موقف مؤسف كنصل سكين لم يعد يجدى السكوت عنه ، وكنت أظن أن الصدور لم توغر بهذا الكم من الحقد الدفين وأنه مازالت بالقلوب بقايا محبة وتسامح بعض مما استقينا من معينهما الإنجيل والقرآن ، أما الحضارة فتركت بصماتها على أفعال المصريين وجعلتهم مميزين نبلا ووفاء لكنى أيضا أخطأت التقدير ، فمازلت ممن يكتبون الشعر أجاهد من أجل تأكيد الوحدة الوطنية فى كل قصيدة ، كم عصفت بمصرنا فتنا كثيرة ولم أترك لقلمى العنان ليغضب أو ينفعل بل جعلت منه بلسما يداوى الجراح لأطوى صفحة من الماضى وجعلت القوافى تدق أجراس الكنائس مع تكبير الآذان ، تلميذ بالصف الثالث الإبتدائى فى إحدى مدارس اللغات وحيد والديه متفوق من بيئة طيبة ، تعلم كيف يحب الآخرين جبل على محبة القط والعصفور ، أما النبت فيرويه ليضفى عليه عطرا ونماء ، تم استدعاء ولى أمره ، فراحت أمه على عجل والقلق يعصف بها ترى هل ألم بالولد مكروه ؟ هل حدثت مشاده بينه وبين أقرانه كعاده الأطفال دائما ، ظل عقل الأم يعتصر فلم تجد إجابة شافية إلا عندما أطلعها مدير المدرسة على الحقيقة المرة ، وهى أن هناك شكوى من بعض الأمهات بوجوب نقل التلميذ الى فصل آخر حيث لوحظ أنه يتحدث عن الكنيسة كثيرا وقام بجمع كراسات التلاميذ ليدون أسماءهم ( عبد المسيح ) بمعنى أن وجوده خطرا وتهديدا للسلم العام وقد تشتعل الفتن الطائفية فتعصف بالوطن الآمن ، نزلت الكلمات على الأم كالصاعقة ، ذو الثمان سنوات يشعل فى مصر حريق ؟ قالت للمدير مستحيل ويمكنك أن تسأله وتأمر باستدعائه وما أن أتى التلميذ وبالمناسبة فهو الأول على صفه متفوق دراسيا ومتفوق أيضا فى الأنشطة الأخرى كالموسيقى والسباحة وبما أن أمه أيضا ( معلمة ) فهى تعاونه على فهم المزيد سأله المدير بلطف وتودد فأجاب التلميذ لم أكتب شئيا ، لم تمس يداه الكراريس ولم يبدل أسماء زملائه بعبد المسيح ، لم يخطئ ولم ينبس ببنت شفة عن الكنيسة أو الإنجيل ، هكذا أصبحنا ، هكذا نحن الآن أصبح العار كل العار وجود تلميذ مسيحى فى الفصل العيب ليس فى التلاميذ العيب فى عقول الكبار الذين إكتظت أفئدتهم بالكراهية للآخر ونقلوا تلك الكراهية بالتبعية للأبناء ، قال المدير أن إحدى الأمهات فى حزن شديد منذ العام الماضى بسبب هذا الطفل المسيحى الذى ظهرت عليه علامات التبشير ، إلى أين نحن ذاهبون ؟ ألا يكفينا الكوارث التى تحيط بنا ، بدلا من تماسك جبهتنا الداخلية نعمق الشرخ بين النسيج الواحد ، يستدعى الطفل لأنه من دين آخر ، كل جريرته أنه لم يعد مقبولا أن يجلس إلى جوار محمد وأحمد هل أصبح وباء ومرضا معديا يجب درء الخطر بنقله إلى فصل آخر والسؤال إذا تم نقله وفى الفصل الجديد بالطبع لن يروق للأمهات الأخريات لأن الطالب المسيحى أصبح فى نظرهن جرثومة قد تصيب أطفالهن بالعدوى ، وفى هذه الحالة سيطلبن نقله إلى فصل آخر وهكذا دواليك ، إذن ماالحل ؟هل يترك صرح التعليم لتهدأ نفوس بات الحقد والغل يعشش فيها ؟ كنا نربأ بهؤلاء الأمهات أن يعلمن أولادهن محبة كل الناس يغرسن الحنان والتسامح فى تلك الأفئدة البكر والنفوس البريئة التى لم تلوثها أفكار الكبار كنا نتوق لرأب الصدع بإعادة غرس القيم والمبادئ من جديد ، لانفرق بين هذا مسلم وهذا مسيحى نصبح يدا واحدة كما كنا فى الميدان نعطى لأطفالنا نموذجا حيا مازال صداه يرتد فى الأفلاك وكيف ينسى العبور العظيم وكيف إختلطت الدماء الذكية على أرض سيناء الحبيبة ، لاننكر أن جرح الفيلم المسئ مازال محفورا بالأذهان لكن شركاء الوطن عبروا وصرخوا بأعلى الصوت أن الجرح واحد والوجع واحد فكيف يدفع الثمن تلميذ صغير مازال متمسكا بأصدقائه يلعب معهم ويوجه لهم الدعوة فى عيد ميلاده يقتسمون الحلوى والشموع ، فمازالت الأشجار فى عينيه وارفة الظلال ، أمسك بالألوان ورسم علما لبلاده وكتب لن أهاجر واترك عمر