أحد رؤساء فرق المراجعة وهو الدكتور هشام صقر، أن أصدر تقريراً وتوصية بعدم اعتماد إحدى المدارس التى كانت ترعاها سوزان مبارك، فأجبره رئيس الهيئة على الحضور فى ساعة متأخرة من الليل لمقر الهيئة وحاول إجباره على تغيير التوصية من عدم اعتماد إلى اعتماد، إلا أن الرجل رفض ذلك رغم أنها كلمة واحدة سيقوم بشطبها هى كلمة «عدم»، واستقال الرجل ولم يرضخ لتعليمات رئيس الهيئة تاركاً له اعتماد المدرسة. فساد مالى لا تكتمل منظومة الفساد فى أى مؤسسة إذا ما اقتصرت على الفساد الإدارى ولكن لابد أن يتبعه فساد مالى. وتقول سطور الشكوى التى رفعتها الإدارة المالية بالهيئة بتوقيع كل من حسام الدين زكى السيد ويحيى عبدالحميد الشاعر إلى الدكتور هشام قنديل، رئيس الوزراء: «استولى قاسم لنفسه على مائة وخمسين ألف جنيه من أصل 500 مليون دولار منحة مخصصة للهيئة فى وزارة التعاون الدولى من أجل نشر ثقافة الجودة وأودع المبلغ فى حساب شخصى له فى البنك التجارى الدولى فرع أبوداود الظاهرى ثم قام بتسوية المبلغ حسابياً، كما سافر رئيس الهيئة فى مهمات عمل لأمريكا وكندا حاملاً معه 50 ألف دولار كسلفة مؤقتة، قام بتسويتها فيما بعد، واستعان قاسم عن طريق الندب بعدة موظفين بالهيئة يقارب عددهم عدد العمالة الثابتة بها ومنهم على سبيل المثال استعان فى مجلس إدارة الهيئة بأشخاص تخصصاتهم بعيدة كل البعد عن عملية التعليم والجودة مثل الدكتور شرين حسن عباس من شركة فاركو للأدوية والمهندس عقيل بشير الرئيس السابق للشركة المصرية للاتصالات ويبدو أن اختياره كان مجاملة لأحمد نظيف ولجأ قاسم لتهميش دور نواب الهيئة الأربعة وهم معنيون بقرار من مجلس الوزراء وأسند مهامهم إلى المستشارين والموظفين الذين انتدبهم من الخارج ليعملوا مستشارين له لبعض الوقت وبسببهم تضيع أموال الهيئة، حيث تنفق على مكافآتهم وعلى بدلات حضور الجلسات واللجان التى يمكن أن تتجاوز العشر لجان يومياً وكذلك على بدلات سفر هؤلاء وإقامتهم فى أفخر الفنادق فى الداخل والخارج لمهمات سفر بعضها صورى وبعضها لم تستفد منه الهيئة شيئاً على الإطلاق. لقد بلغ ما أنفقه قاسم على بدل حضور اللجان لمحاسيبه الموظفين طيلة الأربع سنوات السابقة خلال رئاسته مبلغ 540000 جنيه وهو صاحب سلطة التصديق على صرف البدلات ومنها بدلات للجان متكررة المهمة بما يمثل ازدواجية فى الصرف وتمرير الامتيازات لبعض الأشخاص بطريقة وهمية وصورية. الطباخ أما أوراق الشكوى رقم 71 لسنة 2012 المقدمة لرئيس هيئة النيابة الإدارية فى 2/9/2012 فقد شكا فيها العاملون بالهيئة من قيام قاسم بندب المستشار أحمد محمد على الطباخ للعمل كمستشار قانونى لرئيس الهيئة وكان فى الأصل يعمل بالنيابة الإدارية فى محاولة من رئيس الهيئة لإيجاد ظهير قانونى له يرد على الشكاوى المقدمة ضده بالنيابة الإدارية والجهات الرقابية الأخرى، علماً بأن حرم المستشار الطباخ منتدبة أيضاً للعمل بالهيئة لبعض الوقت إلا أنها مقيمة بالهيئة طوال الوقت وتتقاضى جميع الامتيازات الممنوحة للعاملين بالهيئة، وقد جاء قرار ندب الطباخ بعد تاريخ الدعوى التى رفعها موظفو الهيئة إلى رئيس النيابة الإدارية ضد قاسم. إنفاق سفهى ولقد بلغ الإنفاق السفهى داخل الهيئة مداه حتى أن ما تم إنفاقه على حضور أحد مستشارى قاسم لورشة عمل فى أمريكا وكندا لمدة أسبوع مائة وخمسون ألف دولار، وذلك فى مطلع عام 2010، ولقد أنفق رئيس الهيئة على شراء مفرمة للورق وأتوبيس للهيئة ولم يتم استغلالهما وظلا بمخازن الهيئة حتى أصابهما الصدأ، كلفت تلك المشتروات الهيئة ما يزيد على السبعمائة ألف جنيه. لقد بلغ انفراد قاسم بالسلطة قيامه باتخاذ قرار بالحصول على أرض للهيئة من محافظة القليوبية بنظام حق الانتفاع بمبلغ مائة ألف جنيه سنوياً ومساحتها 675 متراً مربعاً بحى غرب شبرا الخيمة لم تستخدم الهيئة تلك المساحة ورغم ذلك طلب رئيس الهيئة زيادة المساحة إلى 1210 أمتار دون استغلال للمساحة السابقة أو الجديدة. استغاثات استغاث العاملون بالهيئة من ديكتاتورية رئيسها بالعديد من الجهات ومنها وفق جهاز الكسب غير المشروع ونائب رئيس الجمهورية والمستشار وزير العدل ورئيس الوزراء وأخيراً رئيس الجمهورية، فما كان من رئيس الهيئة إلا أن لجأ لسلاح الإرهاب القانونى والبلاغات الكيدية ضد 18 من العاملين بالهيئة من الذين اعترضوا على سياسات الهيئة التى يتبعها قاسم وإدارته للهيئة واتهم قاسم العاملين بالتجمهر وتعطيل العمل والاعتداء عليه بالسب والقذف والغريب أن اليوم الذى اتهمهم فيه بتعطيل العمل والتجمهر، كان العمل بالهيئة يسير سيراً طبيعياً وذلك من واقع الأوراق المستخرجة من «سيستم» العمل بالهيئة. نداء نكرر مع الموظفين بالهيئة نداءهم واستغاثاتهم ونقول أنقذوا الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد قبل فوات الأوان.